الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن علاقة السلطة والدين

عن علاقة السلطة والدين
6 ديسمبر 2012
هناك التباس في فهم العلاقة بين الدين والدولة، ولدينا في ذلك العديد من المواقف السياسية والفكرية، فضلا عن الرؤى الفقهية والدينية، وهناك الكثير من الدراسات في هذا الجانب، وآخرها دراسة د. سعد الدين هلالى استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر والتي حملت عنوان “الإسلام وإنسانية الدولة”. الإسلام عنده “دين إنساني” وهو لا يقصد بذلك أن الإسلام يعد اختراعا إنسانيا منقطعا عن الوحي الثابت بالنص الشرعي وإنما أن الشارع ترك للمسلمين فهم نصوصه بآلية إنسانية متعددة أثمرت عن تعدد الوجوه المحتملة في المسألة الواحدة، ثم الإذن الشرعي في الامتثال لكل اجتهاد وفق الاختيار الإنساني، وقد شدد الإسلام على فقهاء المسلمين ودعاتهم ألا يتجاوزوا اختصاصاتهم العلمية والبيانية الى تنصيب أنفسهم أوصياء على المسلمين، فقد اكتفى رسول الله بوظيفته من التذكير والإبلاغ، كما حذر الاسلام عموم المسلمين من ان يتخذوا علماءهم وفقهاءهم أنبياء أو أربابا من دون الله، وجاء في سورة التوبة (الآية 31) قوله تعالى “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا”. وورد عن عدي بن حاتم: دخلت على النبي وهو يقرأ سورة براءة، حتى بلغ هذه الآية “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله”، فقلت: انا لا نعبدهم، فقال الرسول “أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم والمعنى هنا ان الفقيه يعلن رأيه واجتهاده ثم يرفع يده حتى لا ينصب نفسه الها من دون الله، وإذا كان الفقيه حرا في الاجتهاد فإن عامة الناس أحرار في الاختيار بين أقوال المجتهدين. تحرير الدين كان الإسلام حريصا علي تحرير الدين من استغلال المتسلطين والأوصياء وقد أقامه الله على طبيعة “إنسانية اختيارية”. ويذهب د. هلالي الى ان السلطة الدينية هي عدوان على الدين والإنسانية في آن واحد “ذلك ان السلطة الدينية لها منطقها البشري في النهاية وحين تحمل هذه السلطة الناس على فهم الدين والتعامل معه بذلك المنطق معتبرة أنه هو الدين تكون معادية للدين وللإنسانية ووجه المعاداة للدين يكمن في إقصائها له والحلول مكانه بما يهدم رسالته التي جاءت لتحرر الانسان من عبوديته لغير الله وبلا واسطة، لذا منع المسلم ان ينسب لله حكما غير نص خطابه وكلامه المقدس، أما الحكم الذي يستنبطه الفقيه والامام من ذلك النص فيجب ان ينسبه الى نفسه، فقد ورد ان النبي قال: “.. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم ولكن انزلهم على حكمك أنت، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا”. أما وجه معاداة السلطة الدينية للإنسانية فيأتي من تنصيب أعضائها أوصياء على الآخرين مما يفتح باب الفساد الأخلاقي بالمال وغيره لمسالمة أو مهادئة تلك السلطة. كما أن السلطة الدينية ستحول دون الإبداع الإنساني في تجديد الاجتهاد مع النصوص التي جمع الله فيها الكلم. والمنطق والعدل هو سر القوانين وروح الإسلام وقال ابن القيّم: إذا ظهرت إمارات العدل فثم شرع الله ودينه.. ويتساءل د. هلالي: هل يقف المسلمون في نشر إسلامهم عند اسمه أم تستوعب حكمتهم ترك الاسم في التعامل مع الآخر من أجل الوصول إلى الجوهر والمضمون؟ ويجيب بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقط صفته الدينية وهي انه رسول الله من كتاب صلح الحديبية ليعطي درسا في كيفية التعامل الإنساني وهو ان الموضوع يتقدم على الشكل والأولوية للجوهر. الدستور والدولة ويعلن المؤلف انه يريد عند وضع الدساتير في بلادنا، خاصة في مصر التي تقوم بصياغة دستور جديد، ان يكون اسلاميا موضوعا دون اسمه وهو ما يطلق عليه الدستور الإنساني الذي يحقق مبادئ الإسلام وقيمه النبيلة على المواطنين، فينص على ان العدل أساس الحكم وان الحرية والكرامة والمساواة من القيم الإنسانية التي لا يجوز تفسيرها بما يعطلها أو يناقضها ويذهب إلى القول انه لا داعى للنص في الدستور على ان الإسلام دين الدولة، فالدولة ليست شخصا طبيعيا مكلفا كي يكون له دين ولم يؤثر عن الخلفاء الراشدين او احد من الصحابة والتابعين ان نصوا في وثائقهم على ان الإسلام دين الدولة ولا طالب احدهم بذلك. ويناقش المؤلف قضية اشتراط الإسلام والذكورة لصحة تولية الخلافة او الإمامة أي الحاكم وقد اجمع الفقهاء قديما على ذلك وذهب معظم الفقهاء المعاصرين مذهبهم، استنادا إلى قوله تعالى “فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا” وقال ابن حزم: “الامامة أعظم السبل.. وروي عن الرسول انه حين علم ان أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. وروى عن النبي قوله “هلكت الرجال حين أطاعت النساء” لكن هناك بعض الفقهاء المعاصرين ذهبوا إلى انه يجوز تولية غير المسلم والمرأة الحكم في بلاد المسلمين اذا ارتضوا بأحدهما وهو قول د. محمد سليم العوا واليه يميل د. محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية وأجاز الشيخ محمد الغزالي للمرأة المسلمة تولي الحكم في الدولة، وهناك عدد آخر من الفقهاء المعاصرين يميل إلى ذلك وحجتهم ان الدولة المعاصرة لا تجعل من وظيفة رئيسها إمامة المسلمين في الصلاة وان الله تعالى جعل هدف الحكم في الدولة هو إقامة العدل مصداقا لقوله تعالى “وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل” والحكم بالعدل يملكه كل إنسان بفطرته وأصالة معدنه، ويتوقف د. هلالي عند نصيحة الرسول حين ظلم أصحابه في مكة ولم يكن قادرا على ان يدفع الظلم عنهم ان طلب اليهم الخروج إلى الحبشة” فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما انتم فيه”. وهناك حجة ثانية وهي عموم قوله تعالى في سورة التوبة “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” وقول الرسول عن ام سلمة “ان النساء شقائق الرجال”.. وهناك قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان، وقد رواها القرآن الكريم في سورة النمل بغير إنكار أو رفض مما يعد دليلا على مشروعية توليها الحكم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©