الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فــاطمة الكعبــي: الخطوات الأولى فـــرح ووجــع

17 يونيو 2007 23:26
كأن حياتهن الحقيقية في مكان آخر، بقعة محفوفة بالأحلام، برائحة الضوء، وبهجة الحكاية، كأنهن يبحثن عن أقدام تهبهن قدرة على الترحال خارج المألوف مجللات بوحدتهن الساكنة، عن عصا تفتح لهن فراديس يلجْنها بجرأة ونزق· من حنايا الجدات الطيبات وثرثراتهن الطافحة بالحنان ورائحة ماء الورد والزعفران·· انسللن ليخلقن عوالم من نور·· ويبدأن الخطو، كلمات، خواطر، ثم أشعار متناثرة وقراءات مكثفة قادتهن إلى التسكع في براري مسيجة بالثرثرة والنبق واللوز والمسرات والحكايات الدائخة، المادةِ أرجلَها للهواء· في ملتقى ''القصة الخليجية النسوية الجديدة'' الذي استضافته دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة مؤخراً - والذي لسوء حظهن لم يحظ بحضور - قرأن شهادتهن··'' الاتحاد'' لملمت أهم الشهادات وتنشرها تباعا، فماذا قالت كاتبات القصة الخليجيات اللاتي اجتمعن في قصر الثقافة ثلاثة أيام في تلك الشهادات؟ القاصة الاماراتية فاطمة محمد الكعبي كتبت عن سيرتها التالي: ( 1 ) البدايات·· خفق الروح الأول·· بداية الفصول، أول تماسٍ بين المطر والعشب، وأول اخضرار للورقة على الغصن· البدايات الجميلة المؤرّقة، حيث النضوج وبداية تعارف جادٍ مع الحياة، والسهر الحميم على الحلم، وقلم يشاكس الكلمات فتارة ينهمر، وأخرى يمتنع· حيث القراءات الأولى، أول علاقة حب مع الكتاب، روايات الجيب وقصص نجيب الكيلاني التي كانت تملأ أرفف مكتبة المنزل، أعمال المنفلوطي، ونجيب محفوظ، والعقاد، ثم كتب المراهقة، وكتب مكانها أسفل السرير، حيث لا تصل الأعين، أعمال المنفلوطي الكاملة، روايات غادة السمان وكتاباتها اللذيذة· الخربشات الأولى على الورق: دموع·· عيون·· قلوب مجرّحة·· وفارس أحلام لا يمتطي إلا صهوة الورق، ونصوص مثلومة كانت تسميها مرة شعراً ومرات أخرى خواطر، تخبئها تحت جفنيها، لتقرأها ليلاً على أبطال صنعهم وهمها الجميل، خمسة عشر عاماً كان عمرها عندما خطّت قصتها الأولى ''وتلاشت في الزحام'' وعندما وقفت أمام أخيها وناولته القصة بلهفة عاشقة، وانتظرته تعد الثواني حتى ينتهي من قراءتها، وقلبها يخفق، حتى أعلن ذات مساء صيفي دافئ أمام العائلة عن ولادة قاصة· وبدأ بعدها الحلم، كانت صفحة (على الدرب) بصحيفة الاتحاد تطل أسبوعياً بالشعر والقصة والخاطرة، وأسماء كانت تتوقف عندها طويلاً، كانت تتخيل اسمها بالحبر الأسود يذيّل نصاً ما· مثل عائشة الكعبي؟ لم لا؟ غرور مراهقة وثقة لم تخذلها يوماً، وجاء النص الأول بعد سنوات، وتطل صفحة رأي الناس صباح جمعة بقصتها الأولى ''وتلاشت في الزحام'' مذيلة بـ (فاطمة الكعبي - كاتبة إماراتية) وداعبها غرور: - كاتبة·· شهي هذا اللقب خاصة مع البدايات! وهكذا بدأت الفراشة الصغيرة تكبر، خرجت من شرنقتها وحلقت في صفحة ''على الدرب'' بجناحين من قصص· (2) جرس مدرسة أم كلثوم الثانوية بعد الحصة الثالثة يعلن بداية الفسحة، تتدافع الطالبات بأجسادهن المورقة صبا وشقاوة صوب الباب بشغف، كأنهن يخشين أن يغيّر الجرس رأيه ويعدن للدرس· ضحكاتهن تملأ الأروقة وهن يتسارعن إلى مقصف المدرسة، بينما كانت هي تتسلل بعيداً عن أعين المناوبات إلى غرفة معلمات اللغة العربية، تقطع الممر وهي تستعيد في رأسها برنامج الاذاعة المدرسية الذي قدمته صباحاً، كانت لا تحب طابور الصباح، فتهرب منه إلى الإذاعة، وبينما كانت الطالبات يهربن من دور المقدمة، كانت هي لا ترضى سوى بهذا الدور، كانت تستمع بكتابة مقدمة الاذاعة فتنمق الكلمات وتختارها بحرص· ثلاث سنوات هي عمر دراستها الثانوية، وأجمل الوقت كانت تقضيه هناك مع معلماتها: حنان، سمر وهناء مازالت تذكر عندما قفزت ''أبلة'' هناء من كرسيها بعد أن فرغت من قراءة قصتها وقبلتها بين عينيها، كلام كثير كان يتناثر حولها، ألوانا وموسيقى ويرفعها على مهل نحو السماء، كانت تختال كأميرة، قاصة أم كلثوم، وأثبتت أنها تستحق بعد أن حصدت المركز الأول على مستوى الدولة في مسابقة القصة القصيرة للمرحلة الثانوية ثلاث سنوات متتاليات· حرقة الاسئلة في دبي، كانت تواجه كل سنة لجنة تحكيم المسابقة، كانوا يقلبونها على اسئلة حادة كالسيوف، صرّحوا مرة: لا نصدق أن طالبة في هذا السن تكتب قصة بهذا المستوى· شعرت بغصة واختناق، تابعت استجوابهم بثقة؛ واجتازت المسابقة بنجاح؛ أرادت المدرسة تكريمها على هذا الحصاد الذي رفع اسم المدرسة عالياً، ذات صباح نودي اسمها وكانت الجائزة قلم حبر جاف، تحطمت وكتمت عبراتها· وفي تكريم آخر كان الجائزة علبة خياطة· هنا تفجرت كل الدموع الرابضة في جفنيها، وهربت إلى مكان قصيّ وراحت تجهش بحرقة وقهر· (3) أكتبي عن فاطمة الإماراتية توقفت عند عبارته كثيراً، كان الدكتور سمير معلوف، أول من وضعها في مواجهة مع نفسها، أول من عبأها بثقة لا حدود لها، أشعل شموعاً كثيرة في طريقها وقبل أن يرحل قال: أنا واثق أنك ستحملين يوماً ضياء القمر بيديك· أولى سنواتها الجامعية، أول تعرفها على نفسها، على رغباتها وطموحها، بداية القراءة الهادفة، والرغبة الجادة في كتابة ما هو مميز، وما هو خاص باسمها، كانت تبحث وكانت سنة التخصص: قسم اللغة العربية وآدابها، أفق جديد وشهيّ يشرع بهاءه لها، رحب بها قاصة وعاشقة للغة· وصافحتها قامات شامخة وأسماء كبيرة تركت بصمتها عليها: إنسانة، وطالبة، وقاصة· انضمت إلى نادي الإبداع، أقامت أمسيات قصصية، وشاركت في مسابقات كثيرة، كانت القاصة فيها تكبر، تلامس سماوات إبداعية، وكان الدكتور علي جعفر العلاق يدفعها نحو ألقٍ خاص، هو ألق الشعر، فعلمها كيف تحب الشعر، وكيف تعيش في القصيدة وتتنفس بها، فاتجهت بوصلتها نحو الشعر الحداثي وتأثرت به، وقرأت بنهم لمحمود درويش وأدونيس· في الجامعة، واجهت الكثير من التجريح: كتاباتك إباحية! كتاباتك عارية! استهجنوها، أنكروا على فتاة إماراتية هذا التميز، ولكنها صمدت، إيماناً منها بأن ما تكتبه يجب أن يُكتب، ثمة أمور يجب أن نقرأها، وثمة خطايا وعيوب لن تجرحنا حتى تُكتب فنواجه ذنوبنا مكتوبة· التطور لا يكون بتعمير الأسمنت، بل بتعمير الإنسان، وعلاقته مع نفسه، علاقته مع مجتمعه، ونحن مازالت علاقاتنا مع أنفسنا مفككة، وغائمة، خاصة المرأة، والإماراتية تحديداً، وكفى القصة الإماراتية بعداً عن همومنا! هكذا كانت بداية تفتح الزهرة، وبداية مشوار الرحيق، الحروف الأولى المبهمة، وبداية تكوين الكلمات، تنظر إليها الآن بحنين، ولكنها لا تتمنى العودة·· هي فقط تستجدي الحياة المزيد من القوة والمزيد من الرحمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©