الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سهير مقدادي: ولدت تحت زيتونة

سهير مقدادي: ولدت تحت زيتونة
6 ديسمبر 2012
أحب لشخصياتي أن تمتشق الأمل والإيمان بالقادم الأجمل وحين أصدرت روايتي “الضفة الثالثة” كان عليّ أن أكتب لأحك جرحا يستوطن خاصرتنا من وطن مسروق وعدالة مفتعلة وإنسانية مقهورة لعله ينزف مجدداً. بهذه العبارة استهلت القاصة الفلسطينية سهير مقدادي الصامدة في رام الله حديثها لـ”الاتحاد الثقافي” وقالت: أكتب الواقع وشخصياتي تصور معاناة من لا قدرة لهم على البوح فتبوح عنهم لعل صوتهم يصل. وتقول: صنعتني فلسطين، فقد ولدت تحت زيتونة تضرب جذورها في التاريخ ولم تملك أمي سوى أوراق زيتون لتدفئني فحين يسرق منك الوطن تسرق منك الحياة. وترى مقدادي أن الكاتب الحقيقي ثائر بالدرجة الأولى، وهي تمتثل في نتاجها الإبداعي لمقولة المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد: “على كل فلسطيني ان يكتب قصته”. وفيما يلي تفاصيل الحوار: ? يقولون إن المثقف يكتفي بالتنوير وليس التثوير.. هل من وجهة نظر؟ ? ? في البداية أود التنويه بأنني قاصّة وأكتب القصص القصيرة والقصيرة جداً، والكتابة أيا كان شكلها عليها أن تكون فعل تغيير نحو عالم أفضل، وحين تكون الكلمة صادقة ستكون ضوءاً يرشدنا حيث الحقيقة، ويستفزنا لنثور على كل ظلمة.. الكلمة فعل تنوير وتثوير والكاتب الحقيقي هو ثائر بالدرجة الأولى. ? يرددون مقولة: كثرت القصص وقلّ القاصون.. هل تتفقين مع هذا الرأي؟ ? ? أتفق معك تماماً، هناك كم هائل من النتاج الأدبي بمختلف أشكاله، ولعل للثورة التكنولوجية كمواقع التواصل الاجتماعي وسهولة نشر كل ما يكتب ساهمت بشكل كبير في هذا الكم من الكتابات. وفي غياب النقد الأدبي الحقيقي والصادق نرى الساحة وقد اكتظت، وهنا أتحدث بشكل عام، ولكن إذا تحدثت بخصوصية شديدة كفلسطينية فأنا مع الكتابة الدائمة أيا كان شكلها، حيث أتمثّل وأمتثل لما قاله المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد “على كل فلسطيني أن يكتب قصته”. ? في روايتك الأخيرة “ضفتي الثالثة” ما الوجبة الفكرية التي حاولت تقديمها للقارئ ؟ ? ? ربما كل ما كان يسكنني حين قررت نشر إصداري “الضفة الثالثة” الذي يضم مجموعة من القصص القصيرة والنصوص هو أن يحل كتابي ضيفاً جميلاً خفيف الظل بين يدي هذا الجيل الشاب الذي تسرقه منّا ومن جذوره عولمة خبيثة وتكنولوجيا هائلة، وكان عليّ أن أكتب لأحك جرحاً يستوطن خاصرتنا.. جرحا من عدالة اجتماعية مفتعلة ووطن مسروق وإنسانية مقهورة، لعله ينزف مجدداً ونتنبه لضرورة العلاج. ? بعض المبدعين تأثروا بنماذج إبداعية.. من هو بطلك أو مرشدك في مشوارك الأدبي ولماذا؟ ? ? كل من يكتب أدباً إنسانياً يحكى فيه قهراً وظلماً أو جمالاً وحياة كريمة إليها نتوق أقرأ له بنهم، ربما كان جبران خليل جبران من أكثر من قرأت لهم في صغري، وحين كبرت رافقتني أشعار محمود درويش ومازالت. ? يقال إن لك محاولات شعرية.. لماذا توجهت نحو الرواية؟ ? ? ما يسكنني حين أكتب هو هاجس وحيد أن تصل كلمتي صادقة ودون تزييف، وان تكون قادرة على إيصال ما أريد قوله بخفة وجمال.. لي نصوص شعرية كثيرة، ولم أهتم يوماً بتسمية شكل الأدب الذي أكتب أو أقرأ، فأمام جمالية النص وهدفه تغيب كل التصنيفات. ? مجهرك عند الكتابة أين يتجه، وعينك صوب ماذا في رسم الخطوط العريضة لشخصياتك؟ ? ? أكتب الواقع وهو بالمناسبة عبء ثقيل.. شخصياتي وبصدق هي حقيقية وقد نلتقيها في كل مرّة نلتفت لمعاناة من لا قدرة لديهم على البوح فنبوح نيابة عنهم لعل صوتهم يصل وتلك خطوة أولى ربما لإنصافهم. ? بالمناسبة هل شخصياتك قوية أم مهزومة وهل تتدخلين في توجيهها؟ ? ? ربما من يقرأ شخصياتي قراءة سريعة سيتهمها بالانهزامية والضعف في مواقف كثيرة.. أعتقد أن القدرة على تحمّل هذا الكم الهائل من الألم والمعاناة وربما الصمت المؤقت احياناً هي عناصر القوة الحقيقية.. القوة التي متى نهضت مسلحة بهذا الكم من القهر ستنتصر. ربما أتدخل أحياناً حين أرى أن إحدى شخصياتي الواقعية ستكون عامل إحباط ويأس، فأنا أحب لشخصياتي أن تمتشق دائماً الأمل والإيمان بالقادم الأجمل. ? بعض المبدعين صنعتهم الأحزاب أو مواقف بعينها.. سهير مقدادي من وقف معها أو ساندها في مشوارها؟ ? ? أنا صنعتني فلسطين المحتلة.. ولدت تحت زيتونة ذات تهجير وما ملكت أمي سوى أوراق زيتون لتدفئني بها، فحين يسرق منك الوطن تسرق منك كل الحياة، ويساندني في مشواري شعبي الذي نعيش المعاناة معاً.. معاناة مزدوجة يحتلنا فيها من سرق الأرض وسرق معها إنسانيتنا وكل الحياة الجميلة ويحتلنا موروث اجتماعي فيه الكثير مما يجب تغييره. ? يقال بأنك مسكونة بنون النسوة، وإذا كان هذا صحيحا كيف تنظرين للرجل؟ ? ? لا أحب نون النسوة تلك.. أؤمن بنون الإنسان، سواء كان رجلا أو امرأة، فكلانا يحمل عبء موروث ضخم تداخلت فيه مسميات اجتماعية خاطئة فالرجل يعاني كما المرأة تماماً.. أنا مع التكامل فكل منهما يكمل الآخر دون إجحاف بحق إحداهما. ? ماذا في جعبتك للمستقبل.. هل هناك مشاريع روائية جديدة؟ ? ? أعمل الآن على إصدار مصوّر يحكي فيه طريق الآلام في القدس معظم الحكاية. صباح غير عادي* هل لنا أن نختار صباحاتنا.. تلك الصباحات التي تبدأ بصوت المنبه الذي نجهد لاختيار شكل رنينه لعلنا نفيق على شيء من الأمل.. ننهض متثاقلين، فنحن نحفظ يومنا عن ظهر قلب.. تلاميذ نجباء في هذه الحياة نحن.. نشرب قهوتنا بتحايل، ففي كل صباح نختار نكهة مختلفة وعبق جديد.. لعلنا نصحو. اليوم، سأشرب قهوتي بنكهة تمرد وعبق جرأة، فقد مللت أن أكون طالبة نجيبة، سأستبدل فيروز بفرقة أغان شعبية تدق رأسي، وتدك كل المألوف لدي، سأمارس رياضة المشي الصباحية بكعب عال وأتحدى قامة أنهكها الانحناء، ولن أسأل عائلتي عن طبق اليوم، بل سأحضّر لهم ما ستجود به حديقتنا الصغيرة.. وسيكون شهياً، لن أستمع لنشرات الأخبار وسأغلق هاتفي النقّال، سأغلّف ماركيز وروايته بورق غير شفاف وأعيش مئة عام أخرى من التمرد.. فأنا ببساطة قد مللت التاريخ والتكرار. غيمات الوطن* ذات صباح انتابتني إحدى حالات جنوني العادية.. نهضت مبكرة على غير العادة وارتديت أجمل ما أملك من أحزان.. وقررت الطيران، أشرت لغيمة كانت تمر ببطء وجادلتها كثيرا لخروجها عن التسعيرة المعتادة.. عفوا نسيت أن أخبركم بأن شهادة جنوني صدرت من مشفى الدهيشة القريب ومنذ زمن بعيد.. إذن أنا مجنونة بشهادة رسمية. حملتني الغيمة على مضض، واختارت طرقا التفافية كثيرة، فأنا لا أملك سوى وثيقة جنوني.. السماء مكتظة بغيوم كثيرة، صفارات شرطة تنظم السير بزعيق متواصل... الغيمة ضجرت من تلك الأزمة الخانقة فاستعارت جنوني وطرنا معا... عفوا.. لكم أن تكملوا الرحلة.. فأنا وصلت وطني. * من نصوص سهير مقدادي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©