الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصف زوجة

نصف زوجة
19 ديسمبر 2013 21:06
اشتد الخلاف بيني وبين أسرتي فقد عارضوا جميعاً اختياري للمرأة التي أردت أن أتزوجها، ليس هناك منطقة للالتقاء بين الرأيين، فالهوة واسعة وأنا أقصى اليمين وهم أقصى اليسار، يرفضون حتى طرح الموضوع للنقاش بمجرد أن عرفوا عنها بعض المعلومات، كل منا يتمسك بموقفه، والموضوع لا يستند على أسس أو أصول واضحة ويعتمدون في الرفض على عادات وتقاليد غير موجودة بيننا، كل ما يهمهم أنهم يخشون كلام الناس عني بعد الزواج، ولا أرى لذلك سبيلاً فأنا لا أتصرف بشكل خاطئ ولا بجنون ولا أقدم على شيء غريب. فجوة في الفكر أنا موظف بسيط ودخلي محدود، تأخرت في الزواج بسبب ضيق ذات اليد، بالكاد حصلت على شقة متواضعة صغيرة المساحة من غرفتين وصالة، بلغت التاسعة والعشرين من عمري وأستطيع الآن التفكير في الزواج قبل أن يفوتني القطار وقبل أن يزداد الاختيار صعوبة، وبالفعل بدأت البحث عن فتاة تناسبني وراعيت أن يكون هناك تناسب في العمر بيننا حتى لا تكون هناك فجوة في الفكر والتفاهم، وفي الحقيقة وجدت صعوبة كبيرة فمعظم من كن أمامي حاصلات على مؤهلات عليا بينما أنا حاصل على مؤهل متوسط، وعندما جربت ذلك من على بعد وجدت رفضا، فلم أجد واحدة تقبل الزواج مني، وهي أعلى مني في الدرجة العلمية، وكذلك لم أبحث عن واحدة جاهلة أو أمية، لذلك كانت الدائرة التي أبحث فيها ضيقة جداً، حيث أحرص على أن تكون العروس في نفس المستوى التعليمي ولا أشترط أن تكون موظفة أو عاملة. وبحكم عملي وجدتها أمامي، سيدة على خلاف مع مطلقها تتردد عليّ لإنهاء بعض مصالحها، وقد قدمت لها خدماتي كما أقدمها لجميع المراجعين وأصحاب المصالح المترددين علينا، ولم أكن متعمداً أن أميزها بشيء، لكن فقط تعاطفت معها من الناحية الإنسانية لأن لها ابنة صغيرة عمرها عشر سنوات، وتسعى للحصول على حقوقها من مطلقها والد الطفلة الذي تخلى عنهما معا بعد الطلاق، وقد رأيت في عينيها حزناً دفيناً ومأساة تختبئ وراء دموعها التي كانت كثيراً ما تسيل رغماً عنها، أحاول تهدئتها والتخفيف عنها، ومن هنا حدث تقارب بيننا، استمر التواصل وقد انتهت مشكلتها ووجدت نحوهها ارتياحا واتفاقا بيننا في كثير من الموضوعات والأمور، رغم أنها تكبرني بنحو أربعة أعوام، لديها حكمة واتزان وعقلانية في التصرفات. تكرار التجربة فكرت فيها كزوجة وقررت أن أفاتحها في الموضوع بعد أن مضى على طلاقها أكثر من ستة أشهر، في البداية كانت مترددة من تكرار التجربة، خاصة وأنها خدعت في مطلقها، مع أنه ابن خالتها وكانت تعرفه جيدا قبل الزواج، غير أن العشرة كشفت سوءاته التي لم تكن تعرفها من قبل وقد تحملته على مدار أحد عشر عاما هي عمر زواجهما بعد أن رزقا بابنتهما الوحيدة، وهي كانت السبب في استمرار الزيجة كل هذه السنين، رغم الخلافات الشديدة بينهما، ولكن بعد أن وصلت العلاقة إلى طريق مسدود خاب أملها في إصلاحه ولم يشفع لها وجود عواطف ومشاعر بينهما قبل الارتباط، ولذلك هي تندم أشد الندم على هذه التجربة التي قضت فيها الكثير من سني شبابها هدرا، وأخيرا وجدت أنها لا يجب أن تضيع ما تبقى من عمرها وقوفاً أمام هذه التجربة ولا تجعلها عقبة في حياتها، ووافقت على العرض والزواج مني ولكنها اشترطت أن تكون ابنتها معنا، لأنها لا تستطيع أن تستغني عنها ولا تأمن أن تتركها مع أي شخص مهما كان. وجدت أن شرطها منطقي وطبيعي من أم تحرص على ابنتها بل يجب عليها أن تفعل ذلك وتلك مسؤوليتها ولا يجوز أن تتخلى عنها، ووافقت على ما أرادت بل وأكبرت لها تصرفها وهذا جعلني أكثر تمسكا بها، وقد راجعت نفسي كثيرا وفكرت مليا وكنت مقتنعا بقراري وبصحة اختياري، ولكن عندما عرضت الأمر على أسرتي وعلموا بظروفها رفضوها جملة وتفصيلا مستنكرين أن أتزوج مطلقة، واعترضوا على إقامة ابنتها معنا معتبرين أنني سأتحمل مسؤوليتهما معا وهذا يمثل عبئا على كاهلي، لذلك رفضوا حتى النقاش. موقف متعسف لم أستمع لاعتراض أهلي لأنني وجدت أنهم متعسفون في موقفهم، واجد سعادتي مع هذه المرأة وأنهم يظلمونها فليس ذنبها أنها مطلقة ثم إنها لم يكن لها يد فيما حدث ولم يقع الطلاق لعيوب فيها، وكيف نحاكمها ونضعها في موضع الاتهام بسبب المخاوف من كلام الناس الذي لا يقوم على أسس ولا واقعية ولا يخلو من الهوى؟ لذلك صممت على موقفي ودافعت عن اختياري لأنني على قناعة بأنني على صواب وسرت في الإجراءات والاتفاقات معها ومع أسرتها منفرداً من وراء ظهر أسرتي حتى وضعتهم أمام الأمر الواقع بعدما أتممت تأثيث الشقة واقترب موعد الزفاف، كان الحفل بسيطا محدوداً، فإمكاناتي لا تسمح بحفل كبير في ناد أو قاعة بفندق، ولأنها مطلقة أيضا. شعرت خلال الحفل بأن كل الحضور من أقاربي والنفر القليل من زملائي لا حديث لهم إلا انتقاد اختياري، وهم يتهامسون غمزاً ولمزاً، يستنكرون الأزمة التي يرون أنني أوقعت نفسي فيها، وكان لتلك التصرفات إثر في نفسي وكادت تفسد فرحتي، لكن هذا شأني وأنا حر فيه ولا شأن لهم به، وقالوا أيضاً إنني أخطأت أو وقعت في بئر عميقة يصعب الخروج منها، بل زادوا في كلامهم الذي كنت أحاول قراءته من خلال حركات الشفاه ونظرات العيون المشفقة عليّ، أن من ملاحظتهم أن المرأة لم تكن ساحرة ولا جميلة، فما الذي أعماني لأنساق نحوها بلا تفكير؟ وقد سمعت هذا الكلام كله من أفراد أسرتي من قبل لذلك كان من السهل أن أعرف ما يتحدثون عنه. فشل المفاوضات تجاهلت هذا كله من قبل ومن بعد، وبدأت أعيش حياتي كما يحلو لي وقد كنت سعيداً بها ووجدت ما كنت أتوقعه من زوجتي، ولست مخدوعاً في شيء كما يزعم أو يحاول الآخرون أن يصوروا الأمر، وجاءت ابنتها لتعيش معنا، لكن كانت هناك قطيعة من جميع أسرتي لي فلم يزرني أحد منهم منذ تزوجت، وفي المقابل رفضوا أن تزورهم زوجتي وكذلك اشترطوا ألا أصطحبها معي إليهم عندما أزورهم فأنا من جانبي لم أقاطعهم وأحرص على صلتي بهم جميعا، أتواصل معهم بالاتصالات والزيارات خاصة أبي وأمي اللذين لم يكن بهما غضب علي وأقدر لهما أن موقفهما من باب الحرص على مصلحتي، ونجحت في إصلاح ما بيني وبينهما لكنني فشلت في إقناعهما بالسماح بتبادل الزيارات مع زوجتي. أقام مطلق زوجتي دعوى أمام المحكمة لرؤية ابنته، وفشلت المفاوضات في حل الخلاف بينهما، ورغم أنني لست طرفا في هذا الخلاف، لكنه يمسني من قريب فزوجتي طرف أساسي فيه، ويجب أن أقف بجانبها وأن أدافع عنها وعن مصالحها وأحميها من أي شيء يمسها، مع التسليم التام بأن من حق الرجل أن يرى ابنته، لكن التعنت بينهما حال دون التوصل إلى اتفاق، وأخيراً قضت محكمة الأسرة له بأن يرى ابنته مرة كل أسبوع تقضي معه يوما كاملاً وارتضى الجميع ذلك، لكن لم نكن ندري أن هذا سيفتح علينا باب المشاكل وأنه سيكون سبباً في التنغيص علينا وتكدير صفو حياتنا. أولاً كان الرجل يأتي ليصطحب ابنته في أوقات لا أكون موجودا فيها بالمنزل، وينتظر وقتاً طويلاً وتضطر زوجتي للنزول إليه لتسليمه الصبية ومن الطبيعي والأمر، كذلك أن يلتقيا وإن كنت أعرف مدى الخلافات التي بينهما لكن أرفض أي لقاء لهما بأي شكل فحذرته من ذلك وعليه أن يلتزم باليوم والموعد المحددين أسبوعياً، ومع انه بالفعل التزم بذلك، لكن ظهرت مشكلات أخرى، فقد أصبحت الفتاة نفسها مصدراً لهذه المشاكل لأنها تتحدث كثيرا عن حبها لأبيها، ثم تهمس بكلمات في أذن أمها لا أعرفها ولكن من كثرة تكرار المشهد اصبح يثير شكوكي وهواجسي بانها تنقل رسائل شفوية بينهما. المطالبة بالحقوق زوجتي هي الأخرى من جانبها تغيرت فلم يعد اهتمامها بي مثل ذي قبل، وزاد اهتمامها بابنتها التي تتدلل عليها وتطالبها بالمبيت معها في غرفتها بينما تتركني وحدي مع أن الفتاة لم تكن تفعل هذا من قبل، وأصبحت تدعي الخوف من النوم في غرفة وحدها وزوجتي تستجيب لها، تقضيان معظم الليل في الحديث همسا، وكي لا أحتفظ بذلك داخلي وأجعله يؤرقني واجهت زوجتي به وأنا أستنكره وأطالب بحقوقي فليس معنى موافقتي على إقامة الفتاة عندنا أنها تجور على حقوقي، ويكفي أنني أقدم لها ما لم يقدمه لها أبوها، فحاولت أن تثبت أن مخاوفي لا محل لها من الإعراب، وأن الصبية صغيرة وتحتاج إلى الرعاية بل وقالتها صراحة عليّ أن اعتبرها يتيمة الأب وأن أعوضها عن ذلك خاصة وأنني ارتضيت بالشرط الأول بأن تقيم معنا. رغم ذلك ازداد تغير سلوك زوجتي التي أصبحت تهتم بنفسها في اليوم المحدد لمجيء طليقها لاصطحاب ابنته وتحاول أن تلقي إليه نظرة ويبادلها النظرات التي كانت ذات مغزى عندي، بجانب اتصالاته الهاتفية المزعجة في أوقات غير مناسبة ولا أعرف ماذا يقول فيها لزوجتي عندما ترد عليه، إلى أن سمعت بأذني ما أصابني بصاعقة، فقد كانت الصغيرة سفيرة بين أبيها وأمها وتلعب دورا للتوفيق والإصلاح بينهما، لأنها كما قالت تريد أن تعيش حياة طبيعية بين أبويها، وأنه يعرض على أمها أن تعود المياه إلى مجاريها والفتاة تلعب على مشاعرهما وتأكدت الآن أسباب تغيرها نحوي وتوقفت عن مناداتي بكلمة «بابا»، دارت بي الدنيا وتذكرت رفض أسرتي وأنني ارتكبت خطأ فادحا في حق نفسي وحق أسرتي. وواجهت زوجتي بما سمعت فلم تستطع إنكاره، لكنها حاولت أن تثبت أن هذا من جانب طليقها ولا ذنب لها في تصرفاته، فطلقتها حتى تعود الأسرة إلى الالتئام مرة أخرى، ولكن لم يكن الرجل صادقا في وعوده مع ابنته ورفض أن يعيد أمها إليه مرة أخرى، فحاولت أن تعود إلي، فقلت لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©