الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتجاجات العالمية و«عيوب» الديمقراطية الجديدة

22 ديسمبر 2013 22:27
يعتبر هذا العام من أكثر الأعوام نشاطاً وجرأة فيما يتعلق بالاحتجاجات الاجتماعية، ليختتم بالاضطرابات التي شهدتها كل من أوكرانيا وتايلاند إلى جانب الأحداث التي شهدتها سنغافورة التي تنعم باستقرار كبير، كما دوت الاحتجاجات على نحو متقطع في العديد من الدول الأوروبية التي تعاني من التقشف، وخلال الصيف شهدت تركيا والبرازيل مظاهرات حاشدة. حدوث احتجاجات عديدة خلال هذه الفترة القصيرة يجعلنا نعتقد أن موجة دولية جديدة من الديمقراطية التي يتزعمها المواطنون مقبلة علينا. وقد تحدث محللون كثيراً حول بداية ظهور مجتمع مدني عالمي. وينظر العديد من الأكاديميين والنشطاء إلى التعبئة المدنية العالمية باعتبارها نظيراً عالمياً للعولمة الاقتصادية: ويصرون على أن تدويل الاحتجاجات، وقوة المواطن يمكنهما التخفيف من آثار الحرمان من العولمة المالية. ويبدو أن الاحتجاجات تحقق التوازن لمفاهيم النسبية الثقافية، حيث تلتقط الصور للمواطنين في البرازيل وتركيا وأوكرانيا وإيطاليا وروسيا ومصر وتايلاند، وهم يشاركون في معارك متماثلة في الشوارع. لا عجب أن لديهم آمال عريضة في إمكانية تحقيق ما يصفونه بـ «الكونية الديمقراطية». وهناك تشابهات واضحة بين الحركات المختلفة: استخدام تكنولوجيا الاتصالات؛ التوقعات المتزايدة للمواطنين؛ الإحباط من عمليات صنع القرار المبهمة في الديمقراطيات، والديمقراطيات شبه الوليدة والأنظمة الاستبدادية؛ وفقدان صحي للاذعان، حتى في بعض المجتمعات المتحفظة جداً والمجتمعات الهرمية. ولكن مع إمعان النظر، يصبح من الواضح أننا لا نزال بعيدين عن مشاهدة أي «روح لا تُهزم» للكونية الديمقراطية. وقد أثيرت بعض الاحتجاجات بأهداف كبيرة لتغيير النظم؛ بينما اتجه البعض الآخر إلى إحداث تغييرات نثرية في السياسة. والأكثر شيوعاً، أن هذه الاحتجاجات نجمت عن وقوع مظالم على المستوى المحلي أو بسبب فضائح فساد. وقد كانت النتائج مختلفة أيضاً، فلم تنجح كل الاحتجاجات، حتى في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف. ففي تركيا، على سبيل المثال، عزز رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من سلطته عقب الاحتجاجات. فقد كان يغلب على تركيا خليط خطير من ظل من الديمقراطية يتميز بأغلبية كبيرة وسخط اجتماعي جياش. أما المتظاهرون الأوكرانيون، فقد يجبرون حكومتهم على توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، لكن الدولة لا تزال بعيدة عن تحقيق الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، فإن الروابط بين الحركات الاحتجاجية المختلفة كانت محدودة نسبيا. فمعظم تظاهرات اليوم ليست عالمية، لكنها تحتوي على الأقل على القليل من المذاق القومي. فالنشطاء في روسيا ومصر لا يزالون يشعرون بالضيق حيال التدخل الخارجي. والتعبئة المضادة للتقشف في الدول الأوروبية اتسمت بالوطنية بصورة لافتة للنظر فيما يتعلق بلغة الخطاب والهيكل التنظيمي: فهناك نقص في التضامن الأوروبي وحتى في الإمدادات. كما أن المتظاهرين اليوم يلبسون عباءة القيم التقدمية لليبرالية المزعومة، لكنهم بعد ذلك يرفضون بعض المبادئ الأساسية للتعاون الليبرالي الدولي. والدروس المستفادة من العام الماضي أن الخطوة من الاحتجاج إلى الديمقراطية الأعمق هي خطوة كبيرة وغير مؤكدة. وفي الواقع، فإن الاحتجاجات غير المنظمة قد تمثل إشكالية بالنسبة لأجزاء أخرى ضرورية للمعادلة الديمقراطية. وتقريباً، فشلت كافة الاحتجاجات في تكوين أحزاب سياسية جديدة لتكون إرثاً دائماً؛ باستثناء حزب «عام آدمي» المناهض للفساد في الهند. ظهور الاحتجاجات المدنية يدور حول أشكال أكثر زوالاً للتنظيم السياسي. لقد ساهم في توسيع الانفصال بين المجالات المدنية والسياسية. والتعبئة الجماهيرية تتعايش مع التنظيمات ذات العضوية الجماهيرية، والتي تقترب من الموت مثل النقابات العمالية والأحزاب السياسية. وقد ينطوي ذلك على خطر دفع المواطنين بعيداً عن التوصل لتسوية ودراسة متأنية للمطالب الغريزية والمطالب الاشتراكية المتطرفة. وقد كان «أدموند بيرك»، بطبيعة الحال، مدركاً على نحو مخيف في الإنذار أن الثورات المدفوعة شعبياً تميل إلى أن يستولي عليها «حكم النخبة الحقيرة.» وقد مر 200 عام، ولا يزال تحليله يقدم أدلة على تفسير العديد من الانحرافات المأساوية للاختراقات الديمقراطية التي تحدث في يومنا هذا. وهناك العديد من الأشياء للقيام بها لتغذية الدافع الحقيقي الذي يقوده المواطن لتحسين الديمقراطية العالمية. ويحتاج النشاط المدني إلى أن يكون مقترناً باستجابة منشطة من الأحزاب السياسية، على الصعيد الوطني، ومن خلال التجمعات الدولية. وهناك المزيد للقيام به ليس فقط لتعزيز المجتمع المدني في كل دولة على حدة، ولكن أيضاً لتشجيع الروابط بين النشطاء عبر الحدود. كما يجب أن يرتبط الدعم المقدم لحركات المجتمع المدني باستراتيجيات لإضفاء الطابع الديمقراطي على الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات متعددة الأطراف. كما تحتاج حكومات الدول الغربية إلى فتح مجالات أكثر اتساعاً لحركات المجتمع المدني بداخل المؤسسات الدولية- بحيث تعطي الأخيرة نفوذاً حقيقياً وحافزاً لتطوير نظرة أقل ضيقاً. والمؤسسات العالمية في حاجة إلى أن تفهم كيف أن بعض وصفاتها الاقتصادية بإمكانها ليس فقط إثارة الاحتجاجات الديمقراطية، ولكن أيضاً القومية الخائفة التي تنظر إلى الداخل- من النوع الذي يتلاءم بصعوبة مع المتطلبات الخاصة بهذه المؤسسات. لا شيء من هذا يشوه القيم الإيجابية للثورات التي قام بها المواطنون خلال عام2013. فالنشاط الذي يشهده العالم اليوم، هو تصحيح صحي للحكم الذي يتزايد في عدم استجابته للمواطنين داخل وخارج الدول الغربية. ريتشارد يونجز زميل ببرنامج الديمقراطية وسيادة القانون في مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©