الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معجب العدواني: حداثتنا لا تضيف شيئاً

معجب العدواني: حداثتنا لا تضيف شيئاً
18 ديسمبر 2013 20:07
الدكتور معجب العدواني، أستاذ النقد والنظرية الحديثة في جامعة الملك سعود بالرياض، يعتبر من أهم المتابعين أو الدارسين للمشهد الروائي الخليجي والعربي عموماً، وله مؤلفات عدة، يرصد فيها مسار الرواية العربية المعاصرة بمختلف ثيماتها الأدبية، وبنيتها السردية، وحوارها مع الذات والآخر وتناصها مع الأدب العربي والإنساني، منها، “التناصية في رواية طريق الحرير لرجاء عالم” و”تشكيل المكان وظلال العتبات” و”مرايا التأويل: قراءة في التراث السردي” وكتب أخرى مشتركة مع باحثين آخرين. بالإضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة في الصحف والمجلات، على امتداد العالم العربي، هذا فضلا عن مشاركاته في جميع المنتديات المهتمة بالأدب العربي. “الاتحاد الثقافي” التقى الدكتور معجب العدواني، على هامش أربعينية طه حسين التي أحيتها “مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية” الشهر الماضي، وأجرى معه الحوار التالي: ?من موقعكم الأكاديمي، كيف ترون المشهد الثقافي السعودي والخليجي عموماً (بمعنى ملامسة أو رصد سماته الإبداعية - كعناوين قصيرة - في الرواية والقصة والشعر والفنون بأنواعها والفلسفة والعلوم الاجتماعية)، وتموضعه في الخطاب الثقافي العربي؟ ??لايمكننا تصنيف المشهد الثقافيّ السعوديّ والخليجيّ في طور ما، ولا يمكننا أن نضعه في إطار ما، وذلك يعود إلى تنوعه وثرائه واختلاف اتجاهاته وتعدد حقوله، إذ إن بعض الجوانب فيه قد وصلت إلى بدايات النضج الفني، وبعضها الآخر لم تجتز مرحلة النمو الأوليّة، وهنا لعلنا لا ننسى بعض النضج الذي وصلت إليه معظم الأجناس الأدبيّة كالشعر والرواية والقصة في الخليج، وفي العالم العربيّ، وتأخر بعض الفنون الأخرى مع وجود محاولات جادة من مختصين تستحق الاحترام، ودعني أتحدث عن الناضج منها فالتجربة الروائيّة الخليجية قياسا بالمنجز العربيّ تظل موازية، وتحمل خصائص المجتمعات الخليجيّة وهمومها، وتتفاوت من منطقة إلى أخرى، اعتماداً على توافر البيئات المناسبة لذلك الإنتاج، وكذلك بقية الأجناس الأخرى. ومع ذلك، فإن الصورة في الخطاب العربي لم تصل إلى مرحلة الكمال أو ما هو أقلّ منه، ذلك أن كثيراً من الأمم تبذل جهوداً واسعة وتنفق أموالاً طائلة في سبيل النهوض بثقافاتها، ولعلك لو اطلعت على الدوريات العلميّة المتصلة بالثقافة العربيّة والموسوعات المهتمة بالثقافة العربيّة تجدها أكثر عدداً من دوريّاتنا على امتداد العالم العربي، إلى جانب كونها تتميز بصرامتها العلميّة التي يتابعها الدراسون من الشرق والغرب. ?من الضروري أن يكون الخطاب الثقافي لكل أمة من الأمم، متميزاً ومتفرداً بخصوصيته وفعاليته أو تأثيره في المشهد الثقافي الإنساني، فما هي خصوصية الخطاب الثقافي العربي الراهن، وهل قدم إضافات جديدة للوعي الإنساني، وما مدى فعاليته في الثقافة الإنسانية المعاصرة؟ ?? لعل من الضروري الإشارة إلى سِمَتين اثنتين، أراهما مهمتين من سمات الخطاب الثقافيّ العربيّ، تتصل الأولى بالبعد الرأسي المتمثل في ذلك الجانب التراثيّ الموغل في عتاقته، إذ يحمل تجارب فسيفسائيّة مزدهرة من حضارات متنوعة، ما أثرى هذا الجانب في ثقافتنا. أما الأخرى فتتصل بالموقع الاستراتيجي الذي يشكل أهميّة لا حدّ لها في العالم، وربما كان هذا ما جعل المنطقة تحفل بالفتن والخلافات التي بدت ناراً لا تخبو أبداً. سبيل الإبداع ?كيف ترى العلاقة بين الإبداع في العلوم الإنسانية (آداب فنون فلسفة اجتماع)، والنهضة العلمية بالمعنى التقني أو التكنولوجي والصناعي؟ ??يمثل الإبداع الأدبي أو الفلسفي أو الفني أو الاجتماعي الخطوة الأولى الرئيسة للانخراط في مصاف النهضات العلميّة، ذلك أن لكل منها وظيفة تتعالق مع النمو التقني، فالإبداعان الأدبي والفني يمثلان طاقة استشرافيّة للعلوم، ويمثل الاتجاهان الفلسفي والاجتماعي المداخل النظريّة التي تهيئ للفنون والعلوم انطلاقتها. ولذلك تحرص الأمم الجادّة على الاهتمام أولا بالعلوم الإنسانيّة من فلسفة وآداب لتتمكن من تهيئة المناخ المناسب لانطلاقة حضاريّة تتواكب فيها العلوم والفنون معاً. أسباب الإخفاق ?لا حاجة إلى التدليل على إخفاق مشروع الحداثة العربيّة، الذي بدأ قبل أكثر من قرن مع رموز ما اصطلح على تسميتها حركة النهضة، فما هي أسباب الإخفاق، ووسائل تجاوزها؟ ?? يعود إخفاق مشروع الحداثة العربيّة الذي بدأ قبل أكثر من قرن في رأيي إلى غياب مكونات ثلاثة رئيسة في ثقافتنا: وهي الفلسفة والديمقراطيّة والترجمة. ولا أعتقد أن أي أمة تتوافر هذه المكونات الثلاثة في ثقافتها ستخيب، ودعني أنتقل معك إلى تفاصيل ذلك، فالمكون الأول الفلسفة غائب عن ثقافتنا العربيّة منذ القدم، إذا استثنيا بعض ملامح التفكير الفلسفيّ في العصر الوسيط التي تلاشت مع بدايات العصر الحديث في عالمنا العربيّ، الذي لم يبتهج بوجود أكثر من ومضات فلسفيّة تستحقّ التوقف هنا وهناك، ومتى غابت الفلسفة ظهرت شذرات من الفكر هنا وهناك لا تضع التصورات النظريّة لسعادة الإنسان ورقيّه. أما المكون الثاني فهو الديمقراطية التي توفر المساواة والحقوق الكاملة للشعوب ومن ثمّ الرعاية الكافية لنمو الشعوب وازدهار معيشتها، فإذا غابت الديمقراطية غاب معها الشعور بالمساواة وبدأت معاناة الشعوب في البحث عن إيجاد الحلول الناجعة لتلك المعاناة. وللترجمة أثرها الكبير في النهوض بالأمم، على أن يتوافر شرط التنوع والانتقاء وأقصد بالتنوع ألا يُقتصر على الترجمة من لغة واحدة كالإنجليزية على سبيل المثال، وأن يكون انتقاء الكتب والنصوص المترجمة لائقاً بالثقافة التي يُنقل إليها، ولا يشك أحد في كون غياب الترجمة أو ضعفها علامة من علامات الأمم الضعيفة حضارياً، ومن الأمثلة التاريخية نهج العباسيين في الترجمة، ونهج الأوروبيين في الترجمة من جميع الثقافات قبل بدء النهضة الأوروبيّة. المشكلة أن العصر لم يعد عصر محاكاة فحسب، بل هو عصر نمو سريع هائل بعد توافر الأوعية العلمية للنشر، وتيسُّر سبل الترجمة، ومن ثم يصبح العبء على الأمم الضعيفة كبيراً جداً للحاق بركب الأمم الأخرى لا اجتيازها. التشرنق الفكري ?لماذا نجحت الحداثة في معظم بقاع الأرض مستعينة بالمنجز الحضاري الغربي – أحدث النماذج البرازيل وتركيا – وفشلت في العالم العربي؟ ?? إن عدم توافر المكونات الثلاثة في ثقافتنا أوجد لنا هذه الحداثة التي هي من صنعنا، وهي حداثة لا تضيف جديداً، وليست البرازيل وتركيا الوحيدتين في هذا المثال إذا سبقتهما نماذج من دول جنوب شرق آسيا نجحت في تحقيق الحداثة بتميز، ولو نجحت الثقافة في العالم العربيّ في استعادة الثقة وهي قادرة على ذلك، دون أن تشعر بالانهزام أو الخنوع فالحضارة إرث مشترك بين الشعوب، لتمكنت من النهوض بقوة لتبني ذاتها بما أشرنا إليه من مكونات مهمة وهي الديمقراطية والفلسفة والترجمة. ولعل غياب هذه المكونات أوجد حالة من الشك في الآخر، ودفع ذلك إلى ما يمكن وصفه (التشرنق الفكريّ) نتيجة دعوات والإنذار بالخطر القادم على الأمة. ?ألا تعتقد أن الهُويّة الثقافيّة العربيّة مهددة بخطر الزوال تحت وطأة زحف العولمة - كما يبشر البعض- إن لم تتجاوز خصوصيتها التاريخيّة ببعديها الثقافي والديني؟ ?? لا أتفق مع المنادين بالخطر والمؤامرة، فالهُويّة العربيّة مثل غيرها من الهويّات، ينبغي أن تتعايش وتتفاعل، إلى جانب ذلك فنحن أشبه بمن يقيم داخل منزل، وهناك من يصرخ فينا منبهاً إلى أن الجدار سينهار من أصوات من هم خارجه، فإذا كان هذا الجدار سيقع فعلا. كما نادى المنادي فهو بناء أشبه ببيت العنكبوت، ولا حاجة لنا به، ومن ثمّ لزم إصلاحه وتقويته أو إقامة حائط آخر، وإذا كان البناء متماسكا وقويا فلا خوف عليه من أن يسقط نتيجة تلك الأصوات. ولعل الهُويّة العربيّة تقع في المثال الثاني فلديها من المؤهلات والمقومات ما يجعلها قادرة على التفاعل مع الهويات الأخرى، وهنا أجدها فرصة للقول: إن الهُويّة الثقافيّة العربيّة ليست هويّة صلدة وبناء واحدا منذ القدم كما يتصور آخرون، بل هي مجموع من الهويّات وعدد من البناءات التي توالت تاريخيا، لتشكل هذه الشخصيّة الحاليّة، ولذا فإنه لا بد لنا أن نؤكد أن الهويّات الثقافيّة تتشكل نتيجة أسئلة وتجارب لا حدّ لها، ولن تكون العلاقة مع الآخر سوى بعض هذه الأسئلة. اختلاف الأصوليات.. واتفاقها ?أليست الأصوليّات الدينيّة، مختلفة عن الأصوليّات الثقافيّة - تحديداً خصوصية الهُويّة – بالمعنى التاريخي؟ ??أخشى أن الأصوليّات الدينيّة تتقارب مع الثقافيّة، ولا تتباعد عنها كثيراً، وذلك لكونهما ترتكزان على أبعاد فكرية مؤسسة، ترتهن غالبا إلى التاريخ، وتجسّد أنموذج الخصوصيّة، ولكن الفرق يتجلّى في طرق التناول، حيث تبرز تلك الأصوات التي تتناول هذا الجانب أو ذاك بأساليب أميل إلى الانكفاء وعدم التفاعل. ?هل تعتقد أن ضياع الهُويّة الثقافيّة العربيّة، هو أحد أهم مقاتل مشروع الحداثة العربيّة في الوقت الراهن؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف يمكن استعادة الشخصية العربيّة المؤهلة للمثاقفة الإيجابية بمعنى الأخذ والعطاء الحضاري؟ ?? يصعب الحكم القاطع على الهُويّة الثقافيّة العربيّة بالضياع، قد يُقبل الحكم بالضعف، فلا هويّات تبيد أبداً، حتى هويّات الشعوب الأصليّة في دول العالم الجديد لم تضع، ونراها مجالا للتفاعل الحضاريّ مع الهويّات الأخرى، إشارتك إلى المثاقفة الإيجابية التي تعني الأخذ والعطاء الحضاريّ ترسيخ للفكر الحواريّ الذي ينبغي تجسيده في ثقافتنا، ولا يتحقق ذلك إلا بمزيد من التداخل، فالعلاقات الكونيّة في هذا العالم ليست شخصا واحدا فحسب، بل شخصان يتعاملان معاً في العمل والبيع والحب والكراهيّة والزواج...، فلا يتحقق لأحدهما حضوره دون الآخر، وإن غاب أحدهما غابت تلك العلاقات الإنسانيّة القائمة بينهما، ليصبح واحدهما بلا معنى إذ غاب آخره، وعلى هذا تُقاس الأمور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©