الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المستثمرون الدوليون يبحثون عن ملاذات آمنة للاستثمار

المستثمرون الدوليون يبحثون عن ملاذات آمنة للاستثمار
17 ديسمبر 2011 23:51
سرعان ما خمدت جذوة تفاؤل انتعاش الاقتصاد العالمي في 2011 والقضاء على ما خلفته الأزمة المالية بعد سنتين من المعاناة، بعد أن استشرت عدوى النظام المالي في دول جنوب أوروبا المثقلة بالديون، لتشهد أكبر بنوك القطاع الخاص في العالم عاما آخر من الاضطراب. ومنذ ذلك الوقت، احتوت الأزمة دول مثل اليونان والبرتغال وإيطاليا لتدعي هذه الدول فساد سياسييها وتطالب بحزم إعانات غير مسبوقة، مما يبعث على تخوف المستثمرين حول جميع أرجاء العالم. وبعد استراحة قصيرة في الربع الأول من هذا العام، تراجعت أسعار الأصول في فصل الربيع مخلفة موجة من الصدمات في الأسواق العالمية. وبقضاء أزمة الديون التي سادت أوروبا على ملاذات السندات الحكومية التي تميزت بالأمان في السابق، لم يعد لدى المستثمرين الأثرياء سوى القليل من الوجهات التي يمكن اللجوء إليها لحماية قيم أصولهم وجني الأرباح في مثل هذه الظروف الصعبة. وقال ديكلان شيهان المدير الإقليمي في بنك “أتش أس بي سي” “تعني المخاوف المتعلقة بمنطقة اليورو وبموقف رؤوس الأموال والسيولة في البنوك، تجنب العملاء للمنتجات عالية المخاطر والأسواق التي تتسم بالمزيد من التقلبات”. وفي نفس الوقت تواجه البنوك حول العالم موجة من النظم الصارمة بينما يقترب الموعد النهائي لإصلاحات قواعد “بازل 3” الخاصة بالسيولة ورأس المال لمراجعة الكيفية التي يتم بها بيع منتجات قطاع التجزئة في بريطانيا. وفي غضون ذلك، تبرز فضيحة تداول بمبلغ قدره 2,3 مليار دولار في “يو بي أس” لتهدد بإساءة سمعة واحد من أفضل بنوك القطاع الخاص في بريطانيا، وتحديات تواجهها البنوك في وقت تحاول فيه إعادة بناء سمعتها. وللتصدي لهذه البيئة البالغة الصعوبة، تحاول البنوك ترسيخ وجودها في الأسواق الأكثر نمواً وأرباحاً. ويعني ذلك للبعض زيادة التركيز على الاقتصادات الناشئة، خاصة في آسيا التي لم تتأثر كثيراً بأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو. وللبعض الآخر، قاد ذلك إلى تصاعد زيادة الثروة نظراً لزيادة البنوك من تركيزها على ما يسمى “بأصحاب الثراء الفاحش” عملائها الأكثر ثراء. وأشار “كريديت سويس” مؤخراً إلى هذا النوع من العملاء في أنه يمثل الجزء الأسرع نمواً في الأعمال المصرفية الخاصة حيث كشف عن خطط لزيادة الدخل قبل خصم الضريبة من مثل هؤلاء العملاء بنحو ثلاثة أضعاف في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة. ويشكل مليارديرات العالم 35% من عملاء البنك السويسري مقارنة بنسبة 25% قبل ثلاث سنوات. وتجني البنوك الخاصة أرباحاً هائلة من مثل هؤلاء العملاء حيث تتوافق احتياجاتهم مع احتياجات هذه المؤسسات المالية بقدر أكبر من العملاء العاديين. وبينما يلتزم الأغنياء العاديون بالاستثمارات قليلة المخاطر التي لا تجني البنوك أرباحاً كبيرة منها، يطالب العملاء الأكثر ثراء بخدمات ومنتجات أكثر ربحية مثل صفقات الأسهم الخاصة التي يتم بيعها في العادة للشركات الكبيرة. وتملك البنوك التي تتبنى هذا التوجه، قائمة كبيرة من العملاء الذين يمكن استهدافهم. ووفقاً لتقرير مؤسسة “ميريل لينش لإدارة الثروات العالمية” الاستشارية، ارتفع عدد المستثمرين الأثرياء الذين لا تقل ثروة الواحد منهم عن 30 مليون دولار، بنحو 10% في العام الماضي. وفي غضون ذلك، فاقت ثروة الأفراد الذين يملكون نحو مليون دولار فأكثر، مستويات ما قبل الأزمة المالية، علماً بأن عدد هؤلاء يقارب 11 مليون شخص من مختلف دول العالم. ومما يدعو للدهشة تفوق آسيا والمحيط الهادئ لأول مرة على أوروبا في عدد وحجم ثروة المليونيرات المستثمرين الذين ناهز عددهم 3,3 مليون في هذه المنطقة في 2010، مقارنة بنحو 3,1 مليون في أوروبا. وفي حين تظل أميركا أكبر سوق للثروة في العالم حيث يساوي عدد المليونيرات المستثمرين فيها نفس العدد الكلي في آسيا، تكثف البنوك الخاصة سعيها لتقوية وجودها في الأسواق الناشئة وإن كان ذلك بشكل انتقائي. ولا تزال آسيا محرك النمو العالمي دون منازع، على الرغم من حرص بنوك القطاع الخاص في اختيار المناطق التي تستثمر فيها. وتظل مناطق مثل سنغافورة وبكين وهونج كونج في مقدمة القائمة، لكن تسعى البنوك لطرق أسواق ناشئة جديدة مثل المدن الصينية التي تشهد نمواً سريعاً أو بعض أجزاء الشرق الأوسط. وبينما قلصت النظم الصارمة من إجمالي الأرباح والعائدات، انسحبت بعض البنوك من الأسواق الصغيرة بغرض توجيه استثماراتها نحو المناطق الأكثر ربحاً. ونتيجة للنظم الصارمة الجديدة، تواجه بنوك بريطانيا المزيد من المعاناة، مما يتطلب إعادة هيكلة قوية لعملياتها في الخارج. وتخطط بنوك مثل “أتش أس بي سي” و”كوتس” المملوك من قبل “رويال بنك” الاسكتلندي، للتخلص من نصف هذه العمليات. وبينما تحاول البنوك في دول مختلفة حول العالم استيعاب قوانين رأس المال والسيولة الصارمة، يترتب على البنوك البريطانية أكثر المتضررين من الأزمة المالية، التأقلم مع التغيرات الكبيرة التي طرأت على طريقة بيعها للمنتجات. دفع بنك “كوتس” غرامة قدرها 6,3 مليون جنيه استرليني (9,9 مليون دولار) لفشله في تفسير المخاطر المصاحبة لبعض السندات الاستثمارية التي قام ببيعها لأكثر من 400 من عملائه الأثرياء. وأدت عمليات البيع غير المسؤولة هذه والتي برزت في البنوك قبيل اندلاع الأزمة المالية، إلى وضعها تحت المزيد من المراقبة. لكن تغير هذا الوضع ولم تعد البنوك تقدم على بيع الاستثمارات المعقدة عالية الأرباح لأي جهة، حيث ينبغي عليها ضمان أن المنتجات تناسب كل عميل، بالإضافة إلى توضيح المخاطر المحيطة بها. ونتيجة لذلك، تم استبدال المنتجات التي كانت تدر أرباحاً كبيرة، بأخرى غاية في البساطة وخالية من المخاطر لكنها بالضرورة أقل ربحاً. وفي نفس الوقت، أصبحت الاستثمارات التي تهدف لحماية أصول العملاء من الضرائب، أكثر شحاً في ظل معاودة الحكومات لجهودها الرامية لتضييق الخناق على الأثرياء الذين يتهربون من دفع الضرائب. وبصرف النظر عن هذه العقبات وتوقعات ضعف النمو في بريطانيا وأميركا وأوروبا في السنوات المقبلة، فإنه ليس في نية البنوك إلغاء أسواق الدول المتقدمة. ويقول شيهان من بنك “أتش أس بي سي” “لا اعتقد أن هذه آخر القضايا بالنسبة إلى لندن، حيث من المتوقع تكون لدى آسيا أكبر ثروة في العالم بحلول العام 2013، لكن لن تكون أميركا وأوروبا متخلفتان كثيراً عنها كونهما من أسواق الثروة الأساسية والمهمة. وتحاول العديد من البنوك استغلال أسواقها الأكثر رسوخاً كقاعدة لاستهداف العملاء في الأسواق التي تنمو بوتيرة أسرع. وبينما أصبح المستثمرون الأثرياء أكثر عالمية في نشاطاتهم التي انتشرت في عدد من قارات العالم، أكدت البنوك أنه ليس بالضرورة أن تقتصر نشاطات العملاء المصرفية على بلدانهم فحسب، بل يمكنها تخطي الحدود لدول أخرى. وتوجه بعض البنوك جل تركيزها نحو تحسين الروابط بين الأسواق الناشئة التي تشهد نمواً سريعاً، حيث يعني ذلك أن من الممكن لعملاء في الصين أو الهند مثلاً، الاستثمار مباشرة في أميركا اللاتينية دون الحاجة إلى تحويل أعمالهم عبر سوق أكثر تقدماً. وبينما العالم يوشك على الدخول في مرحلة أخرى من مراحل الأزمة المالية، تبقى التحديات التي تواجه بنوك القطاع الخاص شديدة الخطورة. لكن يقول الخبراء إن النمو غير العادي في عدد أثرياء العالم يعني أن فرص بنوك القطاع الخاص لا تزال متوفرة. ويقول جيرمي جينسين العامل ضمن فريق القطاع المصرفي الخاص العالمي وإدارة الثروات في مؤسسة “بي دبليو سي” للخدمات “يصبح الأثرياء أكثر ثراء وتتحول الأسواق الناشئة اليوم إلى أسواق متقدمة غداً. وفي حالة بناء البنوك لأعمالها بكفاءة، تؤكد تركيبة القطاع على مقدرة استمراره في جذب العملاء على المدى المتوسط”. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©