الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان: محاولة انقلابية وشرارة حرب أهلية

جنوب السودان: محاولة انقلابية وشرارة حرب أهلية
22 ديسمبر 2013 22:26
الزعماء السياسيون في دولة جنوب السودان، والذين يتعرضون لضغوط من المجتمع الدولي، يحاولون الحيلولة دون انزلاق البلاد نحو مزيد من القتال، ويشددون على الطبيعة السياسية للصراع ربما لن يتضح سبب إطلاق النار الذي اندلع في الثكنات العسكرية في جوبا منتصف ديسمبر الجاري، والذي دفع أحدث دولة في العالم إلى شفير حرب أهلية. وبُعيد ساعات من تبادل إطلاق النار في الثكنات العسكرية، انتشر القتال سريعاً في أنحاء المدينة، مخلفاً مئات القتلى وعشرات الآلاف من النازحين. وفي اليوم التالي، وقبل أن يتمكن الجيش من إجراء تحقيقه، ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير، واضعاً كامل نياشينه العسكرية، على إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية يدين القتال بوصفه محاولة انقلاب من نائبه السابق ريك مشار، المهندس الميكانيكي الذي تحول إلى مقاتل في الحرب الأهلية السودانية. وفي غضون ساعات، ألقت الشرطة القبض على عشر شخصيات سياسية بارزة. ومن جانبه، خرج مشار من جوبا واختفى أثناء القبض على سياسيين آخرين، وبعد يومين وجه في حوار مع صحيفة محلية انتقاداً لاذعاً لسلفا كير، ووصف القتال بأنه «سوء فهم» بين جنود، متهماً الرئيس باستخدام المناوشات كغطاء للتخلص من منافسيه. وسواء أكان انقلاباً أم سوء فهم، فإن الحادث كشف مدى هشاشة التحالفات التي تحكم دولة جنوب السودان. ولم يكن نيل جنوب السودان الاستقلال بالأمر الهين، فبعد عقود من الحرب، أصبحت الدولة التي ساعدت الولايات المتحدة في ظهورها إلى الوجود قبل أقل من ثلاثة أعوام، على شفا خوض حرب مع السودان، وبات اقتصادها على وشك الانهيار بعد وقف إنتاج النفط في بداية العام بسبب رفض دفع رسوم النقل المتضخمة بشكل عام التي فرضتها حكومة الخرطوم على استخدام خطوطها النفطية. وفي غضون ذلك، واصلت الجماعات المتمردة التجول في أنحاء مناطق شاسعة من البلاد، مشتبكة مع الجنود ومعطلة الجهود الإنسانية. لكن جنوب السودان الآن يواجه أكثر التحديات خطراً، إذ تسببت الانقسامات السياسية المتفاقمة في وقوع مئات القتلى، وباتت تهدد في الوقت الراهن بانقسام البلاد على أساس عرقي. وبعد أربعة أيام على هجوم الثكنات العسكرية، استمر إطلاق النار بصورة متقطعة في إعاقة ليالي جوبا وحظر التجول المفروض من الغروب وحتى الشروق. ورغم عودة المرور ببطء، لا تزال نقاط التفتيش التي تقيمها الشرطة على الطرق الرئيسة تواصل عملها، وتبقى التوترات قائمة، مع رفض كثير من الأشخاص الذين فرو بسبب القتال العودة إلى منازلهم، بينما يكرر الرئيس كير تطميناته بأن الوضع «تحت السيطرة». وفي هذه الأثناء، سقطت بور عاصمة ولاية جونقلي في جنوب السودان في أيدي مجموعة من الجنود الذين انشقوا عن الجيش، بينما يتحدث مسؤولون عن قتال في بعض حقول النفط الشمالية، قرب الحدود مع السودان. وفي 19 ديسمبر، أعلنت الأمم المتحدة أن القاعدة التي تؤوي مدنيين في بور أصبحت مكتظة، وأفاد المتحدث الرسمي باسم المنظمة بأنه ربما توجد بعض المرافق في هذه القاعدة، لكن لا يمكن تأكيد عدد وهوية المتواجدين هناك في هذه المرحلة. وفي الوقت الحالي يحاول الزعماء السياسيون في دولة جنوب السودان، والذين يتعرضون لضغوط من المجتمع الدولي، الحيلولة دون انزلاق البلاد في مزيد من القتال، ويشددون على الطبيعة السياسية للصراع، لكن في دولة يتحول فيها الخلاف السياسي إلى صراع إثني، ثمة مخاوف بين المواطنين من أن ما بدأ كتبادل لإطلاق النار في ثكنات عسكرية يمكن أن يتحول إلى صراع واسع النطاق ولا يمكن التحكم في إيقافه. وأخذت الانقسامات السياسية في جنوب السودان تتنامى منذ أن أطاح الرئيس كير بكامل حكومته في يوليو الماضي، وأشار المسؤولون في حينه إلى أن الوزارة كانت كبيرة جداً، ولم تحقق إنجازات كافية. وبدلاً من الاستمرار في استرضاء خصومه، أراد كير تعيين وزراء تكنوقراط ينجزون الأعمال والخطط ويحققون نتائج ملموسة على الأرض. وأضحى من الواضح الآن أن ذلك التحرك كان محاولة لفرض السيطرة الكاملة على السلطة، مع إعلان كير التخلص من خصومه المحتملين مثل مشار وتعيين رجاله في كل المواقع الحساسة والمهمة. وإذا كان بإمكان الحكومة الجديدة أن تفي بوعود كير، خاصة فيما يتعلق بإنشاء طرق ومدارس ومستشفيات أفضل، فإنه لا يمكنها تعزيز وضعه ليصبح المرشح الوحيد الشرعي في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2016. وعلاوة على ذلك، فإن تغيير الحكومة أنهى ذلك الائتلاف المكون من جماعات عرقية مختلفة نجح الرئيس في دمجها معاً ضمن حكومته الأولى، والتي تضمنت مشار، أحد زعماء قبيلة نوير التي تأتي في الترتيب الثاني من حيث الحجم بعد قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها كير. وظل مشار ومنتقدون آخرون ينتهجون الدبلوماسية بعد أسابيع من تغيير الحكومة، وعلى الرغم من ذلك فقد أعلن النائب السابق للرئيس عزمه تحدي كير في انتخابات الرئاسة في عام 2016، لكن بدا أن أزمة سياسية مباشرة طفت إلى السطح مع تأدية الحكومة الجديدة لليمين الدستوري. غير أن المحلل السياسي المحلي أندريا مابيور، يرى أن «الصراع على السلطة كان مجرد بداية». وفي بداية الشهر الجاري، اجتمع أعضاء ساخطون من «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في مؤتمر صحفي، وفي تحرك غامض، أبقوا على سرية المكان وهوية المشاركين في المؤتمر حتى قبل موعد انعقاده بساعات. وتضمن التحالف المذكور وجوهاً بارزة مثل مشار ووزير الخارجية في الحكومة السابقة دينج ألور، والذي هو الآن من بين السياسيين العشرة المعتقلين، وريبكا نياندينج، التي كان وجودها مثيراً للانتباه نظراً لكونها أرملة زعيم جنوب السودان الراحل جون جرنج الذي قاد المتمردين في الجنوب أثناء عقود الحرب الطويلة مع السودان قبل أن يلقى حتفه في تحطم طائرة هيلكوبتر بعد أشهر من توقيع اتفاق سلام نيفاشا مع الخرطوم. وقرأ مشار بيان المجموعة، الذي اتهم فيه كير بتصعيد الانقسامات داخل الحزب الحاكم، والنأي بنفسه عن أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما حذر من «النزعات الديكتاتورية» في قيادته. وبعد تسعة أيام اندلعت أعمال القتال. وشهدت جوبا تبادلا كثيفاً لإطلاق النار وقصفاً متقطعاً استمر أكثر من 48 ساعة، وتعرضت المدينة لشلل تام تقريباً إلى أن تمكنت قوات موالية للحكومة من طرد المقاتلين المتمردين إلى خارج المدينة. وتقدر الأمم المتحدة أعداد القتلى بما يربو على 500 شخص، فضلا عن نزوح أكثر من 20 ألف مواطن. ولا يزال كثير من المدنيين داخل جوبا، من بينهم أفراد من قبيتلي النوير والدينكا إلى جانب قبائل أخرى، لاجئين في مجمعات تابعة للأمم المتحدة أو داخل كنائس ومساجد. وما أن بدأ الهدوء يسود في جوبا، حتى انتقل القتال إلى ولاية جونقلي، مع ورود تقارير عن انشقاق زعيم المتمردين السابق بيتر جاديت مرة أخرى، وسيطرته مع قواته على عاصمة الولاية بور. وكمان أكد رئيس معهد «ذا سود» للأبحاث، جوك مادوت جوك، فإنه لا يوجد أدنى شك في أن إعلان مشار الأخير أدى -على الأقل بصورة غير مباشرة- إلى الوضع الراهن في دولة جنوب السودان. وأضاف جوك: «إن ائتلاف مشار أعلن عن دعوة للحوار معلقة على شروط محددة، لافتين إلى أنه إذا فشل هذا الحوار، فإن الوضع يمكن أن يتفاقم إلى عنف». ثم تابع: «يبدو أن جزءاً من نبوءة الائتلاف أصبح حقيقة، وحتى لو لم يقد مشار انقلاباً، فمن المحتمل أن أشخاصاً موالين له قرروا العمل بإيحاء من تصريحاته». أندرو جرين جوبا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©