الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجحيم العربي» والتجربة اليوغسلافية

1 فبراير 2015 22:54
قبل نحو 15 عاماً استيقظ الأميركيون على صورة مروعة للمدمرة «كول»، وقد تدمرت هي نفسها في ميناء عدن وقتل 17 من طاقمها، وأصيب 39 آخرون منهم. فقد عاودت «القاعدة» الهجوم ثانية، ولم يكن معظم الأميركيين تقريباً يعرفون عنها شيئاً رغم التفجيرات القاتلة التي استهدفت سفارتين أميركيتين من قبل. لكن «القاعدة» وأتباعها أصبحوا مشهورين ووقع المزيد من أعمال الإرهاب. واستمرت الحرب والموت والخطف في سوريا والمذابح الجماعية في باكستان ونيجيريا وأخيراً الهجوم على باريس. وهنا في الولايات المتحدة يشتعل الغضب في الكونجرس، ويواري البيت الأبيض الحقائق. فمن المستفيد من كل هذا؟ بعد مرور عقدين، هناك ثلاثة دروس على الأقل مستفادة مما حدث. أولاً، لا توجد حرب بين الإسلام والغرب، بل هي حرب داخل العالم العربي على السلطة والموارد، وضد تحكم الغرب في النتيجة. ثانياً، علينا ألا نعطي «القاعدة» وخلفاءها ما تريد، وهو استمرار دائرة القمع والحرب، وهذا لن يتأتى لنا إلا بفهم الدرس الأول. وثالثاً وأخيراً، ومما يثير الإحباط، إن ما وصف قبل أربعة أعوام بأنه «الربيع العربي» هو في الواقع «الجحيم العربي». وأميركا وأوروبا ليستا مستعدتين إلا لاحتواء نيران هذا الجحيم. فقد تواجد الجنود الأميركيون بأعداد كبيرة في الشرق الأوسط منذ نحو 40 عاما ليخلفوا البريطانيين في دورهم التاريخي وتحديدا حماية النفط. ومنذ غزو العراق للكويت قبل نحو 25 عاما تورط الأميركيون بدرجة أو بأخرى في صراع مسلح متواصل إلى حد كبير. ومثلت حرب العراق التي وقعت بعد ذلك بعقد من الزمن انحرافاً شديداً عما كان صراعاً طويل الأمد منخفض الدرجة ضد دولة واحدة أو أخرى باسم تحقيق التوازن الاستراتيجي. لكن ما عرف باسم «الربيع العربي» قبل أربعة أعوام هو ما دمر الأنظمة القومية المترنحة وأدخل المنطقة برمتها في جحيم فوضاها الحالية. وتهاوت الديكتاتوريات المتفسخة والفاسدة والمكروهة عن حق من داخلها دون نمط أيديولوجي سياسي بديل. وهرع التطرف الإسلامي وليس الإسلام ليملأ هذا الفراغ، وبدأ بعد فترة قصيرة ينافس ليس فقط على السلطة، ولكن أيضاً على النفط. وظهر التطرف الإسلامي في «الربيع العربي» كسلاح سياسي يمكن توظيفه ضد الأجانب والعرب على السواء. وتاريخياً، نجح التطرف الإسلامي في الانقلاب على الروس في أفغانستان وعلى الأميركيين في العراق. ولم ينج من الحريق إلا تونس والأردن والسعودية ودول الخليج. وفي هذا المنعطف ذاته، يوشك السياسيون المحافظون في الولايات المتحدة وأوروبا على الوقوع في نفس الخطأ المهلك الخاص بالخلط بين الإسلام كدين والعنف الإسلامي كأيديولوجية سياسية. فهناك أكثر من 1.6 مليار مسلم في العالم، معظمهم، أي نحو مليار، يعيشون في آسيا لكننا لسنا في حرب في آسيا. والخلط بين العقيدة الدينية والأيديولوجية السياسية يؤدي إلى عزل المزيد من الناس ويعزز قوة المتشددين الذين يتبعون العنف نهجا في العالم العربي. والوقوع في هذا الخطأ يضع دون تمييز أبرياء من حول العالم في فئة هذه الأيديولوجية السياسية العنيفة. وفي أوروبا، فإن مثل هذا الخطأ لن يؤدي إلا إلى تعميق عزلة الأوروبيين من أصحاب الجذور العربية. والحنكة تتمثل في استنزاف الإرهاب قبل أن يستنزفنا. والعالم العربي لا يقيم فيه إلا نحو ثلث المسلمين فحسب لكنها المنطقة التي نجد فيها توترات وصراع وعنف منهجي. وحساب عدد السكان وحدة يثبت أن الإسلام نفسه ليس في حرب مع أوروبا وأميركا، كما أننا لسنا في حرب معه. لكننا، دون أن تكشف عن ذلك حكوماتنا، متورطون في صراع طويل الأمد يكاد أن يكون خفياً لاحتواء النيران في العالم العربي والنظام السياسي الذي سيخرج من الرماد. والمأساوي في الأمر، أن تحلل السلطة في العالم العربي يشبه تحلل يوغسلافيا، وإنْ يكن على نطاق أوسع. ففي يوغسلافيا، حاول الأميركيون والأوروبيون احتواء الحرب، وتدخلوا من على الأطراف لكنهم تركوها تحرق نفسها في عملية استمرت 10 سنوات مروعة حصدت أرواح 260 ألف شخص. وهذه هي السنة الرابعة منذ بداية «الجحيم العربي» وما ستفعله أميركا على الأرجح هو احتواء النيران فحسب. ريتشارد باركر* *صحفي أميركي حاصل على عدة جوائز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©