السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مريم السركال: فيلمي «لندن في عيون امرأة محجبة» رسالة مزدوجة الاتجاه

مريم السركال: فيلمي «لندن في عيون امرأة محجبة» رسالة مزدوجة الاتجاه
23 ديسمبر 2011 01:09
يمثل الحوار مع المخرجة الإماراتية الشابة مريم السركال محطة بين مكانين، وبين زمنين أيضاً، ذلك أن ما بعد الحوار سيكون حتماً مختلفاً عما قبله، تماماً كما أن الخارج من صالة عرض فيلمها الأخير “لندن في عيون امرأة محجبة”، هو غير الداخل اليها، ثمة الكثير من القناعات المستجدة التي أخذت هذه الفتاة المشاكسة على نفسها مهمة النهوض بها، ومثله كثير من البديهيات التي قررت أنه قد حان الوقت لاعادة النظر بصوابية مزاعمها، هي ترى نفسها معنية بإثارة الضجة، وفي ذلك بعض مهامها كمخرجة سينمائية ساعية نحو امتلاك مكانها وترسيخ مكانتها في عالم زاخر بأصحاب الحضور المميز. (دبي)- الحوار مع مريم يعني منذ لحظته الأولى أن ثمة الكثير من الآراء والمفاهيم لا بد لها أن تتغير، أو تتخلخل، بفعل نقاش تمتلك أدواته عن جدارة، ولن يطول الأمر بمحاورها قبل أن يكتشف أنها واحدة من تلك الشخصيات التي تؤمن أن فعاليتها في الحياة تتصل بحتمية تعديل مقاييسها، وهي غالباً ما تنجح في ذلك. في الفيلم “لندن في عيون امرأة محجبة” الذي حاز شهادة تقدير من الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي، نقع على مريم أمام الكاميرا، وهي تجول في أروقة إحدى الجامعات البريطانية حيث تنجز دراساتها العليا، الحجاب الذي تتحصن به يحيلها مباشرة إلى شيء من الاختلاف الشكلي عن المحيطين بها، أما ما سيأتي لاحقاً فهو محاولة مدروسة لوضع ذلك الاختلاف في سياقه المنطقي، أي المنتج والضروري، بمعنى أوضح هو سعي لإضفاء مشروعية التباين على العلاقة التي تربط امرأة محجبة بمدينة تنحاز إلى السفور، بل تنتمي إليه. تقنية الاختلاف قراءة في أبجدية التضاد إذن؟ ربما أبعد من ذلك، محاولة لاستثمار هذا التضاد فيما ينعكس إيجاباً على مختلف أطرافه، رؤية مغايرة للتناقض تضعه في سياقه الايجابي.. في بداية الرحلة الضوئية تقف مريم على مسافة واضحة من مختلف أجزاء اللعبة المكونة للوعي الإنساني، لتهتف بالجميع من حولها: تعالوا نتعلم كيف نختلف، هي تدرك على الأرجح أنها بذلك تدفع الأمور نحو خواتيمها السليمة، ذلك أن المسكوت عنه في موضوع البحث مقولة حاسمة: “إذا عرفنا كيف نختلف فسنعرف حتماً كيف نتفق..”. تتحرك مريم بيسر في أروقة الجامعة، تطلب الإذن لأداء الصلاة في مكتب إحدى الموظفات فتحصل عليه دون صعوبة، ثم تتابع سرد تفاصيل يومياتها في مدينة الضباب: الحجاب مجدداً، هي لا تنوي الاستغناء عنه ببساطة لأنها تؤمن به، وتجده منسجماً مع تقاليد تحافظ عليها، ومع دين تعتز به، ليس لديها ما تتذمر بشأنه بخصوص كونها فتاة عربية تدرس في جامعة أوروبية، وتعيش بمفردها في لندن، فقط ثمة أسئلة مؤرقة تتصل بسوء فهم يمارسه بعض أهل مجتمعها الأصلي، أي الإماراتي، حيالها، بجرأة تطرح السؤال: ما الضير في أن تذهب فتاة للدراسة بمفردها في الخارج؟ ما هي الخسائر الحقيقية الناجمة عن ذلك؟ تسأل زميلتين لها في الجامعة، إحداهما المانية، عما يعني لهما الأمر، فتردان بشيء من الاستغراب: لم تواجهنا مثل هذه الإشكالية سابقاً.. تتابع مريم التساؤل ليس بهدف معرفة الإجابة، بل لعلها تريد إقناع الرافضين أنهم لا يملكون المعطيات الكافية التي تبرر رفضهم، تتصل عبر الهاتف بصديق لها في أرض الوطن، وعندما تسأله يجيب مرتبكاً بما معناه أنه لا يعرف السبب الذي يجعل من الأمر إشكالياً، لكنه يعرف أنه كذلك وكفى! ترسم مريم مسيرتها، متعمقة في التنقيب عن الدوافع الكامنة خلف وضع فتاة ذهبت لتحصيل العلم في خانة الاتهام، تجري نقاشاً حيوياً عبر “السكايب” مع شقيقها، حيث يبدي الأخ تفهماً استثنائياً لموضوع البحث، يعرب عن ثقته بشقيقته، وبكونها تمتلك من الشجاعة والرأي السديد ما يجعله مطمئناً سواء كانت في الوطن أو خارجه، تباغته مريم بسؤال مبالغ في جرأته: قد يكون لسفري هنا بمفردي أن يؤدي إلى امتناع الشباب الإماراتيين عن الاقتران بي الا يخيفك الأمر؟ مجدداً يأتي الرد متفهماً معقلناً، ولكن ماذا لو قررت الزواج من شخص أجنبي؟ “لن أغضب منك” يقول الأخ بثقة، قبل أن يضيف مستدركاً: “لكنني سأناقشك في خيارك”. عبر “السكايب” أيضاً تطل شقيقة مريم، وهي أصغر منها سناً، تبدي رغبتها في السفر إلى أميركا لمتابعة دراستها، بجرأة تطرح وجهة نظرها في ما يخص التحفظ الاجتماعي على سفر الفتاة بمفردها، طبعاً يأتي رأيها متحفظاً على ذلك التحفظ غير المبرر، لكنها بالجرأة نفسها ترد على سؤال أختها حول ما إذا كانت توافق على الزواج من أجنبي: “لن أتزوج إلا من إماراتي، ومن بدوي تحديداً”.. دون مباشرة أو خطابية أو وعظ تتجه دلالات الفيلم نحو الإشارة إلى كون الموقف من سفر الفتاة بمفردها ليس ناجماً عن التعاليم الدينية الصريحة، وإنما هو متأت من مفاهيم وضعية خاضعة لهيمنة رؤية ذكورية صارخة.. وتترك الأمر معلقاً على حبل النقاش، إذ يكفيها ربما أن تكون قد ألقت حجراً في مياه راكدة.. حوار عقلاني تقول مريم السركال أن الفيلم يمثل بالنسبة لها قصة مفرطة في شخصانيتها، فهي تتحدث من خلاله عن تجربتها، وعن تجارب مماثلة لفتيات قررن خوض المغامرة والسفر طلباً للعلم، مدركات أنهن بذلك يضعن أنفسهن في مواجهة رؤية مسيطرة تنظر الى أفعالهن بعين الريبة، وتضيف: قد يكون لقراري عواقب متعددة وخطيرة، ليس أقلها أن لا أجد زوجاً يقبل بي على اعتبار أن قراري يمثل تحدياً لرؤى اجتماعية مهيمنة، لكنني أرى أن المسألة مدار البحث تحتاج إلى طرحها على بساط التناول الجدي والعقلاني، وأن الأمر يتطلب شيئاً من الجرأة، وقد آنست في نفسي الشجاعة المطلوبة لفتح النقاش، والدخول في حوار عقلاني مع أصحاب الآراء المسيطرة، وأنا على استعداد لتقبل ردودهم ومواقفهم، وأن يكون الأمر فاتحة لسجال حدوده المنطق والشرع والعقل. تتابع محدثتنا في توصيف تجربتها قائلة: أرى أنني كنت منسجمة مع نفسي، فأنا فتاة ملتزمة، أتباهى بكوني مسلمة، وأحترم عادات وتقاليد أهلي وأبناء مجتمعي، لكني أملك كذلك عقلاً يدفعني للمشاركة في طرح آراء أراها صواباً، وأحوز حججاً وبراهين تدعم موقفي، وأنا مستعدة للركون إلى ما يمثل الصواب تنتجه عملية حوار مستوفية الشروط، أما أن أكتفي بالرضوخ لمفاهيم تتكىء على الدين دون أن تكون نابعة منه حقاً، وأن أحدد طموحاتي وقدراتي بناء على معطيات محض شخصانية تستهدف تدعيم سلطة ذكورية قائمة، والترويج لما يحسبه الرجال بعض حقوقهم الذين منحوها هم لأنفسهم بعيداً عن أي تشريع ديني أو ثقافي، أو حضاري، فذلك ما لا يرضاه لي الدين نفسه. ثنائي الاتجاه تلفت السركال إلى أن فيلمها ثنائي الاتجاه، فهو موجه إلى الغرب ممثلاً بالعاصمة البريطانية، مثلما هو مهتم بالشرق وبالمنطقة الخليجية تحديداً، وتوضح في هذا الإطار: كان مهماً أن أجيب علي استفسارات عالقة في أذهان الغربيين حول دور الفتاة المسلمة، الخليجية خاصة، ومقدار قدرتها على التفاعل مع محيطها الاجتماعي، وطاقتها على استيعاب الثوابت والمتغيرات التي تتعرض لها، وإمكانية أن تكون مساهمة في صناعة واقعها، ومتحكمة في ظروفها الذاتية والعائلية والمجتمعية، وأعتقد أنني قد أوصلت الرسالة في الاتجاهين، حيث بات واضحاً في أوساط الغربيين الذين شاهدوا الفيلم أو اطلعوا على تفاصيله أن بوسع فتاة إماراتية أن تطرح قضية إشكالية على بساط البحث، وأن تقدم الحجج والبراهين التي تؤكد وجهة نظرها، ناهيك عن قدرتها على تشكيل وجهة النظر تلك بصورة منطقية وقابلة للإقناع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©