الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موزة سعيد البادي: رهان التطوير يتطلب خلق قيادات شابة

موزة سعيد البادي: رهان التطوير يتطلب خلق قيادات شابة
21 ديسمبر 2013 21:07
لكبيرة التونسي (أبوظبي) - حصلت الباحثة الإماراتية موزة سعيد البادي، مدير التطوير والدعم الخارجي في جامعة الإمارات، على درجة الماجستير في الإدارة والتطوير للقيادة الحديثة بتقدير امتياز، من جامعة «هينيلي» في المملكة المتحدة، حيث تناولت دور القيادة الناجحة في مواكبة الحداثة والتجديد. وتناولت الرسالة محاور عدة للمفهوم الاعتيادي الحديث، الذي تبني دولة الإمارات عليه خططها الاستراتيجية، والذي ينطلق من مفهوم قيادة حكومة دولة الإمارات، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في تفعيل القيادات الوطنية، والحث على التميز، والجودة في مفهوم القيادة، ومجالاتها والتي تمكن المؤسسات والأجهزة الوطنية الإدارية من قيادة الأفراد نحو التطوير والتحديث ومواكبة التقدم، ولا ينحصر في تقديم الجديد فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى تشجيع التنافسية، والاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية في الدولة، بجودة واقتدار. إنّ القيادة كخصلة لا يمكن اكتسابها بالتعلم أو خلقها بتراكم الخبرات، وفق البادي، والتي أكدت أن القيادة موهبة تولد مع الفرد في حين يكون دور التعلّم هو صقل حدود تلك الموهبة وتوصيلها لأقصى حد يمكن أن تصله، حتى يكون تأثيرها كافياً لإحداث نقلة نوعية في واقع المؤسسة التي توجد بها، وتوضح أنه من الأهمية بمكان إعطاء وزنٍ خاص لدور الأسرة في اكتشاف القدرات القيادية لدى أطفالها، حتى تتم رعاية تلك الموهبة منذ فترة مبكرة تختصر بها سنواتٍ من التعليم اللاحق، فإن لم تتهيأ للطفل البيئة الحاضنة للإبداع، ويحصل على قدرٍ كاف من الاهتمام والتشجيع، فلن يكون من المتيسّر إطلاق طاقات الطفل المبدع وتنمية واحتضان قدراته القيادية منذ نعومة أظفاره. على المسار الصحيح وتقول البادي، إنّ القيادة في مفهومها الصرف هي القدرة على إلهام الآخرين وإذكاء حماسهم من أجل العمل على تحقيق أهداف المؤسسة، فالقائد في المقام الأول ملهم وملهب للحماس وشخص بمقدوره رؤية أبعاد الصورة الكبيرة بطريقة تخفى على بقية المديرين وشاغلي المناصب العليا، وهو بالضرورة قادر على إدارة وقته بطريقة مثلى تعتمد على التفرقة بين الطارئ والمهم وبين ما يمكن تأجيله ومالا يجوز تأخيره على قائمة الأولويات. وتضيف: «هو شخص لا يؤمن بالمبالغة في متابعة التفاصيل الصغيرة والتي يغرق فيها أغلب المديرين بحجة ضمان الجودة أو التأكد من كفاءة العاملين والموظفين في أدائهم للمهام المنوطة بهم، فوقت القائد ثمين، واستغلاله لابد أن يكون بطريقة تجعل كل وقته سبباً لمزيد من الإنتاجية، والقائد شخص بمقدوره أن لا يغفل عن الصورة الكبيرة التي من المفترض أن تكون عليها المؤسسة في المستقبل، فأي غفلةٍ عنها ستكون مدعاة للانحراف عن المسار الصحيح وسبباً للغرق في تفاصيل لا تشكل إضافة كبيرة لواقع المؤسسة ولا تقوية لموقفها في المستقبل المنظور». وتشير البادي إلى أن المستقبل لن ينقاد للنائمين من مقدّسي اللوائح البالية والنظم العتيقة، ولن ينتظر قطاره من لا يملك حساً للمستقبل، وما دام رهان دولتنا على المستقبل فإنّه من الواجب أن نولي جانب اكتشاف القادة وتطويرهم اهتماماً خاصاً، فدون قيادات شابة مؤهلة لن يكون لنا في المستقبل نصيب من التميز، وهو الأمر الذي يعيه صنّاع القرار بالدولة ويولونه اهتماماً خاصاً، ولا يزال أمامنا طريق طويل مليء بالتحديات قبل أن نصل إلى مبتغانا بين دول النخبة، ولكن نحن على المسار الصحيح. من الاعتيادي إلى الاستثنائي وتقول البادي إن القيادة هي تلك التي تخلق من الشيء الاعتيادي آخر استثنائياً، وتضيف أن الميزة التنافسية التي تحدث عنها مايكل بورتر كثيراً في العديد من كتبه وأطروحاته تحاول وضع أسس ومنهجيات بإمكانها مساعدة المؤسسات، بل والدول أيضاً لخلق ميزة خاصة تستطيع من خلالها أن تنافس أقرانها بكفاءة عالية وأن تخط لنفسها مساراً يميزها عن غيرها، وبمقدورها أن تبقى تلك المؤسسة أو الدولة على مسافة متقدمة عن السواد الأعظم وعلى مسافة مقاربة من النخبة، وقد تكون تلك الميزة صناعةً معينة أو قطاعاً خدمياً محدداً أو قدرة عسكرية أو ثقلاً سياسياً، ولكن لو أمعنا النظر فسنتأكد من أن مرتكز ذلك كله يعود لخصلةٍ بشرية واحدة هي القيادةاستراتيجية المحيط الأزرق ، فهي التي تستطيع أن تخلق من الشيء العادي أمراً استثنائياً وأن تحوّل المؤسسة من كيانٍ تنظيمي متوسط الكفاءة إلى مؤسسة فعالة للغاية، كما حدث مع جنرال إلكتريك خلال فترة رئيسها السابق جاك ويلش أو آبل إبّان فترة مؤسسها الراحل ستيف جوبز، وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً وبالتبعية على عالم المؤسسات الكبيرة المتمثل في الدول، فمن منّا لا يمر بباله ما فعله المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس دولة الإمارات وقدرته القيادية الفذة التي استطاعت أن تجعل من الصحارى المقفرة والجبال الجرداء جنة خضراء، حيث أثبت جدارته مع الأيام في مسرح الدول الطموحة والواعدة وأحدث نقلة هائلة في واقع أفراده. القيادة والتعليم وتوضح موزة البادي أن القيادة تنمى منذ الصغر، والجانب الآخر المكمّل لهذه الرعاية المبكرة يكتمل بدور المدرسة وما يترتب عليه من ضرورة إصلاح القطاع التعليمي وإحداث نقلة نوعية فيه بحيث تكون قادرة على رفع جودة مخرجاته، فما كان مقبولاً في السابق لم يعد مقبولاً في وقتنا الراهن، وما كان سبباً لنجاح المجتمعات والدول في الماضي قد يكون عنصراً سلبياً لعدم الوفاء بمتطلبات العصر الحديث، فعالَم متغير ومختلف يحتاج بالضرورة نمطاً تعليمياً متجدداً ومختلفاً. فمن المحال أن تتوقع مخرجات مختلفة إن كنّا نستخدم ذات المدخلات، فالنتاج النوعي المتميز يتطلب تطويراً جذرياً للعملية التعليمية بعناصرها كافة، وبكل أبعادها حتى تفي بمتطلبات تحديات المستقبل وتحسن اكتشاف وتطوير وإطلاق قدرات الطلاب ذوي الخصائص القيادية. وتعد مبادرات تطوير التعليم التي حدثت في دولة الإمارات سعياً حثيثاً لتحقيق هذه الغاية، والتي كان آخرها مبادرة العصف الذهني التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لإشراك كافة أطياف المجتمع الإماراتي لتقديم مقترحاتهم وتصوراتهم لتطوير قطاعي التعليم والصحة، حيث وصلت هذه المقترحات إلى رقم غير مسبوق في التفاعل المجتمعي بلغ قرابة سبعين ألف مقترح. قدرات بشرية وحسبما ترى البادي، فإن الصورة في دولتنا تتكامل في سعيها لحسن استغلال قدراتها البشرية وتحديداً من الأجيال الناشئة، وذلك ببرامج الابتعاث النوعية والتي ازدادت اشتراطاتها مؤخراً لتوجيه كامل التركيز والاهتمام للنشء ذي القدرات الخاصة والتحصيل العلمي المتفوّق، ومن ثم توجيهه لتخصصات تتلاءم وقدراته ونواحي قوته وتميزه بما يساعد على خلق قيادات شابة في مجالات مدروسة بعناية، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تم إطلاق برامج لتطوير القادة وبرامج للقيادات الشابة في أغلب إمارات الدولة تحظى بعناية كبيرة ومتابعة قريبة من صُنّاع القرار، ويتم فيها المزج بين الجانب النظري المتمثل في المحاضرات والدورات وورش العمل المكثفة التي يتم عقدها باستضافة كبار الخبراء والمختصين بمجالات القيادة والإدارة على مستويات المؤسسات الربحية واللاربحية، وبين الجانب العملي والمتمثل بالزيارات الميدانية للعديد من الشركات والمصانع الناجحة عالمياً حتى تترسخ المعلومة من خلال ملاحظة تطبيقها فعلياً، وهو جانب مهم أجاد المسؤولون عن هذه البرامج في تداركه، إذ إنّ الفجوة المعرفية كانت وما زالت سبباً رئيسياً في فشل العديد من المؤسسات، حيث لا يوجد ردم للهوة بين ما يعرفه الشخص وبين كيفية ممارسة تلك المعرفة وأساليب تطبيقها في الحياة الواقعية بعيداً عن أجواء الأكاديميات المثالية. وتضيف أن اهتمام دولة الإمارات بتطوير القيادات واكتشافها منذ سنٍ مبكرة ليس من باب الكماليات، وإنما لإيمانها العميق أن تحديات المستقبل بالغة الصعوبة وشديدة التعقيد، وأن المنافسين يزدادون عدداً ويتنوعون من حيث الأساليب كلما مضى الوقت. وتورد البادي قائلة إنّ الحفاظ على المكتسبات التي تحققت طيلة سنوات الاتحاد الاثنتين والأربعين لن يحدث مالم تتنوّع القدرات القيادية لدى الأجيال القادمة ويتم صقلها وتدعيمها بما يمكنها من مقارعة الآخرين، فالثروات الطبيعية قابلة للنضوب، والاعتماد عليها لوحدها لخلق ميزة تنافسية نوعٌ من الانتحار الطوعي والبعد عن منطقية الطرح وطبيعة دورة حياة المؤسسات، خاصة أن الدول المتقدمة لا تعترف إلا بمن يسعى دوماً لتطوير قدراته وتنويع أساليبه وبناء قدرات جديدة بإمكانها خلق فارق أو تحوير مسار منافسة مع الآخرين. استراتيجية المحيط الأزرق تقول موزة سعيد البادي: القيادة كانت وما زالت ذلك البعد الذي تحدث عنه ستيف جوبز كثيراً فيما يعرف باستراتيجية المحيط الأزرق Blue Ocean Strategy، والتي بمقدورها لوحدها أن ترى مالا يراه الآخرون وتتنبأ بحدوث مالا يستطيع المنافسون التنبؤ بوقوعه، فتبقى المؤسسة دوماً على مسافة خطوتين أمام البقية، وهو الأمر الذي طبقه جوبز بنفسه في مؤسسة آبل التي شغل رئاستها ردحاً من الزمن قبل أن يتوفى بسرطان البنكرياس العام الماضي، فقدرات جوبز القيادية الفذة هي ما جعلته يُغيّر مسار الشركة الشهيرة من الاعتماد على إنتاج أجهزة الحواسب الآلية بعد أن تنبأ باضمحلال سوق هذه الصناعة في المستقبل القريب، واتجه إلى إنتاج مشغلات الموسيقى فنجح بجهازه الآي باد في اكتساح سوقٍ جديدة كانت تهيمن عليها سوني اليابانية، وعندما بدأ بقية المنافسين في تقليده ومحاكاة جهازه أطلق مفاجأته الثانية والتي كانت جهاز الآي فون وهو أول هاتف متحرك يعمل باللمس دون أزرار ويتمتع بطاقة تخزينية هائلة، فخلق سوقاً جديدة داخل أسواق الهواتف القديمة وحقق أرباحاً هائلة ومبيعات غير مسبوقة، وحالما رأى منافسيه يبادرون لتقليده بسلسلةٍ مما يسمى بالهواتف الذكية بادر بإطلاق مفاجأته الثالثة والتي تمثلت في جهاز حاسبٍ آلي بشاشة لمسية ودون لوحة مفاتيح ومزود بمكتبة هائلة لتنزيل البرامج والألعاب، فخلق لشركته أسواقاً ثلاثة جعلها الرائد فيها والمتحكم بمعاييرها ومقاييس الجودة فيها، ولولا قدراته القيادية الفذة لانتهى به الحال كالعديد من الشركات العالمية والتي فشل منها قرابة 85% في البقاء على قيد الحياة وليس بقاء النجاح والتفوّق فقط لانعدام القيادات القادرة على البناء والنجاح القائم على تنويع سيناريوهات التعامل مع المستقبل، فالشركة التي تعتمد على خطةٍ ثابتة غالباً ما تترنّح أمام منافسيها ذوي الخطط المغايرة والمتنوعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©