الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المستقبل»... إلى أين يتّجه عالمنا؟

«المستقبل»... إلى أين يتّجه عالمنا؟
21 ديسمبر 2013 23:12
تأليف: آل جور ترجمة وعرض: عدنان عضيمة يتزامن نشر هذا الكتاب الجامع لمؤلفه «أرنولد ألبرت جور» الذي عُرف باسمه المختصر الشهير «آل جور» تحت عنوان «المستقبل»، مع ظهور سلسلة من التغيرات والتحولات الكبرى ذات التأثير الزلزالي التي يشهدها العالم في المجالات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية معاً. ويمثل خلاصة مركزة لنحو عشرة آلاف صفحة من بحوث ميدانية وأكاديمية معمقة أنجزها خلال السنوات الماضية، ويهدف إلى إلقاء الضوء على الشكل الذي سيؤول إليه عالمنا في مستقبل قريب بدأت بعض ملامحه وتجلّياته تتضح لنا منذ الآن. ويقول «جور»?:? إنه تعمّد نشر كتابه في شهر ديسمبر 2013 لأنه يصادف الذكرى المئوية لولادة أمه الراحلة «بولين لافون جور». وتجدر الإشارة إلى أن «جور» رجل أكاديمي واسع الشهرة قبل أن يكون سياسياً بارزاً?،? حيث كان نائباً للرئيس كلينتون بين عامي 1993 و2001، وخسر انتخابات الرئاسة أمام جورج بوش الإبن عام 2000، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 2007، ومن بين مناصب عديدة يشغلها الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة «جوجل»، واشتهر بدفاعه عن البيئة ودعوته الملحّة لتأسيس كيان سياسي تنفيذي عالمي موحّد للتصدي لظاهرة التغيّر المناخي الذي يهدّد كوكب الأرض. يقع الكتاب في 558 صفحة من القطع المتوسط مقسمة إلى مقدمة وسبعة فصول وخاتمة، وصدر حديثاً عن شركة «راندوم هاوس» البريطانية. وعناوين فصوله: أرضنا المشتركة، العقل العالمي، قوى في الميزان، النموّ المتسارع، إعادة اكتشاف الحياة والموت، الحافة. يفتتح «جور» مقدمة كتابه بالتساؤل: ما العوامل الأساسية التي تقود العالم نحو التغير الحاسم؟ وهو السؤال المحوري ذاته الذي تبادر إلى ذهنه قبل بضع سنوات عندما راح ينقّب ويدرس ويحلّل بحثاً عن إجابة عنه. فوقع أخيراً على ستة عوامل رئيسية لهذا التغيّر وبدأ يرتبها بحسب أولوياتها وراح يتعمق ويتوسع في دراسة كل منها بشكل منفرد حتى خرج بزاد كبير من المعارف والاستنتاجات قام بتلخيصها وإدراجها في كتابه الذي نعرض له. عوامل التغيير وانطوت دراسة هذه العوامل الستة على الكثير من التعقيد والتشابك البحثي عندما بدأ «جور» يتساءل: كيف نشأت، وما طريقة تفاعلها وتأثيرها ببعضها البعض، وإلى أين تقودنا، وكيف يمكننا نحن كبشر أو كحضارة عالمية أن نكتشف تأثيراتها وأعراضها حتى نتمكن من التحكم فيها؟ وحتى نمتلك القدرة على صياغة مصائرنا وتشكيل مستقبلنا وفقاً للنسق الذي نريد، يتوجب علينا أن نفكّر أولاً بعقل مرن، وبناء على رؤى واضحة لا لبس فيها في الخيارات المهمة المتاحة أمامنا للتصدي للمشكلات والتحولات التي تجابهنا نتيجة للعوامل الآتية: - بروز ظاهرة الاقتصاد العالمي المتداخل الذي يزداد ترابطاً وتشابكاً وتكاملاً ليتحول إلى كيان جماعي محكوم بشروط وبيئات جديدة تماماً وغير مسبوقة لتدفق رؤوس الأموال وتوزيع العمالة ونشاط الأسواق الاستهلاكية وأساليب عمل الحكومات الوطنية. - الظهور المفاجئ والانتشار السريع عبر العالم أجمع لشبكة الاتصالات الإلكترونية التي تتكفل الآن بنقل الأفكار والمشاعر لمليارات البشر وتربطهم بالكم المشترك الهائل الحجم من البيانات والمعلومات المتاحة والتي تزداد ضخامة يوماً عن يوم. وهي الشبكات التي تربطهم أيضاً بالأجهزة التي تزداد ذكاء بمرور الزمن، وبالروبوتات، وبالمجسّات والآلات ذاتية التفكير التي تجاوزت في مستوى ذكائها وقدرتها على حل المشاكل قدرة البشر ذاتهم. ومن المنتظر أن تتمكن هذه الأجهزة والأدوات من التفوق على الذكاء البشري الذي كنا نعتقد أنه حكر علينا وحدنا. توازن غير متوقع - بروز حالة جديدة تماماً (لم تكن متوقعة) من التوازن السياسي والاقتصادي والعسكري في العالم تختلف تماماً عن تلك التي كانت قائمة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وحيث كانت الولايات المتحدة الأميركية تمثل القوة الضامنة لتحقيق الاستقرار والأمن العالمي. ويضاف إلى ذلك ظاهرة انزياح قوة التأثير العالمية والقدرة على المبادرة من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية من الغرب إلى الشرق، ومن الدول الغنية إلى مراكز القوى الناشئة ذات النمو السريع في العالم أجمع. وتشتمل هذه المراكز المؤثرة على الدول الناشئة ذاتها، وأصبحت تمارس تأثيراتها الفعالة على كافة أوجه النشاطات البشرية، من الأنظمة السياسية وحتى الأسواق العالمية الكبرى. - بروز ظواهر سلبية كثيرة مثل النمو السريع غير المستدام في عددالسكان، وتوسع المدن، واستهلاك مصادر الثروات بشكل لا يخضع لضوابط منطقية، وتراجع خصوبة التربة، وتناقص مصادر المياه العذبة، وانخفاض أعداد الأنواع الحيوانية والنباتية، وانتشار التلوّث البيئي، وانحراف الأداء الاقتصادي عن أهدافه التنموية، بحيث بات يُقاس ويُوجّه استناداً إلى مجموعة من معايير عالمية مشوّهة ومنافية للعقل والمنطق البشري والتي تعمي أعيننا عن العواقب التدميرية لخياراتنا الذاتية التي نتبنّاها بأنفسنا. -ظهور مجموعة جديدة من التكنولوجيات ذات المفعول الثوري في الحقول البيولوجية والكيميائية الحيوية والوراثية وعلم خصائص المواد، وهي التي تسمح لنا في مجموعها بإعادة تشكيل التصميم الجزيئي الطبيعي للمواد الصلبة، وإعادة صياغة طريقة الحياة التي نعيشها برمتها، وتغيير المظاهر والخصائص الطبيعية للنباتات والحيوانات وحتى البشر ذاتهم. وأصبحت هذه التكنولوجيات تتحكم بأسلوب تطور الأحياء وتلغي الحدود البيولوجية التي كانت قائمة أصلاً، والتي تفرّق بين الأنواع الحية لتخلق حدوداً بديلة جديدة تماماً لا وجود لها في الطبيعة. - بروز المظاهر الدالة على إقامة علاقة جديدة وشاذّة بين القوى المجتمعة للحضارة البشرية من جهة، والأنظمة الأرضية البيئية وخاصة ما يتعلق منها بالتوازن الطقسي والمناخي الذي يعتمد عليه بقاء الجنس البشري. ويقول «جور»: إنه اعتمد في إعداد كتابه على البيانات الموثقة، واستند في طروحاته على النتائج البحثية الأكاديمية بدلاً من طرق منهج التخويف أو التفاؤل المصطنع. وهو يعرض في كتابه هذا للنظرة الواقعية التي خرج بها كبار الخبراء والمحللين العالميين حول المستقبل الذي ننشغل الآن نحن البشر بصنع أحداثه وملامحه وخطوطه العريضة. القانون الجديد للطبيعة دعنا نتأمل التدفق الهائل والمتزايد للمعلومات إلى الإنترنت وشبكة الويب العالمية. فلقد بدأت أركان المنظومة التقليدية القديمة لتناقل المعلومات تتصدّع بسببها. وهي التي أدت إلى إفلاس كبريات الصحف الورقية العالمية، وانخفاض أعداد القراء، وعمدت المكتبات ودور النشر الشهيرة إلى إقفال أبوابها. وبسبب هذه التطور النوعي، أصبحت معظم نشاطات العمل والإنتاج تتم بطرق افتراضية خفية وغير ملموسة عن طريق الحواس. والأهم من كل ذلك أن هذه الشبكات هيأت لألوف الشركات فرصة الإدارة الذاتية لأعمالها. وعملت ثورة الاتصالات عل تحجيم الدور الذي كانت تلعبه الصحف المطبوعة كمصادر تقليدية للحصول على المعلومات. ويمكننا أن ننظر إلى الأرض بنفس الطريقة باعتبارها تشكل نظاماً مفتوحاً. فهي تتلقى الطاقة من الشمس وتقوم بتوزيعها عبر أنظمة تبادل وتحويل الطاقة السائدة في نظامها الطبيعي المعقد. وتشتمل هذه الأنظمة على المحيطات والبحار والجوّ وبقية العمليات الجيو كيميائية وحتى عبر أنظمة الحياة ذاتها. ثم تعود الطاقة الشمسية مرة أخرى لتنتشر من الأرض إلى الكون المحيط بها على شكل طاقة حرارية محمولة على أمواج الأشعة تحت الحمراء. وتكمن المشكلة الأساسية التي تعاني منها الأرض في مشكلة «الاحترار الكوكبي» والتي تعود في سببها لنشاطاتنا المتزايدة في توليد كميات هائلة من الطاقة الحرارية بحرق أنواع الوقود وضخّها في الأنظمة البيئة الأرضية وللدرجة التي تخلّ بقوانين التوازن الذاتي التي كانت قائمة من قبل. تاريخ المستقبل! لا يمكننا أن نفكر في المستقبل إلا من خلال الخبرات التي استقيناها من الماضي. ويزعم البعض أن الماضي والحاضر والمستقبل ليست إلا أجزاء من دورة متكررة، إلا أن معظم الناس يتعلمون من أحداث التاريخ من أجل صياغة المستقبل بطريقة أفضل. وكانت اكتشافات «كوبرنيكوس» و»جاليليو» و»ديكارت» و»نيوتن» والعديد من العلماء الآخرين ممن أضاءوا شعلة الثورة العلمية، قد ساعدت على ترسيخ الاعتقاد الجديد (في ذلك العصر) بأن نمو المعرفة لا بد أن يؤدي إلى تطور المجتمعات، إلا أن خطأ هؤلاء كان يكمن في الدعوة إلى توظيف العلم للتحكم بالظواهر الطبيعية وكأننا جزء منفصل عن البيئة التي نعيش فيها. والآن، وبعد انقضاء بضعة قرون على ارتكاب هذا الخطأ الجسيم، لا يزال هذا المفهوم بحاجة إلى التصحيح. ويدفعنا هذا الانفصام عن النظام البيئي لكوكبنا إلى الشعور بالدهشة عندما نلاحظ الظواهر المتطرفة الناتجة عنه مثلما يحدث عندما نرى العواصف والأعاصير العاتية التي أصبحت تدمر مدناً بأكملها. ومع النمو المتزايد لحضارتنا، سوف تزداد دهشتنا وينمو معها شعورنا بالخوف من نتائج إساءتنا للبيئة. وتمتد هذه التغيرات الحاسمة وتنتشر لتعيد تشكيل الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي. وهي التغيرات التي تفوق في سرعتها كل المقاييس التي عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل. وأصبحنا نعيش فوق «الأرض المشتركة» Earth Incorporated، وهو مصطلح جديد يعبّر عن الشراكة العالمية القائمة الآن في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأصبحت كافة السياسات الوطنية (للدول)، والاستراتيجيات الإقليمية، والنظريات الاقتصادية التي لقيت القبول خلال الأزمنة الماضية، تتعارض مع واقع اقتصادي جديد يتميز بالتكامل والتداخل وسرعة التفاعل على مستوى العالم بسبب التطور الهائل لوسائل الاتصال. ويمكن القول بكلمة أخرى أننا نعيش الآن في عصر الاقتصاد القائم على الثورة التكنولوجية. ومن شواهد هذا التطور أن معظم الشركات العالمية الكبرى وأكثرها نجاحاً، تنتج بضائعها الآن ضمن «مصانع عالمية افتراضية» وعبر شبكات عنكبوتية بالغة التعقيد. ولم تعد مهمة تبادل البضائع وتقديم الخدمات تحتاج إلى التقابل وجهاً لوجه بين البائع والمشتري. الفجوة المتسعة ولقد أدى هذا التحول الكبير إلى انتقال الكتلة العظمى من رؤوس الأموال إلى حسابات عدد قليل من شركات النخبة وعلى حساب تزايد عدد الناس الذين يستشعرون الضرر وخاصة من خلال انخفاض دخولهم. والانهيار المفاجئ لأسواق الإقراض والرهن العقاري في الولايات المتحدة الذي بدأ عام 2008 وما نتج عنه من ركود عالمي، أدى إلى خسارة 27 مليون موظف وعامل عبر العالم لوظائفهم. وكان من المنتظر أن يؤدي التعافي الاقتصادي البطيء الذي ظهرت بوادره أواخر عام 2009 إلى عودة بعض ضحايا البطالة إلى أعمالهم ولكنّ هذا لم يحدث. وعزى الخبراء هذه الظاهرة إلى أن أرباب العمل فضلوا استغلال فرصة انخفاض العمالة لتعويض خدمات الموظفين بتكنولوجيات جديدة يمكنها أن تؤدي العمل نفسه. وحتى في قطاع الأعمال التقليدية التي لا تندرج ضمن إطار الاقتصاد المعرفي، تلعب الروبوتات والآلات ذاتية الذكاء دوراً كبيراً في زيادة الإنتاج وتخفيض الحاجة لاستخدام العمالة البشرية. وعلى سبيل المثال، ارتفع مجمل إنتاج الولايات المتحدة من الفحم الحجري خلال ربع القرن الماضي بنسبة 133 بالمئة، بالرغم من أن حجم العمالة في هذا القطاع انخفض خلال الفترة ذاتها بنسبة 33 بالمئة. السرعة أساس التطور لقد أصبح تقييم المردود التجاري والاقتصادي للتكنولوجيا يرتبط بشكل كبير بمدى سرعتها في الأداء. ويسوق «جور» مثالاً مثيراً عن هذه الظاهرة ويقول: إنه التقى قبل بضع سنوات رجل أعمال صديق له في «وادي السيليكون» وأخبره عن فكرة للاستثمار في مشروع غير عادي يتلخص بإنشاء أنبوب اتصالات بكابل الألياف الضوئية بحيث يمتد وفق خط مستقيم تماماً (كمسار السهم) من بورصة شيكاغو إلى بورصة نيويورك بالرغم من وجود شبكة «متعرّجة المسار» تؤدي هذا المهمة. إلا أن المشروع الجديد يحمل في طياته مواصفات غير مسبوقة ولا حدود لفوائدها لأن قصر الكابل الممتد على استقامة واحدة لمسافة 1320 كيلو متراً سيؤدي إلى تخفيض زمن وصول الإشارات الرقمية من 16.3 إلى 13.3 ميلي ثانية أي بمقدار 3 أجزاء من الألف من الثانية. وسوف يحقق تجار الأسهم في بورصة نيويورك الذين سيشتركون في الكابل الجديد من هذا الفارق الزمني الطفيف فوائد كبيرة، لأنهم سيتمكنون من الاطلاع على تغير الأسعار قبل منافسيهم من غير المشاركين فيه. ويجرى الآن بناء نظام اتصالي بين بورصتي شيكاغو ونيويورك أسرع بكثير من كابلات الألياف الضوئية ويعتمد على البثّ المحمول على الموجات متناهية القصر microwave. استثمار «البيانات الكبرى» يستخدم «جور» مصطلح «العقل العالمي» Global Mind للإشارة إلى أن الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة جعلت عقول البشر في كافة أرجاء العالم في حالة تواصل وتفاعل دائم. وقبل التطرق إلى ما سوف تؤول إليه هذه الظاهرة من تطور وتداعيات على كافة النشاطات التي يمارسها البشر، فإنه يفضّل إدراج إحصائيات وأرقام من شأنها أن توضّح الحجم الهائل للتغيّر المنتظر في المستقبل. فلقد تضاعف عدد سكان العالم الذين يتصلون بشبكة الإنترنت خلال خمس سنوات فقط (بين عامي 2005 و2010) حتى بلغ 2.4 مليار مشترك. وفي عام 2015 سوف يتجاوز عدد أجهزة الهواتف المحمولة المستخدمة عدد سكان العالم أجمع. وسيتضاعف عدد مستخدمي الإنترنت النقالة خلال السنوات الخمس المقبلة 56 مرة عما هو عليه الآن. ومن المنتظر أن يتضاعف حجم المعلومات المشتركة التي يتناقلها البشر عبر الهواتف المحمولة بمعدل 47 مرة خلال الفترة ذاتها. ولعل ما هو أهم من الأرقام والإحصائيات هو أن هذه الطفرة الاتصالية التقنية ليست حكراً على الدول الغنية وحدها بل تتساوى في درجة التأثر بها الدول الفقيرة والغنية. وتشير إحصائيات أخرى إلى أن 5 مليارات نسمة من أصل عدد سكان العالم البالغ 7 مليارات مشتركون الآن بخدمات الهاتف المحمول ارتفاعاً من 1.1 مليار نسمة عام 2012. وهذا دليل على أن «العقل العالمي» لن يتوقف عن التضخم بسبب هذه الزيادة المتواصلة والمتسارعة في أعداد «الشبكات العصبية الافتراضية» التي تضاف إليه كل يوم وساعة ودقيقة. وأمام هذا التدفق الهائل للمعلومات والبيانات التي يتم تناقلها بشكل متواصل عبر العالم، نشأ علم جديد أُطلق عليه مصطلح «البيانات الكبرى» Big Data يهدف إلى ابتكار الصيغ الرياضية اللوغاريتمية التي تعمل بموجبها الكمبيوترات الخارقة «السوبركومبيوترز» من أجل «غربلة» هذه الكميات الضخمة من البيانات والاستفادة منها بعد أن كان يُظنّ أنه لا فائدة منها. واليوم، لا زالت نسبة 90 بالمئة من المعلومات والبيانات التي تقوم سلسلة أقمار «لاندسات» تُرسل بطريقة آلية إلى أقراص التخزين الإلكترونية من دون أن يطلع عليها أي إنسان بالرغم مما تحمله من معطيات كامنة بالغة الأهمية. وعلى نحو مشابه، يتم الآن إلغاء معظم البيانات التي يتم تجميعها خلال عمليات التصنيع بواسطة المجسّات الذكية المتصلة بالأجهزة والآلات من دون الاستفادة منها على الإطلاق. وبدأت الآن بعض الشركات التكنولوجية بابتداع أنظمة للاستفادة من هذه الثروة الضائعة من البيانات عن طريق تحليلها ودراستها بهدف الوقوف على أفضل طرق زيادة الفعالية الإنتاجية والمردود والتحكم في الأخطاء والمعوقات الإنتاجية. تداعيات سياسية واستراتيجية وكان لا بدّ لهذه التطورات الهائلة أن تترافق مع تغيّر شامل في المعادلات السياسية والعسكرية القائمة في العالم. وهذا التغير يتم وفق مقاييس بالغة الضخامة لم يشهد العالم مثيلاً لها خلال تاريخه. ولم يعد يخفى على أحد دور وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي في إطلاق انتفاضات الربيع العربي وتوجيه النشطاء فيها. وأصبحت «الطائرات الروبوتية» أو ما يعرف باسم «الطائرات من دون طيار «تلعب دوراً بارزاً في الحروب الحديثة، إلا أن العديد من التحديات تقف في وجه هذا التطور. ومن ذلك أن «الطائرات الخاوية» تمثل أهدافاً سهلة سبق أن نجح أعداء الولايات المتحدة بإسقاط الكثير منها. وفي عام 2010 اكتشف رجال الاستخبارات في أميركا أن بعض مقاتلي الميليشيات الإسلامية المتطرفة في العراق يستخدمون برنامج إلكتروني تطبيقي (سوفتوير) يباع في الأسواق بسعر 26 دولاراً لاستقبال البثّ الصادر عن الطائرات من دون طيار والاتصال بمركز توجيهها لحرفها عن مهمتها، ومنعها من بلوغ أهدافها. وفي عام 2011 تمكن الإيرانيون من الاتصال بطائرة أميركية من دون طيار ونجحوا في التحكم بنظام التوجيه حتى هبطت بهدوء في أحد مطاراتهم. والآن، تشهد صناعة الأسلحة الروبوتية في الجو والبر والبحر تطورات حاسمة توحي بأنها سوف تصبح قريباً الأسلحة الفعالة العاملة في ميادين المعارك. وتنشغل أكثر من 50 دولة حول العالم في اختبار أجيال جديدة من الأسلحة الروبوتية العسكرية الذكية من ابتداعها الذاتي. وعلى المستوى الاستراتيجي الدولي، يتركز اهتمام المحللين على الدور العسكري الصيني المتنامي في العالم. وبالرغم من أن الميزانية العسكرية للصين لا زالت متواضعة جداً بالمقارنة مع ميزانية البنتاجون، إلا أن قدراتها العسكرية أصبحت ذات ثقل كبير في ميزان القوى الكبرى في العالم. ويرى آخرون أن التنبؤ بتحول الصين إلى قوى عالمية عظمى ليس له ما يبرّره. ومن الأسباب الداعية لها الحكم، أن بعض المحللين يشككون في قدرة المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الصينية على الاستدامة والصمود أمام العواصف السياسية التي تنتظر الصين في المستقبل بالرغم من معدلات النمو القياسية التي تسجلها منذ بضع سنوات. وتلعب العديد من الممارسات السلبية الأخرى دورها في تأييد هذا الحكم كانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري ونقص الشفافية في مجال الإدارة والتسيير. ويتوقع خبراء ومحللون اقتصاديون انفجار الفقاعة العقارية في الصين والتي قد تؤدي إلى تداعيات مالية خطيرة شبيهة بتلك التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2008. دولة المستقبل يقول «جور»: إن قدرة أي دولة على الاحتفاظ بنواصي القوة وفقاً لأسس وقواعد الاستدامة، إن كان في المجالات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الأخلاقية، تعتمد على العديد من العوامل والشروط يذكر منها: قدرتها على صياغة سياسات ذكية ومرنة بحيث تكون صالحة لتحقيق الأهداف الوطنية بكفاءة تامة في كل الأوقات والظروف المستجدة، وأن تكون هذه السياسات مدعومة بمؤسسات فاعلة وشفّافة لصناعة القرار. وضع سياسات تضمن تحقيق التلاحم الوطني والعدالة الاجتماعية وتساوي بين حقوق وواجبات المجموعات السكانية كافة بمن فيها الأقليات. حماية حقوق الملكيات الخاصة، وإصدار القوانين والتشريعات التي تضمن احترام العقود التجارية الموثقة، والعمل على خلق فرص للاستثمار المالي تنخفض فيها احتمالات الخسارة. صياغة القوانين التي تضمن تحقيق استدامة السياسات المالية والبنكية وتخفيض احتمالات حدوث المخاطر التي تهدد استدامة دورات العمل والإنتاج. كما يتطلب النجاح الاقتصادي تشجيع الاستثمار في البنى التحتية ومعاهد البحث والتطوير وفرض التشريعات العقابية المناسبة بحق مخالفي القوانين. تطوير «رأس المال البشري» عن طريق توظيف استثمارات سخيّة في مجالات التعليم والتدريب وتوفير كافة المتطلبات المتعلقة بالصحة البدنية والذهنية لكافة المواطنين والعناية بالأطفال وتأمين الغذاء المناسب لهم، وذلك لأن ثورة المعلومات تركّز أكثر ما تركّز على أهمية الاستثمار في «رأس المال البشري». حماية وصيانة «رأس المال الطبيعي» عن طريق سنّ القوانين الصارمة التي تكافح النشاطات الضارة بالبيئة والحياة البرية وتساهم في تلوّث الجو والطبيعة، وتشجيع المبادرات الهادفة إلى الاستغلال الأمثل والفاعل لمصادر الطاقة وتشجيع إنتاج أنواع الطاقات الطبيعية المستدامة. ويعترف «جور» بأن الولايات المتحدة ذاتها، بما تمتلكه من إمكانيات ومصادر لا حدود لها، فشلت في تنفيذ الغالبية العظمى من هذه الوصايا المهمة من دون أن يعني ذلك أن علينا أن نتوقف عن المطالبة بالامتثال لها والعمل المشترك على تحقيقها. كان لظاهرة انصهار صفائح القلنسوة الجليدية للقطب الشمالي أن يدفع الخبراء إلى استغلال الفرصة والبدء في إنجاز مشروع جديد يربط بين بورصتي طوكيو ونيويورك بكابلات الألياف الضوئية التي يتم تمديدها تحت قاع المحيط المتجمد الشمالي. ومن المنتظر أن يتم توسيع المشروع بحيث يتم ربط خط مشابه آخر اليابان بأوروبا عن طريق القطب الشمالي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©