الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أفغانستان.. حكاية معاناة مع الكوارث والمصائب

5 يونيو 2007 00:23
محمد الزرعوني: ''تعددت الأسباب والموت واحد''·· مثل يملأ المسامع في كثير من المناطق في أفغانستان· تلك الدولة التي تعايش الكوارث، والمصائب، والمحن فيموت البعض جوعاً والآخر يفتك به البرد القارس شتاء والبعض تعصف به الحروب والنزاعات وآخرون تفتك بهم الأمراض والأوبئة المنتشرة· لم يقف الأمر في هذا البلد عند هذا الحد، حتى أصبحت ندرة المياه إحدى أكثر القضايا تعقيداً التي يواجهها فراح ضحيتها كثير من الناس· وبينما تبدو أفغانستان للناظر قاحلةً فإن هناك وفرةً في مياهها، حيث إن بها العديد من الأنهار، لكن المشكلة تكمن في افتقارها إلى وسائل نقل مياه الأنهار إلى الحقول أو البلدات، وإن كانت أفغانستان قبل الاحتلال السوفييتي عام 1979 تمتلك أحد أكثر أنظمة الري تطوراً في العالم· ويزيد من حجم المشكلة حفظ المياه بصورة تقليدية مما يسبب هدرها وبسبب الخلل الذي لحق بنظم الري، فإن نصف الأماكن التي كانت تصل إليها المياه حرمت من هذه النعمة الآن· وبينما تأتي أفغانستان على رأس قائمة أكثر خمس دول متأثرة بثنائي الجفاف والحرب تليها الصومال فإثيوبيا ثم الفلبين، يزداد الأمر تعقيداً حينما تغلق الدول المجاورة لهذا البلد حدودها في وجه أبنائه حتى أصبح الأفغاني يدور في دائرة مغلقة لاجئاً من مكان إلى آخر في بلاده باحثاً عما يقيم أوده حتى تفشت ظاهرة ''نازحي الداخل''، بينما كثيرون لا يجدون ما يعينهم على التنقل فيقبعون في أماكنهم يأساً وحسرة· 6 ملايين لاجئ ومنذ حوالي عقدين يمثل لاجئو الشعب الأفغاني النسبة الأكبر في العالم من شعب واحد على مدى التاريخ، حيث بلغ تعدادهم حوالي ستة ملايين و200 ألف لاجئ بجانب مليون مرحل داخلي من بين 27 مليون تعداد سكانه· وبجانب الأوضاع الداخلية المتردية إنسانياً صاحبها بنية تحتية محطمة، وجفاف عصف بالبلاد منذ سنوات عديدة حتى أجهز على ما تبقى منذ خمس سنوات مخلفاً مزيداً من الفقر والجوع والمرض مما أضطر كثيرين إلى اللجوء إلى البلاد المجاورة بعد أن فقدوا الأمل في تأمين الحد الأدنى من أسباب الحياة· وتحذر تقارير الأمم المتحدة من تردي الأوضاع المعيشية التي تزداد تدهوراً في البلاد نتيجة الحروب الطاحنة التي مزقت أوصالها، وشردت أبناءها مخلفة فقراً مدقعاً، وتدهوراً لحق بالرعاية الصحية التي انعدمت مسبباً انتشار العديد من الأمراض والأوبئة التي تفتك بالسكان، ناهيك عن المياه الملوثة التي خلفت العديد من الأمراض القاتلة· وتشير تقارير المنظمات الإنسانية إلى أن معاناة هذا الشعب ستستمر، حيث تتزايد معدلات الإصابة بالأمراض خاصة المعدية التي استشرت بين السكان، فمعدل الإصابة بمرض السل مثلاً يصل إلى 15 بالمائة لكل 100 ألف شخص بجانب زهاء مليوني شخص يصابون كل عام بمرض الملاريا الذي استوطن بالبلاد· وزاد ضعف البنية التحتية لقطاع المياه من خطورة الأوضاع الصحية داخل أفغانستان، حيث لا تصل المياه النظيفة إلا إلى 19 بالمائة من الأفغان داخل المدن، و11 بالمائة داخل الريف بينما لا تتوافر خدمة الصرف الصحي إلا لـ25 بالمائة من الأفغان داخل المدن، و8 بالمائة داخل الريف، وهو ما يتسبب في ارتفاع نسبة الوفيات لا سيما بين الأطفال· البحث عن مياه نظيفة وكشفت نتائج دراسة عن آثار الحرب وعوامل أخرى كالكوارث الطبيعية والجهل أجراها نحو 20 خبيراً جمعوا نحو 60 عينة من الماء والهواء والتربة لتحليلها ان نسبة تتراوح ما بين 12 و24 بالمائة فقط من الأفغان هم الذين يستطيعون الحصول على مياه نظيفة وشروط صحية، ويعيش معظمهم في المناطق الريفية، حيث إنها كانت أكثر أمنا لعمل منظمات المجتمع المدني وغير الحكومية· وأشارت الدراسة إلى أن عدداً من المشكلات البيئية الرئيسة في أفغانستان والتي تضمنت افتقارها للرقابة على جودة وكمية المياه، والتخلص غير السليم من نفايات المستشفيات السامة، وتسرب المواد الملوثة والفضلات إلى البحيرات وتجمعات المياه، والجفاف، بالإضافة لانعدام الحياة البرية، واقتلاع الغابات في مختلف مناطق البلاد· ويؤدي غياب الأمن، وانتشار الاضطراب في أفغانستان إلى عرقلة جهود ومهام كثير من برامج المساعدة التابعة للأمم المتحدة، ومنها برنامج ''اليونيسيف'' المتعلق بتوفير المياه، وخدمات الصرف الصحي· ويساهم توفير المياه، وخدمات الصرف الصحي في إحداث تغييرات إيجابية في حياة الأسرة الأفغانية، إذ إن توفير ما يكفي من المياه الصالحة، ودورات المياه الصحية، وتحسين السلوك الصحي يضمن حياة كريمة للنساء اللواتي يتولين عادة مهمة إحضار الماء بطريقة مرهقة وشاقة· وقد حددت الخطة الاستراتيجية متوسطة المدى الخاصة بمنظمة ''اليونسيف'' التابعة للأمم المتحدة، والتي تعنى بشؤون الأطفال لفترة ما بين عامي 2006 و2009 خمسة مجالات أساسية للتركيز عليها يختص أحدها بتطوير حياة الطفل والحفاظ عليها، ويتضمن توفير المياه وخدمات الصرف الصحي في الظروف كافة· ودعت منظمة ''اليونيسيف'' في تقرير احتياجاتها لعام 2007 إلى جمع أكثر من مليوني دولار لإنفاقها على برامج ومشاريع توفير مياه الشرب، وتجهيزات الصرف الصحي اللازمة للأطفال في أفغانستان الذين يعيشون ظروفاً قاسية جداً في ظل تردي الظروف الأمنية والأوضاع المعيشية في البلاد مما يجعلهم عرضة للإصابة بأمراض: الإسهال، والكوليرا، والملاريا، لا سيما مع حلول موسم الصيف، وارتفاع درجات الحرارة· وتطمح المنظمة إلى تخصيص المبلغ الذي طلبته لهذا العام لمشاريع توفير مياه الشرب والتجهيزات الصحية، وأقراص تطهير المياه على المستوى الأسري، ولدعم توفير المياه عبر شاحنات وصهاريج المياه لتزويد المناطق المتأثرة من الجفاف ولتطهير الالاف من ابار المياه بمادة الكلور في المناطق المرتفعة الخطورة، والعمل على بناء آلاف المراحيض المنزلية والصحية خاصة في المدارس، وتعزيز برامج التثقيف بالنظافة الشخصية، والتوعية بها في أوساط آلاف الأسر ومدارس والمجتمعات المحلية·وتؤكد خطة التنمية القومية في أفغانستان أن الماء أهم مصدر طبيعي، ولابد من إدارته بطريقة مستدامة، فيما تركز خطة دعم التنمية الخاصة بأفغانستان التابعة للأمم المتحدة على ضرورة توفير المياه، وخدمات الصرف الصحي لمعالجة الأضرار الصحية المأساوية الناجمة عن غيابها· الامراض تفتك بالاطفال! وتشير التقارير إلى أن سوء التغذية وقصور خدمات الرعاية المناسبة وعدم توافر المياه النقية والصرف الصحي من العوامل الرئيسة المسببة لارتفاع نسبة الوفيات وانتشار الأمراض عند الأطفال وتتضمن الحصبة والإسهال والالتهابات التنفسية الحادة والملاريا وسوء التغذية الذي ترتفع نسبته لتطال ما يتراوح بين 40 و60 بالمائة من أطفال أفغانستان· فالإسهال يمثل ثاني أكبر مسبب للوفيات عند الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات ويلقي هذا المرض بظلاله على النظام الصحي والحالة الغذائية للطفل، وينتشر الإسهال عند أكثر من 50 بالمائة من الأطفال في أغلب المناطق في أفغانستان، إذ تتكرر هذه الحالة بمعدل 13 مرة سنوياً عند الطفل· أما أهم الأسباب المؤدية إلى انتشار هذا المرض فتعود في مجملها إلى استخدام المياه الملوثة، وغياب خدمات الصرف الصحي، والممارسات الصحية والبيئية المتردية في المناطق الريفية والمدنية، مثل استخدام دورات المياه المفتوحة التي تمثل كارثة صحية حقيقية بالنسبة إلى الأطفال والنساء· وحسب وثيقة برنامج تنمية البلاد 2006/،2008 فإن أكثر من 75 بالمائة من المدارس لا تتوافر فيها المياه النظيفة، كما أن 80 بالمائة منها لا تتوافر فيها دورات المياه الصحية وهذا ما يؤدي إلى انخفاض نسبة إقبال الفتيات عليها· كما تشير تقارير أخرى إلى أن 82 بالمائة من سكان المناطق الريفية و57 بالمائة من سكان المدن لا تتوافر لهم المياه النظيفة، في حين أن 92 بالمائة من سكان الريف و72 بالمائة من سكان المدن لا يستخدمون دورات مياه صحية· كما أن أفغانستان عرضة لأخطار الكوارث الطبيعية مثل: الفيضانات، والزلازل، والعواصف الرملية، وغيرها من العوامل التي تحمل تأثيراً مدمراً على الفقراء، ومن هنا فإن الحاجة إلى توفير الخدمات الأساسية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي والتوعية الصحية هي جزء أساسي من برامج التنمية والطوارئ الخاصة بهذه البلاد· مكافحة الإسهال وتهدف سياسة الحكومة إلى خلق بيئة ذات بنى مؤسساتية قوية قادرة على مكافحة الإسهال عبر الترويج لمنهج استراتيجي متكامل يركز على الدور الذي تلعبه عوامل توفير المياه الصحية، والصرف الصحي، والممارسات الصحية كغسل اليدين بعد استخدام المرحاض في التصدي لهذه المشكلة · وذكرت تقارير منظمة الصحة العالمية أن 24 بالمائة فقط من سكان أفغانستان البالغ عددهم 27 مليونا تقريباً يحصلون على مياه صالحة للشرب، بينما يستخدم 76 بالمائة مياهاً غير صالحة لأغراض الشرب والطهي، وهو ما يتسبب في ارتفاع نسبة الوفيات لا سيما بين الأطفال، حيث يشكل مرضا الإسهال والسل تهديدات مزمنة للصحة العامة· وأوضحت التقارير أن متوسط نصيب الأفغاني من الماء يعتبر الأقل في العالم، حيث يصل متوسط استهلاكه للماء إلى 700 متر مكعب سنوياً نظراً لانعدام الإمكانات الحديثة، وندرة الموارد المائية النظيفة، والجو البارد في معظم فصول العام· وأكد خبراء البيئة أنه بالرغم من أن نسبة سقوط الأمطار والثلوج خلال العام الجاري ضعف العام الماضي، فإن قطاعي الزراعة والماشية الحيوانية لا يزالان يواجهان نقصاً حاداً في المياه، وهو ما يعني استمرار الجفاف بالرغم من أن أفغانستان تملك أنهاراً كثيرة لكن معظمها يهدر خارج البلاد إلى الدول المجاورة بموجب بروتوكولات انقضت صلاحيتها وبلا مقابل مادي مما جعل المطالبات الوطنية تتعالى للاستفادة المثلى والتحكم في إدارة مصادر المياه وجريان الأنهار بالشكل الذي يحقق مصلحة الشعب الأفغاني ويؤمن احتياجاته ومتطلباته من المياه النافعة والصحية·وقد وصل النقص في المياه في أفغانستان لدرجة أن ضخ المياه الجوفية يتطلب حفر قرابة ثلاثين متراً في بعض الأماكن، الأمر الذي يعتبر صعب المنال للغاية، وغير اقتصادي وتناشد حكومة أفغانستان منظمات الإغاثة الإنسانية والشركاء الآخرين بمضاعفة الجهد لتوفير الحد الأدنى من احتياجات الخدمات الاجتماعية للفقراء من السكان ولا سيما النساء والأطفال من خلال تزويدهم بما يكفيهم من المياه الصالحة ودورات المياه ومحطات تنقية المياه مع تشجيع الممارسات الصحية التي تقيهم الإصابة بالمرض خاصة في ظل ضعف إمكانيات الحكومة عن القيام بهذا الدور· (وام)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©