الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد

اقتصاد
20 ديسمبر 2013 20:44
‎الناس تبذر المال طيلة الوقت وبطريقة شبه مخبولة، رأيت من ينفق ألفاً في وجبة عشاء، ثم بعد هذا يجلس إلى كافتيريا ليدخن النارجيلة عدة ساعات، وينفق مبلغاً هائلاً. هناك من يبتاع جهاز محمول جديداً كل أسبوع، ويبدل السيارة لأن زجاجها اتسخ.. كل هذا يحدث، لكن ما يثير الجنون فعلاً هو أن الناس يغدون مدبرين مولعين بالاقتصاد عندما يتعلق الأمر بالمكالمات الهاتفية. هنا فقط يتذكر الناس أن المبذرين إخوان الشياطين وأن المال شيء ثمين جداً. كان لي صديق يعمل في بلد عربي شقيق، وقد اكتشف اكتشافاً عبقريًَا، هو أنك عندما تتصل بمصر من هواتف العملة، فإن المكالمة تفتح لعشرين ثانية قبل أن يكتشف الهاتف أنه لا يوجد مال ويقطع المكالمة. إن بوسعه الاتصال مجاناً إذن. هكذا راح جرس الهاتف يدوي في شقتي ليلاً فأرفع السماعة لأسمع من يقول لي: -«بخصوص الورق.... تك» وتنقطع المكالمة، وهنا أذهب للحمام ليدوي الجرس من جديد يحطم الأعصاب. تررررررررررررررررن!.. أهرع لأرفع السماعة فأسمع صاحبي يقول: -«لم يصل بعد لأن..... تك» أضع السماعة وأسب وألعن.. المشكلة أن أبي المسن كان يعاني جلطة في المخ، وكان يصاب بالهلع كلما دوى هذا الجرس في أنحاء الشقة.. لكن الجرس يدق من جديد: -«هناك من أضاع... تك» -«الخطاب الأول الذي.... تك» -«أرسلته لك.... تك» هكذا يتصل عشر مرات وأنا لا أجد فرصة لأطلب منه أن يكف.. ما أن أفتح فمي حتى ينطلق في الكلام قبل أن يقطع الخط ثانية. وأحاول جاهداً تجميع رسائل الشفرة هذه. صديقي هذا بدد ما قيمته خمسة آلاف جنيه مصري في أسبوع واحد هناك؛ لأنه كان يشعر بالوحدة ويحتاج إلى الجلوس في كافتيريات فاخرة والتهام طعام دسم حتى يرفه عن نفسه قليلاً. السؤال هنا ماذا يضيره لو أنفق عشرة جنيهات وأجرى مكالمة مفهومة كاملة ومستريحة؟ لكن من قال إن المنطق هو اسم اللعبة؟ لا شك أن هذا الاكتشاف كان شيطانياً وقد حطم أعصابي وأعصاب الكثيرين، هذا بالطبع قبل ان يظهر جيل جديد من الهواتف لا توجد فيه هذه الثغرة. أما مع ظهور المحمول فقد ظهر اكتشاف آخر لعين هو المكالمات المفقودة Missed call أي أن ترن الجرس للشخص ثم تقطع المكالمة قبل أن يرد. برغم هذا يثرثر الناس لساعات في المحمول فلا تدري حكمة ادخار مكالمة ثمنها بضعة قروش. صارت هذه سياسة مفروضة لا حل لها.. عندما أتفق مع صديقي على اللقاء عند ناصية شارع الضفادع، فإنني اتصل به لأخبره بذلك.. يفترض أنها مكالمة مفقودة ويقطع علي الخط ولا يرد.. يوفر لي عشرين قرشاً تقريباً وأنا لم أطلب هذه الخدمة. المصيبة قد يحدث لي حادث سيارة مثلاً، أو يفرغ الإطار. أتصل به لأبلغه أنني عاجز عن تلبية الموعد.. لكنه يغلق الخط علي.. أتصل به من جديد لكنه مصر.. يا سيدي رد مرة واحدة.. أريد أن أعتذر عن عدم تلبية موعدي. لا جدوى... هناك كذلك المجاملون الذين يريدون أن يتحملوا هم ثمن المكالمة بدلاً منك. هكذا أتصل بصديقي لأخبره أن السمسار لن يأتي غداً لأن ابنته مصابة بالسعال الديكي، فيغلق الخط علي.. أكرر الاتصال من دون جدوى. في النهاية يطلبني هو بعد خمس دقائق ليعرف لماذا طلبته.. طبعاً أكون قد نسيت كل شيء.. فأيهما أفضل لي؟. أن اتكلف بضعة قروش أم أنسى ما اتصلت من أجله أصلاً ؟ هناك قصة شهيرة تكشف لك مدى الغباء الذي اجتاح المجتمع. قصة حقيقية وقعت لابن مطرب شهير كان في منطقة نائية وحده ليلاً.. هنا انقض عليه بعض الأوغاد.. تبين فيما بعد أن هناك خلافاً بينهم وبين أبيه المطرب. أوسعوه ضرباً وكسروا رجليه الاثنتين، ثم تركوه ورحلوا. لحسن الحظ لم يأخذوا المحمول. راح يتصل بأسرته كي يرسلوا من يغيثه.. كلما سمعوا الجرس قطعوا الخط عليه.. يكرر الاتصال فيقطعون الخط عليه.. يريدون أن يوفروا له بعض القروش التي هي ثمن المكالمة. وفي النهاية فقد وعيه من الألم فلم ينقذه سوى بعض المارة الذين وجدوه وجربوا بعض الأرقام على هاتفه المحمول.. لابد أنهم تعبوا جداً حتى وجدوا شخصاً لا يريد أن يوفر له المال.. إما أن تكف الناس عن محاولة الاقتصاد في غير موضعه، وإما أن تزود أجهزة المحمول بضوء أحمر خاص يقول إن الأمر طارئ يتعلق بحياتك، وإنك غير راغب في أن يوفروا لك مالك هذه المرة على الأقل!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©