الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وإسرائيل... تتنكران لحل الدولتين

أميركا وإسرائيل... تتنكران لحل الدولتين
11 ديسمبر 2012
برفضها دعم المساعي الفلسطينية الناجحة لدى الأمم المتحدة التي أصبحت بموجبها فلسطين دولة غير عضو في الجمعية العامة تكون الولايات المتحدة قد بعثت برسالة قوية بأن نهجها التقليدي الداعم لإسرائيل لن يتغير في الولاية الثانية لأوباما، بل الأسوأ من ذلك، ومن خلال مراعاتهما الدائمة لضغوط اللوبي اليهودي، أن أميركا تبدو وكأنها قد تخلت عن حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، وانحازت بشكل ضمني لحل اللادولة الذي يعمل نتنياهو وغيره من متشددي اليمين الإسرائيلي على جعله أمراً واقعاً في النهاية، وذلك من خلال تكثيف أعمال الاستيطان في الضفة الغربية وعلى نحو قد يجعل قيام الدولة الفلسطينية أمراً متعذراً في نهاية المطاف. وعلى رغم الموقف الرسمي الأميركي القائم على دعم حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب، فقد عملت السياسات الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية على تقويض هذا الحل والقضاء عليه تماماً، فمنذ المصافحة الشهيرة في حديقة البيت الأبيض خلال عام 1993 بين عرفات ورابين، التي أطلقت عملية السلام واتفاقيات أوسلو، قفز عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من 109 آلاف مستوطن إلى 350 ألفاً اليوم، كما أن إحدى أكبر المستوطنات، «أرييل»، التي تضم 20 ألف مستوطن ضُمت لإسرائيل بعدما ابتلعها الجدار العازل، فيما العمل جارٍ على قدم وساق لضم مستوطنة أخرى هي «معالي أدوميم» التي يعيش فيها هي أيضاً 39 ألف مستوطن. هذا بالإضافة إلى حلقة من المستوطنات تلف القدس الشرقية وتعوق تحويلها في المستقبل إلى عاصمة الدولة الفلسطينية، وهكذا تحولت الضفة الغربية التي يُفترض أن تكون جزءاً أساسياً من الدولة الفلسطينية إلى مجموعة منفصلة من الكانتونات المعزولة بسبب الطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين وتكثيف بناء الوحدات السكنية غير الشرعية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يتوسع فيها استيطان اليهود، ناهيك عن المناطق العسكرية المحظور أيضاً استخدامها من قبل الفلسطينيين، زيادة على الطرق الالتفافية التي تقضم هي أيضاً إلى جانب السور العازل مزيداً من الأرض، وتقطع تواصل القرى والبلدات الفلسطينية. ولاشك أن الصواريخ الفلسطينية التي تنطلق من غزة والعمليات التي نفذها المسلحون في سنوات سابقة عقدت الموقف هي أيضاً، إلا أن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية استمرت دون هوادة بصرف النظر عن مستوى العنف الممارس أو المزعوم أنه يمارس ضدها. وهذه الحقائق التي تسعى إسرائيل إلى فرضها على أرض الواقع وتثبيتها كمعطيات لا يمكن تغييرها تعني في الحقيقة أنه لا وجود لشريك للسلام على الجانب الإسرائيلي. ومع كل مشروع استيطاني جديد يتم الإعلان عنه، ومع كل نية واضحة معبر عنها علناً بشأن عدم إخلاء الوحدات غير الشرعية وعدم السماح للفلسطينيين بممارسة سيادتهم على القدس الشرقية، أو وادي الأردن، يبدي نتنياهو، ومن قبله شارون، احتقاراً واضحاً لحل الدولتين، بل إن قادة إسرائيل المتطرفين بتصرفاتهم تلك يحولون الأرض المقدسة إلى كيان واحد خاضع بحدوده الجوية والبرية ومياهه للسيطرة الإسرائيلية. وتضاف إليها حقوق الجنسية التي توزعها الدولة العبرية على من تشاء. وأمام هذا الوضع لم يكن غريباً أن يتوجه محمود عباس إلى الأمم المتحدة لأنه لم يعد لديه ما يخسره، فحتى لو كانت الصفة التي حصل عليها وهي دولة غير عضو في الأمم المتحدة تظل رمزية إلى حد بعيد، إلا أنها قد تفتح المجال أمام السلطة الفلسطينية لمقاضاة الجنود الإسرائيليين والمسؤولين أمام محكمة الجنايات الدولية بسبب الجرائم التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي. والحقيقة أنه بعدم دعم إدارة أوباما لخطوة عباس تكون هي أيضاً قد عززت من مكانته الداخلية في ظل الخيبة والمرارة اللتين يشعر بهما الفلسطينيون منذ الخطاب الرنان الذي ألقاه أوباما بالقاهرة في 2009 فقط ليتبين لاحقاً أن أميركا ما زالت على مواقفها القديمة الداعمة للدولة العبرية دون تحفظ، وذلك على رغم التصلب الواضح في مواقف حكومة نتنياهو وتخليها عن أي التزام تجاه حق الفلسطينيين المشروع في تقرير مصيرهم. ومن الأدلة الواضحة على انحياز أميركا تصريحات مسؤوليها عقب انتصار الفلسطينيين في الأمم المتحدة، حيث أعلنت سوزان رايس أن «التصريحات المنتشية ستتلاشى قريباً»، أما وزيرة الخارجية، كلينتون، فقد أكدت أن «أميركا لن تدير ظهرها لإسرائيل». وبعد يوم واحد على التصويت لصالح الفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة سخرت إسرائيل من العالم كله بإعلانها عن خطتها لبناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة فـي المنطقـة التي تصل القدس الشرقية بالضفة الغربية في محاولة واضحة لفصلها والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة ليكون ذلك هو المسمار الأخير في نعش حل الدولتين. ولعل ما يفسر هذا الموقف الأميركي غير المناسب هو تلك النظرة القاصرة في واشنطن التي تعلي عادة من شأن السياسة الداخلية على حساب المصالح الوطنية في الخارج، بحيث يُهتم كثيراً باللوبي الإسرائيلي ولا يُكترث للمشاكل التي تسببها الدولة العبرية للمصالح الأميركية في العالم، وذلك على رغم الاقتناع السائد أيضاً في دوائر الاستخبارات الأميركية بأن إسرائيل تحولت إلى عبء يثقل كاهل أميركا ويهدد المصالح القومية للولايات المتحدة. فعلى امتداد العالم العربي والإسلامي يُنظر إلى الفلسطينيين على أنهم حراس المواقع الإسلامية المقدسة في فلسطين، وكما صرح بذلك المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الجنرال، ديفيد بتراويس، لصحيفة «نيويورك تايمز» في 2010 فإنه: «لا يمكن الحفاظ على الوضع الراهن، ما لم يتحقق تقدم ملموس ودائم في عملية السلام بالشرق الأوسط سيُمنح المتطرفون فرصة لضربنا». ولذا وبرفضها دعم خطوات ولو بسيطة تجاه تقرير الفلسطينيين لمصيرهم من خلال القنوات الدولية تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن مصالحها الخاصة. كما أن واشنطن بامتناعها على هذا النحو عن الضغط بشكل مؤثر على إسرائيل، وترددها في تأييد تطلعات الفلسطينيين تكون مواقفها سلبية تجاه خطة تقويض حل الدولتين لصالح نظام الدولة الواحدة التي تهيمن بحكم القوة العسكرية، والتي يسعى اليمين الإسرائيلي لفرضها على المجتمع الدولي برمته. ولكن مع ذلك لم يفت الأوان بعد لتصويب المسار بالنسبة للولايات المتحدة، وأول ما يمكن أن تبدأ به هو التهديد بقطع المساعدات الأميركية لإسرائيل في حال استمرار احتلالها للضفة الغربية، ولاسيما أن هناك سابقة في عام 1992 عندما رفض وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر بدعم كامل من الرئيس بوش الأب تقديم ضمانات لقروض إسرائيلية ما لم توقف الدولة العبرية توسيع المستوطنات، وهي الخطوة التي نجحت في ردع إسرائيل إلى أن انطلت اتفاقات أوسلو على الجميع. ساندي تولان أستاذ الاتصال والصحافة بجامعة جنوب كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©