الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مليون سنة فلسطينية··· وراء القضبان!

9 يونيو 2007 01:30
الاتحاد - خاص: شريعة الغاب في الدولة التي يعتبرها البعض في الغرب واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط· 700 ألف فلسطيني أُوقفوا في الضفة الغربية منذ عام ،1967 وأكثر من مليون سنة فلسطينية ضاعت· الآن هناك 11050 معتقلاً· ببساطة إنهم يصنعون المحرقة الأخرى·· تحقيقات عشوائيّة، توقيفات تعسفيّة قد تصل إلى 8 سنوات دون توجيه أي تهمة للموقوف: ''يتحدّثون عن جوانتنامو· هنا الوضع أسوأ بكثير ولا أحد يتكلم''! هل المكان فقط هو الذي يضيع هنا أم الزمان أيضاً؟! لا أحد يلتفت إلى ذلك الزمان الفلسطيني المعذب، الموتى الأحياء أم الأحياء الموتى؟ إنه ''ناعوم تشومسكي'' الذي حذر من ''أن تتهموا ذات يوم بأنكم صنعتم أيضاً المحرقة''· لا أحد يسمع في إسرائيل، لا أحد يسمع في هذا العالم الذي يقال إنه بات بمثابة قرية كونية· مَن يقف على أحد السطوح في هذه القرية ليصرخ أن الفلسطينيين يتعذبون؟ في الغرب بدأت المقاربة بخجل، العرب كلام بكلام،· ماذا إذا علمنا أنه منذ احتلال الضفة الغربية في يونيو 1967 (ومعها القدس الشرقيّة) سجل توقيف نحو 700 ألف فلسطيني لمرة واحدة· كثيرون أوقفوا أكثر من عشرين مرة· هذا يعني أن عشرين في المائة من الشعب الفلسطيني تذوّق طعم السجون· الأكثرية هم من الذكور، والنتيجة أن 40 في المائة من الرجال خضعوا لتلك التجربة الهمجية· وحسب إحصائيات عام 2006 فإنّ معدل التوقيفات الشهرية يتبدّل بين 369 و،573 بينها ما بين 19 و80 توقيفاً تشمل أطفالاً ومراهقين· وهكذا فإنّ الثلاثة والعشرين سجناً مركزياً في الدولة العبرية لا تفرغ أبداً من زبائنها، لا بل انه في أحيان كثيرة يوضع ''الفائض'' في خيم· وثمّة طبيب يدعى ''أحمد مسلماني'' قال لصحيفة ''لوموند'' الفرنسية إن الذي يحدث بالنسبة لتفريغ المعتقلات وملئها أشبه ما يكون بتبديل العملة، هو الذي أُوقف سبع مرات، لمدد تصل أحياناً إلى تسعة أشهر· عشب يابس للشاي وبين الـ11050 معتقلاً الآن، هناك 1829 في معسكرات، 386 قاصراً، و83 امرأة· والأرقام تقول إن 5904 معتقلين صدرت بحقهم أحكام بينهم 636 بالسجن المؤبد و472 بالسجن لأكثر من عشرين عاماً· نماذج لا تُحصى· فلسطيني خرج في صيف العام الماضي من السجن بعدما أمضى فيها ثلاثين عاماً، ولا يزال وراء القضبان 5 محكومين بـ65 عاماً، واثنان محكومان بأكثر من 70 عاماً، و25 أقل من 16 عاماً، دون إغفال حالات أخرى حكم فيها على أحدهم، على سبيل المثال، بـ226 عاماً قابل الأحكام ساخراً: ''هل تريدون أن تشمل محكوميّتي أحفاد أحفادي؟''· المسألة لا تنحصر هنا، إذ أن عائلات السجناء تتكبّد نفقات باهظة، نحو 200 دولار للسجين الواحد، ولكن ماذا عن الذين لا يستطيعون تأمين ما يلزم لمعتقليهم؟ في معسكر النقب يضطر السجناء لالتقاط الأعشاب اليابسة ليصنعوا بها ''الشاي''، شاي من نوع آخر، المهم أن يشعر المعتقل أنه يثابر على تناول ذلك الكوب الساخن والذي كان يتناوله مع أصحابه· 700 ألف فلسطيني دخلوا إلى السجون، المعدل يتجاوز العامين· إذاً، أكثر من مليون سنة فلسطينية وراء القضبان، حتى إذا ما احتُسبت وسائل القمع الأخرى، بما في ذلك الحصار، والطوابير أمام الحواجز، لكان بالإمكان القول إنه، ومنذ عام ،1967 ضاع مليار عام فلسطيني· هذا زمن هامشي لشعب هامشي· ألا ينظر الإسرائيليون إلى الفلسطينيين هكذا؟ زراعة الخوف بالطبع، الوضع في قطاع غزة أكثر سوءاً، مساحة ضيّقة، ومخيّمات، وأزقّة توحي لأحد الكتّاب بالقول: ''إننا نتشاجر مع الذباب لإيجاد موطئ لأقدامنا''· يخرج الفلسطيني من السجن ليظل ملاحقاً حتى وهو وراء جدران منزله، إلى حد كبير تشلّ حياته: ''ما يريدونه هو تحطيمنا، وإذلالنا، وزرع الخوف في بطوننا، بل وفي دورتنا الدمويّة أيضاً''· يقول ذلك معتقل سابق يدعى ''أمجد ياسين''، تاركاً لزميل أمضى 4 سنوات في السجن أن يقول: ''إنهم يتحدثون عن جوانتنامو· هنا الوضع أسوأ ولا أحد يتكلم''· عندما يتعلق الأمر بإسرائيل لا أحد يجرؤ على الكلام، المفكر الفرنسي ''باسكال بونيفاس'' ''طُحن'' لأن عنوان كتابه كان ''هل ممنوع انتقاد سياسة إسرائيل''· العديد من الموقوفين، خصوصاً التوقيف الإداري تحدثوا عن تجربتهم أمام المحققين الذين عليهم أن يتوصلوا إلى أي تهمة، حتى ولو كانت من نوع: ''لماذا طربت لتلك الأغنية التي تتحدث عن فلسطين؟''· هذه ليست مبالغة، فالمحققون يبدون وكأنهم يعيشون خارج العصر· المهم أن يخترعوا تهمة· ليس هناك من عائلة أفلتت من ''ثقافة القضبان''، قبلاً كان الإسرائيليون يوقفون الفلسطينيين واحداً واحداً، الآن يعتمدون التوقيف الجماعي، حتى أن القرى تحوّلت إلى سجون، مطلوبون، وملاحقون كثيرون· وعليهم البقاء في الظلام حتى لا ينتقلوا إلى ذلك الظلام الآخر· شريعة الغاب لا ضوابط لعملية التوقيف· الإجراءات المعتمدة في الأراضي المحتلة تعطي المحققين حق استجواب الموقوف لثمانية أيام قبل أن يمثل أمام القضاء العسكري الذي قد يمدّد التوقيف لتسعين يوماً، ودائماً لدواعي أمنيّة· أكثر من ذلك يمكن تمديد الفترة لعامين، حتى إن باستطاعة القضاة التمديد شهراً بعد شهر أو فصلاً بعد فصل ولآماد طويلة· هنا شريعة الغاب في الدولة التي تعتبر واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط· وتقول ''جهان جرار''، وهي من هيئة ''ضمير'' التي تعنى بحقوق الإنسان والسجناء، إن شخصاً بقي 8 سنوات في السجن دون أن توجّه إليه تهمة ودون أن يصدر بحقه أي حكم، لتضيف أن الكثيرين ما برحوا وراء القضبان منذ بدء الانتفاضة الثانية في آخر سبتمبر عام ·2000 بعشوائية مروعة يتم التحقيق، والنظر في التهم، فالمهم، على ما يبدو، إبقاء الفلسطينيين في حالة من القلق والخوف· إنهم مطارَدون أبداً، دون أن يُستثنى من ذلك حتى الأطفال، لا أحد في هذا العالم يعترض على تدبير لا يوجد له مثيل، فالفلسطيني يُحاكَم جزائياً عندما يبلغ الثانية عشرة من العمر· أمنهم يمرّ بعظامنا كثيرون يبقون في الخيام، أو في الزنزانات، دون أن يدروا ما هي التهمة التي أتت بهم إلى هذه الأمكنة، يقول ''عبدالسلام أحمد'': ''أمن إسرائيل يمرّ بعظامنا''، ودون أن يقتصر العقاب على شخص واحد· كل العائلة تتعرّض للأذى، المنزل قد يُهدَم، كان رئيس الأركان والوزير السابق ''رفاييل ايتان'' يقول إن الفلسطيني الجيّد هو الفلسطيني الميت، ربما السجين··· نصف جيد· مشكلة الذين يخرجون بعد سنوات هي في التكيّف مع الحياة المدنيّة· يقول الطبيب النفساني ''أحمد نضال'' الذي يعمل في مركز المعالجة وإعادة التأهيل لضحايا التعذيب في رام الله: ''في كل يوم يأتيني خمسة أو ستة موقوفين سابقين ليطرحوا مشكلة التكيّف بعدما عانوا الأمرّين داخل السجون، العذاب لم يعد جسدياً، لكنه أضحى عذاباً أخلاقياً وسيكولوجياً''· أحدهم لا يتورّع عن القول إنه يشعر بألم في الروح، لهذه الدرجة تصل البلبلة التراجيدية داخل المجتمع الفلسطيني، لا تتوقف عملية تبديل ''العملة'': داخلون وخارجون، المسألة تحوّلت إلى ''صناعة''، العالم نائم! أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©