الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس ما بعد الثورة ... الاقتصاد مرة أخرى

تونس ما بعد الثورة ... الاقتصاد مرة أخرى
6 ديسمبر 2012
جون ثورن سليانة- تونس صباح يوم الجمعة الماضي قام سكان سليانة بحمل «النعش» الرمزي للوالي إلى خارج مدينتهم ثم ألقوا به على جانب الطريق وسط أجواء من السخرية والاحتفال. جاء ذلك في مسيرة رمزية شارك فيها الآلاف تحت سماء زرقاء صافية إلى تونس العاصمة. وقد كان تغييراً مرحباً به بعد أيام من الحجارة والغازات المسيلة للدموع في وقت اشتبك فيه المحتجون مع الشرطة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يحمِّلون مسؤوليتها لإهمال الدولة لمدينتهم. غير أن تداعيات عنف الأسبوع الماضي في سليانة، وهي بلدة ريفية صغيرة المدينة تقع على بعد نحو 70 ميلاً إلى الجنوب الغربي من العاصمة، بلغت صميم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس. فالتعاطي مع اقتصاد منكوب- ومشاعر الغضب التي يولدها- أضحى الاختبار الرئيسي لأول حكومة منتخَبة بشكل حر في البلاد، وهي عبارة عن ائتلاف من أحزاب كانت معارضة لوقت طويل صعدت إلى السلطة على نحو غير متوقع العام الماضي بفعل «الربيع العربي». وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحمن الحني، وهو مدير مدرسة متقاعد انضم إلى المسيرة: «أتذكر، لقد قمنا بالثورة من أجل العمل والكرامة والحرية»، مضيفاً «واليوم نستطيع التحدث بحرية- أما بالنسبة للكرامة، فمازالت الوظائف غير موجودة». والواقع أن المشاكل الاقتصادية لمرحلة ما بعد الثورة أصبحت نوعاً من «تيمات» الربيع العربي منذ العام الماضي، حيث يكافح الزعماء الجدد في تونس ومصر وليبيا بطرق مختلفة من أجل جذب المستثمرين الأجانب المتوترين، والحصول على قروض دولية، والحفاظ على البطالة المرتفعة في أوساط الشباب تحت السيطرة. غير أن خلق الوظائف ليس مهمة سهلة في تونس؛ ذلك أن الاقتصاد التونسي تعرض لضربة مزدوجة منذ أن أطيح بالرئيس السابق زين العابدين بن علي العام الماضي، حيث تضررت السياحة والاستثمار الخارجي جراء فوضى الثورة والأزمة في بلدان منطقة اليورو التي تعتبر الشريك التجاري الرئيسي لتونس. ونظراً للأزمة، أصبح الناتج المحلي الخام للبلاد الذي كان يعرف نمواًَ مضطرداً في الماضي سلبياً، حيث تراجع بـ1?8 في المئة العام الماضي. وإذا كان النمو من المتوقع أن يسجل بعض الارتفاع هذا العام، فإن المخططات الحكومية للإنفاق بشكل كبير على خلق الوظائف مازال يتوقف على المساعدة الخارجية. ويمثل قرضان بقيمة 500 مليون دولار لكل واحد، من البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، أُعلن عنهما الأسبوع الماضي أحدث مثالي بهذا الخصوص. في الوقت الراهن، تبقي المشاكل الاقتصادية على البطالة مرتفعة عند 17 في المئة، وهو تحسن طفيف مقارنة مع 19 في المئة المسجلة العام الماضي، ورقم يزداد ارتفاعاً بين الشباب وفي المدن والبلدات المحبطة مثل سليانة. فالثروة النسبية للمدن الساحلية المزدحمة لتونس تتباين مع حالة السبات والفتور السائدة في الداخل. وللتذكير، فإن مدينة داخلية مماثلة، سيدي بوزيد، هي التي تحولت فيها الاحتجاجات في ديسمبر 2010 بسبب البطالة وفساد الدولة إلى الانتفاضة التي أفضت إلى خلع بن علي بعد شهر على ذلك. المشاكل الأخيرة في سليانة انفجرت يوم الثلاثاء الماضي عندما دعا زعماء نقابيون محليون إلى إضراب عام بينما تظاهر السكان للمطالبة بالوظائف وإقالة الوالي أحمد محجوبي، وهو عضو في حزب «النهضة» الحاكم، ويعتبره الكثيرون مهمِلاً وبعيداً عن هموم السكان وانشغالاتهم. لكن المظاهرات سرعان ما تطورت إلى اشتباكات في الشارع بين المحتجين والشرطة، التي أطلقت الغاز المسيل للدموع و«الرش»- عبارة عن علب من حبيبات الرصاص أو المطاط- بينما كان شبان يرمونها بالحجارة ويسدون الشوارع بالإطارات المشتعلة. وبلغ العنف ذروته يوم الأربعاء عندما استقبل المستشفى الرئيسي في سليانة نحو مئتي مصاب، معظمهم أصيبوا بطلقات «الرش»، كما يقول مدير المستشفى عبد الحق عطياوي، وتم نقل عشرين شخصاً أصيبوا بـ«الرش» في أعينهم- الأمر الذي يمكن أن يتسبب في فقدانهم البصر- إلى مستشفيات العاصمة. وبعد ذلك، توقفت الشرطة على ما يبدو عن استعمال «الرش». لكن هذا التكتيك أغضب الكثيرين ودفع المسؤولة الأممية عن حقوق لإنسان نافي بيلاي إلى التنديد بما سمته الاستعمال المفرط للقوة. ولكن السلطات تقول إن العشرات من أعضاء قوات الأمن أصيبوا أيضاً في الاشتباكات. ويوم الخميس الماضي، رفض رئيس الوزراء حمادي جبالي، من حزب «النهضة»، دعوات المحتجين وبعض السياسيين اليساريين إلى التنحي، متهماً أحزاب المعارضة بإثارة البلبلة في سليانة. ويذكر هنا أن حزب «النهضة» الإسلامي المعتدل، بعد فوزه في انتخابات العام الماضي، بات يواجه على نحو متزايد تحدياً بشأن ميوله الإسلامية وكفاءته في الإدارة والتسيير من قبل أحزاب معارضة علمانية عموماً قبل انتخابات جديدة مرتقبة العام المقبل. والواقع أن الغضب والسياسة يمكن أن يتقاطعا في نهاية المطاف في مدن مثل سليانة. فإذا كان «حزب النهضة» قد فاز في دائرة سليانة في انتخابات العام الماضي، فإن البعض هنا على الأقل يقولون اليوم إنهم لن يصوتوا لصالح الحزب مرة أخرى. وفي هذا السياق، يقول صابر عمار، وهو سباك شاب صوت لصالح «النهضة» العام الماضي، وكان يتقدم مسيرة يوم الجمعة الماضي الاحتجاجية على متن دراجة نارية فضية من نوع ياماها: «لقد كنا نتمنى أن يقوموا بحل مشاكلنا ولكنهم لم يفعلوا أي شيء». الكثيرون في سليانة يعتقدون أن الحكومة التونسية تقوم على ما يبدو بتمديد نمط من الإهمال والتهميش عمره عقود؛ والواقع أن البعض مازال يتذكر ذكريات احتجاجات شهدتها سليانة في التسعينيات بسبب مشاكل اقتصادية وانتهت بسجن نظام بن علي للمحتجين. وفي هذا السياق، يقول رامي جلاسي، الذي شارك في المسيرة وسُرح في يونيو الماضي من عمله في تنظيف قطع غيار السيارات بمصنع في تونس: «لقد قضى والدي سبع سنوات في السجن»، مضيفاً «لقد كان في الحركة نفسها التي أشارك فيها أنا اليوم- المطالبة بالوظائف». اليوم، معظم الغضب يستهدف والي سليانة أحمد المحجوبي. وحسب نجيب السبتي، الذي يرأس الفرع المحلي من «الاتحاد العام للشغل»، وهو النقابة الرئيسية في تونس، فإن المحجوبي رفض مناقشة التنمية مع زعماء النقابة منذ تعيينه الربيع الماضي. ولم يتسن الاتصال بالسلطات المحلية من أجل التعليق على الموضوع. فيوم السبت الماضي، بدا مكتب الوالي، الذي أحيطت بوابته بالأسلاك الشائكة، مهجوراً وكانت تظهر عليه آثار العنف مثل الحجارة المتناثرة. وقال جنود تونسيون يتولون الحراسة عند الباب إنه لا يوجد أي مسؤول. الصدامات توقفت عندما قام جنود الجيش التونسي بتأمين المكاتب والإدارات الحكومية وانسحبت الشرطة. فتدفق سكان المدينة على الشوارع من أجل الاحتفال – الذي لم يستمر طويلاً عندما استأنف عشرات المحتجين رمي الحجارة على مقر الشرطة. وفي يوم السبت أيضاً، وبينما تواصلت الاشتباكات، أعلنت الحكومة أنها ستقوم بنقل إدارة منطقة سليانة إلى نائب الوالي في انتظار قرار نهائي بشأن حل المشاكل هناك، كما أوردت وكالة الأنباء التونسية الرسمية. غير أنه بالنسبة للبعض في سليانة، فإن حتى ذلك لا يبعث على التفاؤل ربما؛ حيث يقول راضي، وهو شاب متخرج عاطل عن العمل: «إن العمل في تونس صعب للغاية». في الشارع، كان قد انضم إلى المحتجين الذين يرمون الحجارة. ولكن داخل منزله يحتفظ برسالة قبول من جامعة أوكرانية. ويقول راضي: «ربما أستطيع إيجاد عمل في أوروبا». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©