الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التغرودة» الإماراتية.. في الحفظ والصَّوْن

«التغرودة» الإماراتية.. في الحفظ والصَّوْن
13 ديسمبر 2012
هي شكل الروح الجمعي على مرآة التاريخ.. بها وثق الإنسان حضوره في الزمان والمكان.. وفي مختزناتها الثرة تتبدى حكمة الحياة وبهجتها الضافية. صُورها مهما طال بها الزمن تظل حية، طازجة، متوثبة. على لسانها يظهر الخفي والمتواري وتعلن المطمورات الثقافية والمجتمعية ثورتها على النسيان.. إنها الثقافة الشفاهية بكل أسرارها ما خفي منها وظل طيّ الكتمان وما ذاع وشاع على لسان الرواة وهم سادرون على الكثبان. لكنها – على أهميتها هذه – ظلت في نظر الكثير من الباحثين أقل أهمية من التراث المكتوب.. إلى أن قيض لها الله من يتبناها ويدافع عنها ويمنهجها ويقوننها وينزلها المنزلة التي تستحقها في تراث الشعوب والإنسانية الثقافي والحضاري. شـهيرة أحـمد باتت الثقافة الشفاهية واحدةً من أهم روافد الثقافة وتمظهراتها لما يمثله مخزونها غير المادي من دلالات وصور عن درجة التطور الذي عاشه مجتمع ما، واكتسبت أهمية متزايدة في هذا العصر الذي زحفت فيه العولمة بقضها وقضيضها حاملة معها مخاطر ذوبان الذواكر الثقافية للشعوب وتلاشي الهويات الحضارية فهرعت الأمم إليها، تبحث في مكوناتها عن الحماية وتكريس الذات الحضارية والخصوصية الثقافية لها. وهكذا، أصبح التراث غير المادي الذي، كان ينظر إليه باعتباره أقل أهمية من المكتوب، في بؤرة اهتمام الدول وفي موضع عناية “اليونسكو” التي خصصت له قائمة تحميه وتصونه من العاديات. وفي الإمارات وغيرها من دول الخليج، التي شهدت وتشهد تغيرات مجتمعية عميقة ومتسارعة، يواجه التراث بعضاً من هذه العاديات لعل أبرزها خطر الاندثار والضياع وربما التشويه والتحريف. من هنا تكتسب جهود الحفاظ على الذاكرة والتراث والثقافة الشفاهية أهمية مضاعفة، وإذا ما أضفنا رحيل الكثير من الرواة وكبار السن، شهود العيان على الذاكرة القديمة، يمكن للمرء أن يفهم معنى أن تبذل الدولة كل جهودها لتسجيل مفردة من تراثها على قائمة اليونسكو. وقد بذلت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة جهداً كبيراً في إعداد ملف “التغرودة” التي يأتي إدراجها على قائمة اليونسكو كتتويج لهذا الجهد. «التغرودة» والهوية إذن.. ها هي التغرودة أسوة بأخواتها من مفردات التراث الإماراتي: “الصقارة” و”السدو” تنجح في أن تحتل موقعها كتراث إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، لكن ما الذي يعنيه أن تسجل دولة ما عنصراً من عناصر تراثها المادي وغير المادي في اليونسكو؟ ثمة فوائد كثيرة بالطبع على أكثر من صعيد، لكن أهمها على الإطلاق وفي مقدمتها أن يخرج هذا العنصر التراثي أو هذه المفردة التراثية من أسر الماضي ويتحرر من سجن النظرة الماضوية للتراث، التي لا تعدو كونها نظرة أرشيفية تختزله في مبنى تراثي أو رفوف مركز بحثي، لتطلقه كممارسة يومية ينبغي الحرص على استمرارها والمحافظة عليها وتطويرها إن كان ذلك ممكناً.. كما يخرجه من آنية الاهتمام والظهور المناسباتي إلى ديمومة الفعل والحضور واستمراريته. بكلام آخر، يفتح أفق اليونسكو الواسع فضاءات جديدة لهذه المفردة التراثية التي تشبه طائراً سجيناً ليزقزق ويطير في سماوات رحبة. ولأن لليونسكو آليات تتأكد من خلالها من التزام الدول وقيامها بمسؤوليتها تجاه التراث المسجل في قائمتها، فإن المنتظر في هذه الحالة أن يشهد التراث المسجل تطوراً على مستوى التدوين، والمنهجة، والتوظيف في مجالات الحياة المختلفة، والاهتمام البحثي والفكري، والممارسة اليومية التي تجعله مصاناً، محمياً من الضياع أو النسيان وربما التلف. بالنسبة للإمارات، تبرز مسألة الهوية الوطنية وترسيخها بشكل ملح، والتراث بكل تجلياته مكون أساسي من مكونات هذه الهوية، وبالتالي فإن الحفاظ عليه كإرث للأجيال القادمة، كما يقول معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، “يمثل أساساً مهماً لهوية شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، جنباً إلى جنب مع استراتيجيات التطوّر الحضاري والانفتاح الثقافي، وهو النهج الذي سار عليه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كما أن إدراج “التغرودة” في قائمة اليونسكو من شأنه أن يسهم في تعزيز استمرارية هذه الفنون التراثية الأصيلة، وتسليط الضوء على التراث الثقافي لدولة الإمارات، وتشجيع التنوع الثقافي والإبداع البشري والحوار بين الحضارات”. ويقرأ سعادة مبارك حمد المهيري، مدير عام هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في هذا النجاح دلالة أخرى هي “كفاءة الملفات العلمية التي قدمتها الدولة بالتعاون مع سلطنة عُمان الشقيقة”، أما على صعيد الآثار الإيجابية التي ينطوي عليها هذا التسجيل فهي تنسحب على “انتشار هذه الفنون التراثية الأصيلة، وزيادة مستوى الوعي بأهمية التراث الثقافي غير المادي على المستويات الأهلية والرسمية، والإسهام في توفير فرص استمرار التغرودة وبقائها كلون تراثي أصيل وتعزيز مكانتها في قائمة فنون الأداء واستمرار ممارستها من قبل الأجيال الحالية والقادمة في مجتمع الإمارات وسلطنة عمان”. ويلفت د.ناصر علي الحميري مدير إدارة التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ومنسق ملفي الصقارة والتغرودة، إلى أنّ إدراج هذه العناصر التراثية لدى اليونسكو “سيسهم في تعزيز الترابط بين أبناء المجتمع، وتدعيم الجذور الثقافية لهم، كما يشكل حافزاً قوياً للجمعيات التراثية لتقديم عروض التغرودة في المناسبات الاجتماعية والوطنية والمسابقات الشعرية، لاسيما تلك التي تعقد أثناء مهرجانات التراث السنوية أو سباق الهجن، علاوة على أهمية هذا الإدراج في تطوير هذا اللون الشعري بحيث يتناول موضوعات مجتمعية معاصرة. وبالفعل فقد تم دمج بعض قصائد التغرودة الشعرية مع بعض عناصر التراث الثقافي غير المادي الأخرى، مثل فن العيالة”. ما بعد التسجيل كانت مشاعر الفرح والفخر بادية على وجوه كل الذين قابلتهم في إدارة التراث المعنوي التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حين ذهبت أبحث عن معلومات إضافية حول “التغرودة”، كانوا يتبادلون التهاني والتبريكات مع الدكتور اسماعيل الفحيل مستشار التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كما لو أنهم في فرح. فها هي جهودهم تثمر، وها هي الإمارات تنجح للمرة الرابعة في إدراج مفردة من مفرداتها التراثية على قائمة اليونسكو حيث سبق لها أن نجحت في تسجيل الصقارة (نوفمبر 2010)، وفي تسجيل مدينة العين (يونيو 2011)، وحرفة السدو – مهارات النسيج التقليدية في دولة الإمارات (نوفمبر 2011). شعرت أن يوم الخميس الماضي (السادس من ديسمبر الجاري) لم يكن مثل غيره من الأيام الباريسية، على الأقل بالنسبة للمعنيين بالتراث وشؤونه بشكل عام، وبالنسبة إلى هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وإدارة التراث المعنوي بشكل خاص، ففي هذا اليوم قطف العاملون ثمرة بعض الجهود التي بذلوها في واحد من الحقول التراثية، ذلك أنهم يعملون على قدم وساق لإنجاز الطموحات المأمولة، وتحقيق استراتيجية الهيئة لصون التراث الثقافي المادي وغير المادي لإمارة أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة.. وفي هذا السياق أعد الخبراء والباحثون في التراث المعنوي قوائم جرد لما يزيد عن (200) عنصر من بين عناصر التراث الثقافي غير المادي في الدولة ضمن الإجراءات التي تتطلبها اليونسكو لاعتمادها في القائمة التمثيلية لديها. للفرح أسبابه، فليس هناك ما هو أجمل من أن يجد المرء جدوى أو صدى لما يفعله، ولا أحلى من أن يحصد ثمار ما يزرع.. أما الفخر فله أسباب أخرى يمكن العثور على بعضها في حديث السيدة إيرينا بوكوفا، مدير عام اليونسكو، التي ترى أنه “يحق لكل دولة يتم تسجيل تراثها في اليونسكو أن تفخر بذلك، فمن شأن ذلك أن يدعم من هوية مواطني الدولة، فالتراث غير المادي هو فخر الدول والمجتمعات والجماعات، وهو الذي يسهم في خلق الاحترام والتفاهم والسلام بين الشعوب، ويساعدها على تحقيق التنمية المستدامة. فالصون لا يعني تجميد التراث، وإنما يعني نقل المعارف والمهارات والمعاني والقيم من جيل لآخر وهذا هو الذي تركز عليه اتفاقية اليونسكو للعام 2003. لذا فإن التسجيل هو الخطوة الأولى التي ينبغي أن تتبعها خطوات جادة للحفاظ على هذا التراث، وهنا تبرز مسؤولية الدولة وهيئاتها المتخصصة”. إذن.. ليست العبرة في التسجيل فقط، على أهمية خطوة كهذه، بل في الخطوات التي تلي التسجيل، أي في الإجراءات التي ستتبع لصون التراث وهو الفصل الأهم في هذه الحكاية. في الملف الخاص بالتغرودة تعريف بالجهود الحالية التي تتبع لصونه، والجهود المقترحة لصونه في المستقبل، ولعل أول هذه الإجراءات أنه جرى دمج بعض قصائد التغرودة الشعرية مع بعض عناصر التراث الثقافي غير المادي الأخرى، مثل رقصة العيالة، حيث يعد استخدام التغرودة لأغراض عملية أحد الجوانب التي تحافظ على هذه الممارسة الثقافية. في الواقع، لم يبق من شعراء التغرودة على قيد الحياة إلا عدد قليل (يقدر عدد شعراء التغرودة في أبوظبي وحدها بحوالي 300 شاعر، وفقاً للبحث الذي قامت به أكاديمية الشعر). بيد أن ذلك لا يعني غياب هذا الفن نفسه، حيث يقوم حاملو هذا التراث والمنشدون بإنشاد هذا النوع من الشعر أثناء المجالس (التجمعات الاجتماعية) ومعسكرات الصحراء التي تتم في الشتاء. ولا تزال قصائد التغرودة مستخدمة في الحياة اليومية بين العائلات كنوع من أنواع الأمثال الشعبية. وعادة ما يقوم كبار السن في بعض الجماعات الصغيرة بتبادل قصائد التغرودة في مناسبات عدة، مثل الأعراس وسباق الهجن واحتفالات التخرج وغير ذلك من المناسبات الاجتماعية. كما تشارك العديد من الجمعيات التراثية بشكل فعال في تقديم عروض “التغرودة”. وقد استخدم بعض حاملي هذا التراث مؤخراً قدراتهم الإبداعية في تأليف قصائد “التغرودة” للحديث عن بعض الموضوعات الحديثة في الحياة الحضرية. وعلى طريق صون “التغرودة” والحفاظ عليها، قامت الإمارات بإصدار عدد من القوانين التي تنص على حفظ وحماية وصون تراثها الثقافي. ومن بين الممارسات التي تجري حالياً بهدف الصون؛ توفير الدعم المالي لشعراء التغرودة المميزين، وتدريس التغرودة كأحد المواد في أكاديمية الشعر، ونشر المجموعات الشعرية والدراسات والبحوث حول “التغرودة”. إلى ذلك، يحتفى بهذا الشعر من خلال تنظيم الأمسيات الشعرية في المناسبات والاحتفالات الوطنية والإقليمية، ويجري الاهتمام بنشر بعض القصائد التمثيلية في مجلة شاعر المليون وصحيفة هماليل المخصصة للشعر الشعبي. علاوة على حضور “التغرودة” في بعض برامج القنوات التلفزيونية الوطنية حيث تستخدم بعض المقاطع المختارة لكبار شعراء التغرودة كموضوعات لهذه البرامج. وعود المستقبل أما على صعيد إجراءات الصون المقترحة، فهناك الكثير مما يعد به الملف الخاص بالتغرودة الذي قدم إلى اليونسكو، ومن ذلك: ? البحث والتوثيق: يهدف بشكل اساسي إلى تجميع جميع أشعار التغرودة المعروفة وعمل مرجع كبير منها. وسوف يتاح هذا المرجع لجميع الباحثين وخبراء الشعر والتراث، وذلك لتحليل وتفسير الأشعار التي تم تجميعها، ونشر دواوين الشعر والكتب المرجعية (أصدرت أكاديمية الشعر بالفعل مجموعة شعرية تضمنت نماذج من شعر التغرودة لبعض الشعراء القدامى والحاليين، كما أصدرت كتاب “التغرودة الإماراتية: دراسة علمية في فن التغرودة في الشعر النبطي الإماراتي”للباحث الدكتور غسان الحسن وهي الأولى من نوعها على هذا الصعيد). إلى ذلك، سوف تستمر هيئة أبوظبي للسياحة والتراث في برامجها البحثية من خلال عقد مجموعة لقاءات وتسجيلات صوتية ومصورة لحاملي هذا التراث. وسوف يتم تفريغ البيانات المجمعة لتصبح محتوى لأشعار التغرودة التي يتم تجميعها. وستتاح هذه المعلومات للباحثين والدارسين من خلال المكتبات المتخصصة ومراكز التوثيق. ? التعليم النظامي: سيتم الإشارة إلى عناصر التراث الثقافي، بما في ذلك شعر التغرودة، في المناهج الدراسية في التعليم الأساسي والثانوي في الدولة. ومن المتوقع أن يلعب تعليم الطلاب الموضوعات المتعلقة بتراثهم الثقافي غير المادي في المدارس ووضع المواد التعليمية والتدريبية المناسبة، مثل الكتب والاسطوانات المدمجة والفيديو والأفلام الوثائقية والكتيبات، دوراً في تعزيز وعي الجماهير المستقبلية بأهمية هذا العنصر من عناصر التراث الثقافي غير المادي. أما الأنشطة الخارجة عن المقررات الدراسية، فتشمل دعوة بعض الممارسين لهذا الفن والحاملين له لشرح تراثهم في المدارس والمؤسسات التعليمية، وذلك لإتاحة الفرصة لجميع الطلاب لحضور إلقاء أشعار التغرودة. ? العروض المفتوحة: سوف تنظم العديد من الأندية والمراكز الثقافية في البلدين مجموعة من حلقات إلقاء شعر التغرودة. ويمكن للجمعيات التي تؤسسها وتديرها الجماعات بأنفسها أن تلعب دوراً حيوياً في دعم نقل التراث الثقافي غير المادي وتثقيف الجماهير بخصوص اهمية هذه الجماعات. ? المنافسات الوطنية: من أكثر الطرق فعالية في حماية هذا العنصر هو رفع مستوى انتشاره من خلال تنظيم المسابقات المخصصة لشعر التغرودة. وهناك في البلدين دعماً أهلياً للمهرجانات الإقليمية التي تقام من أجل التغرودة بشكل سنوي، حيث يتنافس فيها مجموعة من الشعراء والمؤدين. كما تستمر مسابقة شاعر المليون في تخصيص فئة لشعر التغرودة، وكذلك أكاديمية الشعر (أبوظبي) التي تعقد أيضاً بعض المسابقات الخاصة بالتغرودة. ? سباق الهجن: تعد التغرودة جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الإبل، ويعد سباق الهجن من الرياضات الشائعة والشعبية في كلا البلدين، لاسيما وأن الأدوار النهائية من سباقات الهجن تجذب الكثير من الجماهير في منطقة الخليج. وسوف تستمر التغرودة في لعب دورها الهام في هذه الاحتفاليات التي تحظى بتغطية تلفزيونية موسعة. ? رفع مستوى الوعي من خلال وسائل الإعلام: يمكن لوسائل الإعلام، لاسيما البرامج التلفزيونية، أن تسهم بشكل فعال في رفع مستوى الوعي بالأهمية التاريخية للتغرودة كأحد أهم عناصر التراث الثقافي غير المادي، ولدورها المعاصر الذي تلعبه في المجتمع. وبعد... من هذا وغيره، تنبع أهمية هذا الحضور العالمي للتراث، فالعائد المنتظر كبير بلا شك.. والفوائد التي يمكن أن تتحصل منه بعيدة المدى. وفي العمق، ينجم عن التسجيل تعريف عالمي بالدولة صاحبة التراث، وبالملامح التي تشكل قسمات وجهها الثقافي والحضاري، وحضورها في التاريخ والجغرافيا، فضلاً عن بناء الهوية الوطنية وتعزيز أسسها، والارتقاء بالعلاقات بين الشعوب والدول، فالتراث بكل ما ينطوي عليه من قيم رمزية وإنسانية من شأنه أن يجسر الهوة بين الثقافات والحضارات ويسهم في التعارف بينها، بكل ما يعنيه ذلك من تحقيق قدر أكبر من الفهم المتبادل وإزالة سوء الفهم في حال وجوده، وتكريس قيم التآخي والحوار الثقافي والمُشترك الإنساني. أما الرابح الأكبر فهو التراث نفسه، إذا صحت العناية به، لأنه سيجد مكاناً فسيحاً له في الذاكرة المكتوبة، المنظمة، والمنهجية، حيث يدون بشكل علمي ويكون موضوعاً للأبحاث والدراسات. حين يودع المرء شيئاً غالياً أو ثميناً عند شخص آخر ويوصيه بالعناية به وعدم التفريط به أو إضاعته، يرد الثاني قائلاً: “في الحفظ والصون”، وهذا يعني طمأنة صاحب الحاجة إلى أن حاجته في أمان. والحال أن “في الحفظ والصون” هذه، هي الترجمة الحقيقية لما تقوم به الدول تجاه تراثها. فالتراث أمانة ينبغي الحفاظ عليها وكنز ينبغي صونه. وعليه، يمكن القول بأن تسجيل أي مفردة تراثية على قائمة اليونسكو هو لها بمثابة “قبلة الحياة” التي تخرجها من خطر الموت والاندثار وتجعلها في الحفظ والصون. ريادة إماراتية أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “التغرودة” كتراث إنساني حيّ، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، خلال الاجتماع الدولي للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي للبشرية، الذي عقد في مقر اليونسكو بباريس، من 3-7 ديسمبر 2012 بمشاركة وفود 146 دولة عضو في اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي. وضم وفد الدولة كل من: سعادة مبارك حمد المهيري مدير عام هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، د.ناصر علي الحميري مدير إدارة التراث المعنوي في الهيئة، والسيد أحمد علي الضنحاني نائب مدير إدارة التراث والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ود.إسماعيل الفحيل مستشار التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، والسيد عوض علي صالح مستشار التعاون الثقافي الدولي في الهيئة، والسيد محمد الفريحات المستشار القانوني في الهيئة، والسيد سعيد حمد الكعبي رئيس قسم الإنتاج في إدارة التراث المعنوي بالهيئة. وقد أشادت سكرتارية اليونسكو والدول المشاركة عشية إعلان القرار بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وصفتها بأنها من أكثر الدول التزاماً بالحفاظ على تراثها وبتطبيق اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، وبخاصة في مجال تطوير القدرات من حيث عقد الدورات التدريبية والمؤتمرات والملتقيات العالمية والإقليمية، فضلاً عن دور هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في ترجمة ونشر مطبوعات اليونسكو مما يضع دولة الإمارات في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©