الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حمادي الهاشمي يرحل في تجليات المكان والوَجْدِ والوجدان

حمادي الهاشمي يرحل في تجليات المكان والوَجْدِ والوجدان
9 ديسمبر 2012
شهـيـرة أحـمـد (أبوظبي) - إلى أحمد راشد ثاني، الغائب الحاضر في أرواح كل من عرفوه، أهدى الشاعر العراقي حمادي الهاشمي قصيدته الموسومة بـ “مجال العطر والنوم”، والتي كانت موضوع الحلقة النقاشية التي عقدتها جماعة الإبداع في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – فرع أبوظبي، مؤخرا، وقرأتها بالتناوب مع الشاعر نادين إبراهيم، وحضرها لفيف من المثقفين الذين اعتادوا أن يلتئموا في جمعهم الثقافي هذا مساء كل أربعاء، مع نص ما يتذوقونه ويتجادلون حوله. وجاء في الإهداء “إليك هذا البوح عن الحياة التي أحببت.. عن جبال خورفكان والبلد الطيب.. الذي فقدك.. نم هادئاً ياصديقي.. إنها الحياة.. وداعاً”. وأجمع الحضور على جمال النص وعمقه، وقدرته على مخاطبة أحاسيسهم، مؤكدين أنه يحتاج إلى قراءة متأنية، وأن قراءة واحدة لا تكفي. من جانبه، قال الناقد العراقي الدكتور معن الطائي “ينتمي النص الشعري الذي قرأه الشاعر حمادي إلى ما يعرف في النقد الحديث باسم “النص المفتوح”، أو ما يطلق عليه إدوارد الخراط في كتابه (شعر الحداثة في مصر) “بالكتابة عبر النوعية”. و هو نمط من الكتابة الشعرية ظهر مع نهاية السبعينيات في الأدب العربي، وارتبط بحركة الحداثة الشعرية التي حاولت تجاوز تجربة شعراء الخمسينيات ومنجزهم الشعري على صعيد الشكل والمضمون”. ورأى الطائي أن “النص المفتوح” يتميز بأنه نص شعري مطول عابر للأجناس الأدبية يعمل على توظيف الخصائص الفنية في انماط الكتابات الابداعية المختلفة لخلق حالة شعرية مكثفة تتيح للشاعر التعبير عن تجربته الشعرية بحرية عالية”.. أما النص الذي نحن بصدده، فيتميز عن تجارب “النص المفتوح” العربية في تجنبه التعقيد والغموض والانسيابية والعفوية الشعرية التي جاءت متناسبة مع الدلالات الانسانية العالية، وتوظيف مفردات الشعر العربي الجاهلي، ما أكسب لغة النص جزالة مميزة”. منذ مطلعه يكشف النص عن شعرية عالية تتوسل الإحاطة بجماليات الكتابة الخاصة بالنص المفتوح، وفيوضاته واندياحاته التي تمنحها الجملة الشعرية الطويلة فرصة الإفصاح والبوح. “أزحنا أغطيةَ الحرير/ الخضر عن مخادِعنا”، هذه الجملة المفتاحية في النص، سوف تلقي بظلالها فيما بعد على مشاهد النص كله، وتمارس حضورها في لغة الشاعر، وهو يكتشف ليس فقط مكان أحمد راشد ثاني المفضل، بل مسقط روحه وقلبه الذي ظل طازجاً، يزوّد ذاكرته ونصه ببهاء عجيب، وإنما أيضاً وهو يكتشف صديقه الحميم، يطل على عالمه الإنساني والفكري الثري في صفاء شعري رائق، يتخلص من شوائب الخارج كلها، ويفضي إلى الداخل حراً تماماً في تمثل الروح الحرة للشاعرين (وفككنا ألجمة الخيول العتاق/ بعيداً عن المكامن).. وما داما قد ابتعدا عن المكامن، فإن الجو مهيأ لكتابة قصيدة مأخوذة بالمحبة، وبالمكان، وبالصورة النابضة على حواف المشهد البصري الذي يصوغه الشاعر معتمداً على ما يمتلكه من قدرة تشكيلية في باقة من الصور الشعرية، ثم يرسل له كل هذا العناق الشعري إلى نوم طويل، نوم هو المعادل الرمزي للغياب. في مشاهد النص يشتغل الشاعر على صورة شعرية جميلة، موحية، تستاف دلالاتها من شواهد المكان وألوانه وطبيعته، وعطور نسوة يقتحمن بعباءاتهن السوداء ليل الشاعر الغارق في الذكرى، يستعيد مواقف وأحوالاً وقصصاً تضخ الحياة في عروق الصورة الشعرية، وتجعلها أقرب إلى القلب. وينحو النص في مجمله منحىً صوفياً، ويستفيد من اللفظ الصوفي في إغناء القصيدة بدلالات تتسع لتصبح حكاية الإنسان الوجودية مع الحياة والموت.. كما أنها تتوافر على عناصر درامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©