الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... كل الطرق تؤدي إلى «التدويل»

الأزمة السورية... كل الطرق تؤدي إلى «التدويل»
18 ديسمبر 2011 20:52
شكل يوم 4 أكتوبر الماضي لحظة حاسمة في مسار التطورات الجارية في سوريا عندما فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في التصدي للأزمة المتفاقمة هناك والعنف المتزايد الذي يعصف بالمدنيين والمتظاهرين السلميين الذين خرجوا احتجاجاً على نظام الأسد، وذلك بسبب استخدام الصين وروسيا لحق النقض "الفيتو" وإبطالهما قراراً أمميّاً يدين النظام في دمشق، ويحذره من إجراءات عقابية مقبلة إذا لم يغير المسار ويوقف القمع الوحشي ضد المنتفضين، ومنذ ذلك الوقت حصلت جملة من التطورات في المشهد السوري كان أبرزها دخول "الجيش السوري الحر" على الخط واتجاه الانتفاضة السلمية نحو العسكرة مع احتمال اندلاع حرب أهلية على أسس طائفية قد تقوض الانتفاضة وتدخل البلد في نفق مظلم. ولذا بات من الضروري البحث في سبل وقف العنف وحل الأزمة التي لن تخرج في جميع الأحوال عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وقد أصبح مسؤولاً مسؤولية قانونية وأخلاقية عما يجري من اضطرابات في سوريا ربما يمتد لهيبها إلى خارج حدودها في حال تقاعس المنتظم الدولي عن الاضطلاع بمهامه. وحسب إحصاءات الأمم المتحدة الأخيرة فقد وصل عدد القتلى في سوريا إلى ما يفوق خمسة آلاف شخص بينهم 300 طفل، وذلك منذ اندلاع الاحتجاجات الأولى ضد نظام الأسد قبل عام تقريباً، هذا في الوقت الذي اعتقل فيه الآلاف من السوريين وتعرض مئات آخرون منهم لإصابات وجروح متنوعة. كما أن الصدامات بين "الجيش السوري الحر"، الذي يتكون أساساً من الجنود والضباط المنشقين عن الجيش الرسمي، وبين القوات النظامية وأجهزتها الأمنية باتت أكثر حدة، وهو ما يعقد الوضع أكثر في سوريا. وعلى رغم المحاولات التي بذلتها الجامعة العربية لحل الأزمة وإبقاء التسوية بين أيدٍ عربية، فقد فشلت في إقناع النظام بالموافقة على المبادرة العربية وقبول مراقبين لاستطلاع الأوضاع. وهذا التعنت الذي يبديه النظام ومراهنته على الوقت، وفي المقابل عجز الجامعة العربية عن الدفع بتسوية مقبولة توقف القتل والعنف، يخرج الحل بالضرورة من الأيدي العربية ويضعه على عاتق المجتمع الدولي. ومع بروز قضايا ضاغطة مثل حماية المدنيين والمحتجين السلميين وتصدرها الانشغال الإقليمي والدولي فإن جميع الطرق باتت اليوم تقود إلى مجلس الأمن، ولكن حتى يبدي مجلس الأمن فعالية أكبر فإن عليه، كما في الحالة الليبية، إظهار عزيمة لا تلين في تطبيق توصياته، بما فيها اتخاذ الإجراءات اللازمة لكسر تأييد النظام في الداخل. ومع أن المهمة لن تكون سهلة بالنظر إلى المعارضة الروسية القوية لأي قرار يدين النظام مخافة تمهيد الطريق للتدخل العسكري على الطريقة الليبية يبقى من الضروري مواصلة الضغط على موسكو. وربما يكون اللقاء الأخير الذي جمع روسيا بدول الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي يندرج في إطار المشاورات المستمرة بين الأطراف الفاعلة بشأن ما يجري في سوريا. وعلى مجلس الأمن والأمم المتحدة الاستفادة من تحركات الجامعة العربية غير المسبوقة بتعليقها عضوية سوريا في مجالس وفعاليات الجامعة، وفرض عقوبات اقتصادية على النظام، الأمر الذي دفع في اتجاه رسم ملامح تحالف إقليمي يجمع بين الدول العربية من جهة وتركيا من جهة الأخرى يشبه إلى حد كبير التحالف الذي نزع الغطاء عن النظام السياسي في ليبيا ومهد للإطاحة به. وتلعب تركيا هنا دوراً مهمّاً للعلاقات التقليدية بينها وبين النظام ولتصريحاتها السابقة بإمكان فرض منطقة عازلة على الحدود بين البلدين. وتتزايد الضغوط على النظام في دمشق متجسدة في التقرير الأخير للأمم المتحدة الذي يوثق جرائم ضد الإنسانية اقترفتها قوات الأمن ضد المتظاهرين ومارستها على نحو ممنهج ومستمر، حيث يصف التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جرائم الإعدام العشوائية والاعتقالات التعسفية، فضلاً عن الاختطاف والتعذيب والعنف الجنسي، وانتهاكات جسيمة ضد حقوق الأطفال، وهو ما يشكل إدانة واضحة للنظام وتجريده من الشرعية. كما أن توصيات التقرير القاضية بإحالة الأمر إلى مجلس الأمن وإلى محكمة الجنايات الدولية تضع مسؤولية كبيرة على مجلس حقوق الإنسان للتعامل مع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تتم في سوريا والتجاوزات السافرة التي يرتكبها النظام السوري من خلال نظامه الأمني البعيد عن المحاسبة والخارج عن سلطة القانون. ومن الضغوط أيضاً ضد النظام في دمشق العقوبات الاقتصادية المتنوعة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية على السلطة، وهو ما بدأ بالفعل في إلحاق الضرر بالقاعدة الاقتصادية للنظام، حيث فقدت العملة السورية أكثر من 25 في المئة من قيمتها مقارنة بالدولار، ما يعني احتمال انخفاضها أكثر إذا ما سارع السوريون المتخوفون إلى بيع الليرة للحصول على العملة الصعبة. هذا ناهيك عن عقوبات أخرى مثل تجميد الأصول التابعة للنظام في الخارج وفرض حظر السفر على الأسد وعائلته وبعض الشخصيات البارزة في النظام، فضلاً عن حظر الطيران التجاري على سوريا الذي فرضته الجامعة العربية، وهي أمور كلها بدأت تضغط سياسيّاً على النظام وتدفعه إلى تقديم تنازلات، ولاسيما في ظل التقارير الموثوقة التي تشير إلى مغادرة رجال الأعمال الذين وقفوا إلى جانب النظام ودافعوا عنه للبلاد خوفاً على مصالحهم وأموالهم. والأمر لا يقتصر فقط على طبقة رجال الأعمال وأصحاب المصالح، بل لقد امتد التوتر والخوف إلى عناصر بارزة داخل النظام السياسي والأمني مع وجود أنباء عن انشقاقات محتملة في الصفوف الأمامية للنظام، وربما تكون تلك الانشقاقات أكثر وضوحاً في سلك كبار الضباط المسيطرين على النظام الأمني والمنحدرين من الطائفة العلوية في ظل وجهات النظر المختلفة للتعامل مع الأزمة وسبل إخماد الانتفاضة الشعبية، بل حتى بشأن كيفية ضمان مصالح الطائفة العلوية وحماية وجودها. ولكن على رغم هذه المخاوف داخل النظام تبقى الحقيقة أن نسبة الانشقاقات الفعلية وعمليات المغادرة والهروب من سفينة النظام قليلة حتى هذه اللحظة ولا يمكن التعويل عليها لإحداث اختراق حقيقي في سير الأمور، كما أن تحفظ كل من العراق ولبنان على الانضمام إلى الجامعة العربية في فرض العقوبات وتشديد الضغوط على النظام، وتخوف الأردن من تداعيات تلك العقوبات على اقتصاده المرتبط جغرافيّاً بسوريا قد لا يعجل بظهور نتائج العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، وهو ما يرجعنا مرة أخرى إلى المجتمع الدولي من خلال هيئاته الرسمية وضرورة تضافر جهوده لتنسيق العقوبات والتحركات السياسية التي لاشك أنها ستكون مؤلمة أكثر للنظام في دمشق. وحتى يبدي مجلس الأمن فعالية أكبر في التعامل مع الأزمة السورية عليه صياغة قرار وفق البند السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح اتخاذ إجراءات عسكرية، أو غير عسكرية "لاستعادة السلم والأمن الدوليين"، على أن يرتكز القرار على أهداف محددة: المطالبة بوقف فوري للعنف، وضمان حماية المدنيين، وفتح سوريا أمام دخول الشهود لنقل ما يجري داخل البلاد، وممارسة ضغوط على من يساند النظام، كما يتعين على القرار إدماج الإجراءات التي تضمنتها توصيات الجامعة العربية ولجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، كما أن عليه، في نظري، إحالة ملف الرئيس الأسد وعناصر مهمة من جهازه الأمني إلى محكمة الجنايات الدولية لمسؤوليتهم المباشرة، أو غير المباشرة، على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كما وثقها تقرير مجلس حقوق الإنسان. وأخيراً فإن عمليات إطلاق النار والقتل التي تعرض لها المدنيون السوريون من قبل الجيش وهم يفرون عبر الحدود إلى الدول المجاورة تعزز مطلب إقامة مناطق إنسانية، أو ممرات آمنة تحمي المدنيين، ولأن المعارضة الروسية والصينية من شأنها نسف مثل هذا القرار فإنه يتعين على الدول العربية الرئيسية، وإلى جانبها الولايات المتحدة وأوروبا، تكثيف الحوار مع هذين البلدين وعدم إغفال المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لموسكو وبكين في سوريا وتهدئة مخاوفهما بهذا الشأن. وعلى الدول العربية بشكل خاص البحث عن سبل الاستجابة لتلك المصالح وفي الوقت نفسه التحذير من خطورة الوضع على الشرق الأوسط في حال استمرت روسيا والصين في تعنتهما. سلمان الشيخ مدير مركز «بروكينجز» في الدوحة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©