الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أرملة وثلاثة أيتام

أرملة وثلاثة أيتام
22 ديسمبر 2011 19:56
(القاهرة) - لا أعرف سبب غضبة أمي العارمة ورفضها الشديد لهذا الشاب الذي جاء يطلب يدي، لدرجة انها تركت البيت في ذلك اليوم وغادرت الى بيت جدي، ولم يكن من حقي ان أسأل وكأن الامر لا يعنيني، فمن العيب ان أتدخل في مثل هذه الامور، وجاء الشاب وأسرته ولم نجد حتى الشاي والسكر لان امي وضعتهما في مخبأ لكي لا نضيفهم بأي شكل، والغريب انهم كانوا يعرفون رأي أمي مسبقا لكنهم لم يفقدوا الامل في العدول عن موقفها وربما مع الالحاح قد تغيره لكن أملهم خاب ولم يتحقق، وعادوا بخفي حنين، وعادت أمي ودار بينها وبين أبي حوار ساخن، فهمت منه انه كان موافقا على الخطبة لان الشاب مناسب ولا يوجد ما يعيبه، وأمي ترى انه ليس من بلدتنا ولا نعرفه ولا تريد لي ان أكون بعيدة عنها، والآن فقط فهمت الاختلاف في وجهتي نظرهما، ومع ذلك ايضا ليس من حقي التدخل ولا التعقيب بالقبول أو بالرفض أو حتى بالكلام أيا كان نوعه، ولم أكن منزعجة مما يحدث بل تعاملت معه على انه لا يخصني. منذ تركت الدراسة في بداية المرحلة الاعدادية لم تكن لي اي اهتمامات سوى مشاهدة التلفاز بعد ان انتهي من أعمال البيت مع امي، وانا الوسطى بين ثلاثة أولاد وثلاث بنات، الكبار منهن كن البنات وقد تزوجت اثنتان والثالثة في فترة الخطبة ويتم الاعداد لزواجها، وقد تزوجن جميعا بناء على اختيار وقرار ابي وامي، وكي أكون منصفة فانها كانت اختيارات موفقة وزيجات ناجحة ومستقرة وهذا ما جعلني اطمئن لان أترك لهما هذا الامر، لذا لم أنزعج عندما تم رفض الشاب الثاني الذي تقدم لي، لانهما يريان انه غير جاد ولا يعتمد على نفسه في الحياة. أما العريس الثالث الذي تقدم لي فكان ابن عمي، بيت أبيه ملاصق لبيت أبي، جاء عمي وهو أكبر من ابي إلينا متعشما بألا يرد خاصة وانه كبير القوم، في البداية لم يتلق ردا لا بالرفض ولا بالقبول إلا ببعض الملاحظات والكلمات غير الحاسمة، واختلف ابي وامي ، فأبي وافق لانه ليس من المعقول ان يرد أخاه الاكبر ولن يجد لي زوجا خيرا من ابن اخيه، اما أمي ففي نفسها الكثير من عمي وزوجته من سنين، ولا تنسى الخلافات السابقة معهما بسبب وبغير سبب، ولا تتوقع ان تكون الزيجة ناجحة، وفي النهاية مارس أبي ضغوطه عليها وأجبرها على الموافقة. تمت خطبتي لابن عمي الذي تربيت معه، وتم الزواج بعد عدة أشهر، انتقلت من بيت ابي الى بيت عمي، لا اختلاف يذكر بين البيتين، كل شيء متشابه يكاد يكون صورة طبق الاصل، فلم أشعر بانني تزوجت أو ان حياتي تغيرت أو تحركت قيد أنملة، إلا تحكم زوجة عمي في كل تصرفاتي، بين الامر والنهي، والنقد والتقريع والتجريح، فلا يعجبها العجب، ترى ان كل ما أفعله خاطئ، وعمي لا يتدخل في ذلك وقد لا يشهد الكثير مما يحدث منها وحتى لو حضر بعضه فانه لا يستطيع ان يعارضها، أو لا يريد ان يظهرها في موقف الضعف ويؤيدها ولو ضمنا بالسكوت. أما زوجي فهو مغيب عن ذلك تماما ويعتبر ان هذه علاقات نسائية لا يجب ان يتدخل فيها، وهذا شأن البيوت كلها، من حق سيدة البيت ان تتحكم في الجميع وتكون صاحبة الكلمة العليا فيه، وأن كنت أقبل هذا بحكم العادات والتقاليد بالاضافة الى صلة القربى، فانه لا يواسيني ولو بكلمة رقيقة تخفف عني تلك الآلام اليومية، وعلى الجانب الآخر لا يهتم بي ولا يستجيب لمطالبي، وحتى احتياجاتي الخاصة يعرض عنها ويتجاهلها، فأصبحت بين نارين، وليس من حق مثلي ان تشكو أو تتألم، لان هذا يعني شقاقا في العائلة وأتحمل وحدي المسؤولية عما يمكن ان يحدث بين افرادها، الاختيار الوحيد هو ان أدفن آلامي في صدري وكل ما يمكن ان أفعله انني أفضفض لأمي ببعض ما أتعرض له، ولا تملك الا ان تقول إن رأيها كان صوابا عندما كانت ترفض هذه الزيجة، وفي الوقت نفسه لا تريد لي الطلاق وتمدني ببعض الكلمات التي تخفف عني وتنصحني بالصبر الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا. أنجبت ثلاثة أولاد، وانا على الحال نفسه، لكن زادت المشاكل بصورة أكبر بعدما تزوج إخوة زوجي وأصبحت الخلافات هي عنوان حياتنا اليومية، أصابني الوهن من كثرة الاعمال المنزلية الشاقة في هذا البيت الكبير ووصلت الخلافات الى الاخوة فكل منهم يدافع عن زوجته إلا انا لأنهن كلهن غريبات عن العائلة، وبدلا من ان تكون القرابة ميزة لي تحولت الى عبء ووصل الامر الى التشابك بينهم، كل منهم لا يقبل لزوجته ان تكون خادمة في هذا البيت بينما يرضى لي زوجي هذا، كل واحد يتولى شؤون زوجته إلا زوجي، يخاف ان يشتري لي جلبابا أو حذاء حتى لا يلومه أبوه أو أمه أو يعترض أحد إخوته. لم استطع ان أتحمل هذا الجحيم ولاول مرة بعد عشر سنوات أعود الى بيت أبي غاضبة، وأبوح بكل ما يحدث معي، ورغم التصاق الجدارين لم يكن أبي يعلم كثيرا منه، لكن عندما علم ثارت ثائرته، ولاول مرة أرى في عينيه هذا الغضب، وأصر على الطلاق مهما كانت النتائج، فلن تكون أسوأ مما انا فيه، وظللت في بيت أبي شهرا كاملا تدخل فيه الكثيرون للاصلاح إلا ان ابي أصر على موقفه الذي كنت أرى فيه خلاصا من عذابي وتمنيت بالفعل ان يتم، وكان الحل فيما اقترحه أحد الكبار بان يتم بناء بيت خاص بي بعيدا عن هؤلاء، وبهذا يتم فض الاشتباك بين المتحاربين، ووافق ابي على هذا الحل وعدت الى بيت عمي مرة أخرى في انتظار بناء البيت المستقل، الذي استغرق عدة أشهر، تحليت خلالها بضبط النفس والتحمل أملا في لحظة الخلاص والانتقال الى منزل الحرية مع زوجي وأبنائي، وقد تحمل عمي النصيب الاكبر في تكلفته، وساهم زوجي بمبالغ كبيرة ايضا لا أعرف مقدارها، فهو لا يطلعني على تعاملاته ولا يشركني في قراراته، لانه بالنسبة لي شخص مجهول، كل ما أعرفه عنه انه ابن عمي وزوجي ويمارس أعمالا حرة لا أدري ماذا تدر عليه ولا ماذا يملك، لكن كل من حولي يدندنون بأنه يمتلك الآلاف والعقارات والسيارات، وهو من جانبه لا ينفي ولا يؤكد، ما جعلني أتعشم ان يكون ما يتردد صحيحا فهو في النهاية لأبنائي. انتقلت الى بيتي بعد طول معاناة، لاول مرة في حياتي أشعر بالحرية وبالتغيير، أهتم بالدار والزوج والابناء لكن بلا ضغوط نفسية أو كلمات جارحة من زوجة عمي التي انتقلت الى رحمة الله مؤخرا، ولم يجد عمي حلا إلا ان ينتقل للاقامة معنا ويترك البيت القديم لابنائه فهو يعتبرني ابنته قبل ان أكون زوجة ابنه، وقد رحبت به وبالاقامة معنا وبذلت كل ما في وسعي لخدمته، وقد كان منكسرا بعد ان ترمل، ومطالبه ليست كثيرة، ومن واجبي الحتمي ان أرعى شيخوخته وقد أصبح ضعيفا وباع كل ما يملك من أجل الانفاق على أبنائه وتعليمهم وتزويجهم حتى استقل كل منهم بحياته. الى هنا وما زال زوجي في غموضه لم استطع الوصول الى مفتاح شخصيته، إلا انني الآن يمكنني ان أمارس عليه بعض الضغوط من أجل احتياجات البيت ويستجيب لبعضها، لكن لا أعرف أي شيء عن تحركاته أو ممتلكاته أو أمواله، وتذرعت بالصبر الى ان تحين الفرصة، لكن كانت المفاجأة التي عصفت بحياتي وبحياة أبنائي، فقد جاءني الخبر الحزين، زوجي مات في حادث سيارة، كانت صدمتي كبيرة، ليس فقط لانني مازلت شابة لم أبلغ الثلاثين من عمري، ولكن لان أبنائي اصبحوا أيتاما وهم في هذه السن، أما ما زاد من آلامي فقد اكتشفت ان أموال زوجي التي كانوا يتحدثون عنها ما هي إلا مجرد أوهام لا وجود لها، وزادت همومي وتضاعفت أحزاني وانا افكر كيف استطيع ان أربي هؤلاء الصغار ومن أين لي ان آتي بالطعام والشراب، ولا طاقة لي بمصروفات المدارس، وأمام تلك المآسي تحجرت دموعي، وطغى التفكير في هذه الظروف وما أنا مقبلة عليه على فقد زوجي، لان هذا أكبر من طاقتي ومن احتمالي. كان ابي وإخوتي أول من مد لي يد العون، شدوا من أزري وخففوا من مصيبتي الكبرى، ساعدوني بكل ما يستطيعون، وخصص لي أبي مبلغا شهريا اعتمدت عليه في حياتي ويأتيني إخوتي بمخزون الطعام وبالملابس لي ولابنائي، ورغم انني أشعر بالهوان من هذا الوضع إلا انه لا بديل أمامي، فهل أتسول من أجل ابنائي، وانا لا حرفة لي ولا عمل؟ فقبلت هذه المعونات رغم انهم لا يشعرونني بأي حرج لكني أذهب الى تلك التفسيرات لفرط حساسيتي في التعامل مع الموقف، وقد حلت هذه الآلام محل معاناتي القديمة، وخرجت من حفرة لأجدني قد سقطت في بئر. وسط هذه المأساة والمعاناة، لم أجد من إخوة زوجي الذين هم أبناء عمي، حتى مجرد نظرة أو سؤال عن ظروفنا وأحوالنا، رغم ان أحوالهم المعيشية ميسورة، لا يطرقون بابنا في عيد أو مناسبة، لكنهم جاءوا ليطالبوا بنصيبهم في البيت الذي بناه زوجي، يعتبرون انه من تركة أبيهم، يطمعون في أموال الايتام اذا اعتبر ذلك أموالا، انهم يريدون ان يشردوا الايتام، يتناسون ان زوجي هو أكبرهم وقد ساهم في تحمل مسؤوليات تعليمهم وزواجهم، وساهم بما يملك في بناء هذه الجدران التي نستتر وراءها، وأحيانا نتضور جوعا، وهم لا يشعرون بنا وتأكدت الآن أن بعض الأقارب عقارب!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©