السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فخّ الفيسبوك

فخّ الفيسبوك
18 ديسمبر 2013 20:09
يجمع كتاب “سوسيولوجيا الإنترنت” الصادر عن “منتدى المعارف” للباحث نديم منصوري بين عالمين: الأوّل حقيقي، والثاني افتراضي أنتجه مجتمع الإنترنت. والأخير أسهم في خلق أنماط غير تقليدية من الجماعات ومن العلاقات الاجتماعية والتفاعلات التي لا ترتبط بهوية أو قومية أو حدود جغرافية، إذ تشكّلت ضمن الفضاء السيبيري، بشكل غير مشروط، غير محدد المعالم والأبعاد، ما أثمر “ولادات اجتماعية” جديدة باتت تستدعي تدخل السوسيولوجيين لفهم دلالاتها وانعكاساتها في المجتمع. عالم بوجهين يحكي الكتاب بالمعطيات وبالأرقام عن عالم بات بوجهين وجيلين، ويحكي لغتين مختلفتين على نسق أنّ “الجيل السابق يقرأ الكتاب وجيل العالم الرقمي يتصفّح الكمبيوتر. الأوّل يستخدم اللغة المحكية والمذياع في حين أنّ الثاني يستخدم لغة الدردشة وجهاز “الآي بود”. والأول إذا أراد أن يسرق يفعل ذلك في الواقع، في حين أنّ الثاني جرائمه إلكترونية وبطاقات الائتمان أبرز ضحاياه. أمّا في الأرقام، فالآتي أعظم إذ تبيّن جداول الكتاب حديثة التأريخ أنّ الشباب العربي الذي يغوص في الفضاء الرقمي، إنما يفعل ذلك من أجل إشباع حاجاته الخاصة أكثر من اتجاهه نحو القضايا العامة، فهو “يبحث عن الترفيه عبر الأفلام والمسلسلات وعن سبل أفضل لتسيير تفاصيل حياته اليومية، وعن إشباع النهم الاستهلاكي عبر التعاطي مع قضايا التكنولوجيا والإنترنت ومهارات استخدامها”، في حين أنّ القضية الفلسطينية تحتل مرتبة متأخرة في الأولويات التي تبينها المدونات والمنتديات و”الفيسبوك”، ويأتي الصراع الإسرائيلي ليحتل المرتبة الـ42. وتبقى اللغة الإنجليزية “الملكة” على عرش الإنترنت التي يستخدمها نحو مليارين ونصف المليار، بينهم 46 مليون مستخدم عربي لغاية عام 2013، وكان ارتفع العدد في لبنان من نحو 944 ألف مستخدم إلى أكثر من مليون ونصف المليون في السنوات الأخيرة”. واللافت أنّ أكثر اهتمامات المواطن الافتراضية على الفيسبوك لهذا العام كانت لعبة “Texas Holden Poker”وهي لعبة قمار، ويأتي بعدها في الأهمية المشروب المفضّل ومن ثمّ المقهى والمطعم والماركات العالمية.. وما بقي للثورات تليق به روح النكتة التي تروق للشعب على منوال “الهزار” المصري الذي احتل لافتات ميدان التحرير، ومنها: “إرجع يا ريس كنا بنهزر معاك.. الكاميرا الخفية” و”إرحل..الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك”. والنتيجة: “أن إتقان الأجيال المتعاقبة لمحتوى الإنترنت ومنتجاتها سيؤدي حتما إلى تغيير الكثير من المعالم الثقافية للمجتمعات العربية في الطريق إلى اختزال ثقافات العالم”. وحول النقطة الأخيرة دار النقاش عن الأسئلة والفرضيات التي يطرحها الكتاب، وتأثير العالم الرقمي بسلبياته وإيجابياته والظواهر التي يعج بها، من تأثير على الشباب والإعلام واللغة وقواعد التخاطب والجنس الافتراضي والاقتصاد والسياسة والإسلام السياسي. في شرحه دوافع هذا الزواج بين عالمين، يؤكد منصوري أنه “ما عاد في هذا العالم الواقعي من موضوع إلا ونجده في العالم الافتراضي، وأنه في مجال الإعلام ما عاد بالإمكان الحديث بعيدا عن الإنترنت والخدمات التي تقدمها، إذ احتل “الشهود العيان”، والمواقع الإلكترونية ساحة المراسل في كثير من المتابعات، ولاسيما في البلدان العربية التي شهدت وتشهد الثورات”. ويوضح: “استطاعت الإنترنت أن تخلق مفهوم الدولة الافتراضية التي يعيش بداخلها مواطنون افتراضيون يتمتعون بالانتماء الآلي والهوية الرقمية”. هل الإنترنت تسلطية؟ ينضوي الكتاب ضمن خانة الكتب العملية، والتي لا تستغرق كثيراً في التنظير، إذ يضمّن فرضياته ومعطياته أرقاما ووثائق يأتي بها من صميم المجتمع العربي، يدرجها ضمن عشرة فصول مرفقة بجداول ومصطلحات علمية مرتبطة بالإنترنت. في تقديمه ينطلق من تشريح فكرة: “هل الإنترنت حيادية أو تسلطية؟. ويحلل: “التقنية لا تفرض شيئاً، بل هي تقترح والإنسان يتدبر ويؤلف. لم يكن لوسائل الاتصال عند نشوئها على اختلاف أشكالها برنامج عمل أو أمر مهمة. فمصيرها يتعلق باستخدام الناس لها، تبعاً لحاجاتهم، لرغباتهم أو لمعتقداتهم. فلم يكن غوتنبرغ هو الذي عمل الإصلاحات الدينية، ولا زوكربيرغ هو الذي حرك الثورات العربية. لذا فإن سر فهمنا للإنترنت يجب أن نستوحيه ونبحث عنه، ليس في خطابات منتقدي الثورة التكنولوجية، بل بين مستعمليها، لجهة تطلعاتهم غير المعبر عنها غالبا، أو حاجاتهم التي لم تشبع بعد”. ويضيء في جانب الإنترنت والعمل السياسي، على كيفية تشكيل الرأي العام، متحدثا عن الدبلوماسية الرقمية التي تطرح مفاهيم جديدة في عالم السياسة، مستعرضا كيفية استخدام السياسيين للإنترنت في الانتخابات للوصول إلى السلطة. يستشهد لذلك بمستشار هيلاري كلنتون “إليك روس” الذي أوضح في مؤتمر وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير في بيروت الذي أقامته مؤسسة “مي شدياق - معهد الإعلام”، أنّ “بلاده تخصص 19 مليون دولار سنويا لدعم المستخدمين في الشرق الأوسط للتخلّص من رقابة الدولة. وهنا المفارقة، يعلق منصوري: “إذ أنّ الولايات المتحدة المهتمّة بحرية المستخدمين العرب، دخلت نادي الدول القامعة لحرية الإنترنت، من خلال العمل على إقرار “قانون وقف القرصنة”، وهو أحد أكثر التشريعات حداً من حرية الحركة على الشبكة”. لكنّ روس يؤكد أنّ “الدول لا يمكنها التحكم بالإنترنت، كما أنّ عليها ألا تحاول التحكم بالمستخدمين. وفي ظل هذا الواقع لم يعد معروفا بشكل حاسم إذا ما كانت السياسة هي التي تشكل الرأي العام، أم أنّ الرأي العام هو الذي يفرض على السياسيين خطابهم ومواقفهم. وأمام هذا التشابك تصبح الإنترنت المنتصر الأول كتقنية. كل ما يحتاجه أي مستخدم هو براعة الاستخدام للحصول على المبتغى السياسي سواء كان هذا المستخدم سياسيا أم مواطنا يتابع السياسة. ويرى بخصوص الإنترنت والإسلام السياسي، “أن متابعة المواقع الإلكترونية لحركات الإسلام السياسي مسألة في غاية الأهمية، إذا ما كنا نريد فهم المسار السياسي والديني والثقافي لجزء كبير من الشباب في العالم العربي، لأن هذه المتابعة تسمح لنا بفهم مسار الأحداث في المستقبل القريب”. كما يعرض في فصول الكتاب، مجتمع الإنترنت وسماته، بالإضافة إلى مميزات هذا الجيل وكيفية متابعته للإنترنت من خلال المدونات والمنتديات والفيسبوك، ودوره وتفاعله مع الثورات العربية. ويفرد للغة الإنترنت أهمية في كتابه، باعتبارها أصبحت متداولة بشكل واسع ومستخدمة، وباتت لها قواعد في التخاطب بما يعكس آداب التواصل بين المستخدمين. ويسلسل في أحد الجداول التي يبرزها الكتاب اللغات العشر الأكثر استخداما على الشبكة ونسبة مستخدميها بحسب اللغة: “الإنجليزية (43 في المئة)، الصينية (37 في المئة)، الإسبانية (39 في المئة)، اليابانية (78 في المئة)، البرتغالية (32 في المئة)، الألمانية (79 في المئة)، العربية (19 في المئة)، الفرنسية (17 في المئة)، الروسية (43 في المئة)، الكورية (55 في المئة). وفي قراءة سريعة للجدول الذي يلحظ التطور التدريجي لمستخدمي الفيسبوك، يتبين أن قطر هي أكثر دولة في العالم بالنسبة إلى مستخدمي الفيسبوك مقارنة بعدد السكان (78 في المئة من إجمالي عدد السكان)، مقارنة بالدول المئة في العالم، تليها الإمارات العربية (68 في المئة)، سنغافورة (59 في المئة)، تايوان (57 في المئة)، تشيلي (57 في المئة)، دانمارك (55 في المئة)، هونغ كونغ (54 في المئة)، أستراليا (54 في المئة)، السويد (54 في المئة)، كندا (54 في المئة)، نيوزيلندا (53 في المئة)، الولايات المتحدة (52 في المئة). كما يظهر الجدول ارتفاعا ملحوظا بالنسبة لمستخدمي الفيسبوك في الدول العربية، إذ ارتفع الرقم من 4 ملايين في مصر في عام 2010، إلى 13 مليونا في عام 2013، وارتفع في الإمارات من مليونين ونصف المليون إلى حوالي 3 ملايين ونصف المليون في السنوات الثلاث الأخيرة، ليبلغ عدد مستخدمي الفيسبوك في الدول العربية هذا العام حدود 46 مليونا ونصف مليون المستخدم. أكبر أداة تجسس بين الملاحظات التي يبديها منصوري في الخاتمة أن أبرز التأثيرات التي خلفتها الثورة التكنولوجية هي سرعة التغيّر بوتيرة يصعب على أفراد المجتمع استيعابها. هذا ما دعا الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو إلى البحث في الفعل الذي أحدثته وتحدثه السرعة في شتى وجوه الحياة المعاصرة. ولعلّ العبارة التي تتصدر كتابه السرعة والسياسة: “علينا أن نتمهل لنفكّر بالسرعة”، تختصر مشروعه الفكري الذي يختزله بكلمتين: “فهم السرعة” وأن فهم السرعة هو ما نحتاجه في عالمنا الواقعي لكي نستطيع فهم ظواهر الإنترنت، هذه الظواهر التي باتت ملازمة لحياة الكثيرين من أفراد المجتمع ولاسيما الفئات الشبابية. ويؤكد أنّ عملية رصد مواقع الإنترنت والمجتمعات الافتراضية التي تجري في العالم اليوم لا تندرج بمجملها ضمن سياق الدراسات العلمية الرصينة لفهم الثقافات المتكونة ولمعالجة المشكلات العلمية والتكنولوجيا والمعرفية التي يتعرض لها الأفراد، بل تنحرف ضمن مصالح السياسات الكبرى التي تسعى إلى رصد التفاعلات الإلكترونية ولاسيما بالنسبة إلى دول العالم الثالث لتتجسس عليهم وعلى أطباعهم وطرق تفكيرهم ومواقفهم تجاه قضايا سياسية محددة. يوضح: “وهذا ما دفع جوليان أسانج إلى اعتبار الفيسبوك أكبر أداة تجسس ابتكرها الإنسان في تاريخ البشرية، وما دفع أيضا الكاتب والصحفي الألماني ساشا أداميك إلى نشر كتابه المعنون: “فخ الفيسبوك: كيف تبيع الشبكة الاجتماعية حياتنا”. ويختم: “إنّ حجم الحركات التفاعلية التي تنتجها الإنترنت، دفع بعلمي الاجتماع والإنثربولوجيا إلى الاهتمام بأثر العلم والتكنولوجيا المعلوماتية في تكوين شخصية الإنسان المعاصر، كفرد وكمجتمع، في المجتمع الواقعي والافتراضي المتداخلين والمتفاعلين بصور متعددة. لكن تبقى الجهود العربية في هذا المضمار محدودة بالرغم من أن الإنترنت قد ساهمت وساعدت في تحريك الثورات العربية والتأثير في المجتمع الواقعي وقلب موازينه، لذا لابد من تكثيف الجهود لاحتواء المتغيرات الحاصلة في عالمنا العربي وفهم عمق تأثيراتها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©