الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آثار وفنون سوريا «غريبة» عن وطنها منذ قرنين

آثار وفنون سوريا «غريبة» عن وطنها منذ قرنين
7 فبراير 2014 22:47
د. أحمد الصاوي (القاهرة)- مع بدايات القرن التاسع عشر تعرضت دمشق وحلب لغارات تجار العاديات من أصقاع الأرض وأخذ هؤلاء في شراء التحف المنقولة من خزف وزجاج ومنسوجات ومعادن، مما كانت تعتز الأسر السورية العريقة باقتنائه كميراث عن الأجداد وامتدت موجة الشراء المحموم لتشمل قطع الأثاث وأبواب وجدران بعض البيوت القديمة. ويكفي أن نشير إلى مقتنيات متاحف مثل المتحف الإسلامي ببرلين الذي نقلت إليه الأبواب والجدران الخشبية لأحد منازل دمشق?،? حيث تعرض بتمامها اليوم أمام زوار المتحف وكذلك متحف جايير أندرسون الذي قام مؤسسه البريطاني بشراء غرفة نوم كاملة من سوريا بأبوابها وجدرانها الخشبية وأثاثها ومفروشاتها لتعرف إلى اليوم باسم الحجرة الدمشقية. صالات المزادات وقطع الأثاث السورية التقليدية، والتي اشتهرت دمشق وحلب على وجه الخصوص بإنتاجها، مازالت تتدفق على صالات المزادات العالمية في الغرب حيث تلقى إقبالا وتقديرا كبيرين من المشترين في تلك الصالات نظرا لقيمتها الفنية الكبيرة وقيمتها التاريخية، إذ يؤرخ بعضها بالقرن 18م وإن كان أكثرها من إنتاج القرن التاسع عشر الميلادي. وتتميز قطع الأثاث التي يطلق عليها في النشرات التعريفية اسم أعمال الخشب السورية أو الدمشقية بجودة أخشابها، نظرا لتوفر مادتها في المناطق الجبلية من سوريا التاريخية، حيث الغابات المعروفة بأشجارها الباسقة ثم بالطرق الفنية التي اتبعت في صناعتها وزخرفتها. فمن الناحية الصناعية يبتعد النجارون قدر الطاقة عن استخدام المسامير المعدنية في تجميع قطع الأثاث ويلجأون دائما لأسلوب التعشيق، وهو ما يمنح عملهم ميزة خاصة من جهة العراقة والمتانة أيضا، حيث تبقى القطع الخشبية محافظة على تماسك كتلتها. وفضلا عن ذلك فإن طرق زخرفة وتزيين قطع الأثاث لا تكاد تخرج عن الزخرفة بالحفر أو الدق ثم التطعيم. أعمال الحفر وجودة أخشاب الأثاث السوري ساعدت الفنانين على القيام بأعمال الحفر من دون عناء، بينما أدى بهم الافتتان بالألوان إلى استخدام أسلوب التطعيم وهو تقنية تعتمد على حفر الزخارف حفرا يسيرا على أن توضع في المواضع المحفورة مواد تغاير لون الأخشاب، وكذلك ملمسها وتكاد المواد التي استخدمت في القرن 18م تكون محصورة في العاج والعظام والصدف ولكن بدءاً من القرن التاسع عشر زاد الإقبال على استخدام رقائق معدنية براقة تكون سبائكها بشكل أساسي من القصدير الذي يعطي إحساسا ببريق الصدف البحري. ومؤخراً عرضت صالة المزادات الشهيرة «سوثبي» للبيع عدة قطع من الأثاث الدمشقي يبدو واضحا أنها آلت في بدايات القرن العشرين لبعض الملاك الأوروبيين وهي جميعا من المنقولات التي كانت تزدان بها قاعات البيوت التقليدية ببلاد الشام. تقنية الكراسي ومن أقدم تلك القطع منضدة ذات قرص ثماني الأضلاع تتبع تقنية الكراسي المنشورية التي اشتهرت في العصر المملوكي وتعرف تقليديا باسم كراسي العشاء وتعود هذه المنضدة للقرن الثامن عشر الميلادي وصنعت من الخشب المطعم بالعاج والصدف وحرص الفنان في أعماله الزخرفية على تقليد النمط الزخرفي الذي كان سائدا في العصر المملوكي من ناحية التكرار المتماثل لعناصره الزخرفية. فنرى بالقوائم تماثلا كبيراً من جهة توزيع قطع العاج المضافة لتبدو في مجملها وكأنها ساق نباتية مورقة، أما الأوجه الثمانية للمنضدة فقد زخرفت بنمطين اثنين فقط جرى توزيعهما بالتبادل، أولهما يشبه رقعة الشطرنج والثاني يعتمد على أشكال المثلثات المتقابلة بداخل مربعات. أما القرص العلوي للمنضدة فهو ميدان للزخارف الهندسية التي تحيط بزخرفة نباتية تمثل المحور الأوسط وغير المتكرر في خطته الزخرفية. واعتمد الفنان في المقام الأول على المباينة اللونية بين الخشب وقطع الصدف البحري التي طعم بها القرص وجاءت زخارفه مؤلفة من إطارات تدور مع الشكل الثماني للقرص مع تنوع كبير في عناصرها ما بين المثلثات وأشكال المعينات والأشكال النجمية والخطوط المتموجة. وحدة فنية وهناك أيضاً منضدة مشابهة من القرن التاسع عشر تبدو على صغر حجمها حافلة بالزخرفة وأوجهها الثمانية مع قوائمها تمثل وحدة فنية واحدة مكررة بتماثل يشد الانتباه. ففي كل وجه نجد مربعاً بداخله كتابة كوفية تحتوي على شهادة التوحيد كاملة تعلوها أشكال محاريب وبأسفل منها زخرفة تشبه الزخارف المعمارية المملوكية المعروفة باسم «جفت لاعب» وأخيراً تأخذ المنطقة بين كل قائمين هيئة محراب مفصص وكل وجه من هذه الأوجه تمت زخرفته بالعاج المطعم. أما قرص هذه المنضدة فزخارفه تبدو فريدة في نوعها، إذ تحتل المركز فيها كتابات كوفية تنتهي هاماتها وتذوب في تكوينات زخرفية هندسية ويمكن بسهولة قراءة بعض الأسماء في هذه الكتابات، منها محمد وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة، وهو ما يشير لأنها تضم أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المبشرين بالجنة. وقد استخدم الصدف البحري في زخرفة هذا القرص بالإضافة إلى العاج. صفائح معدنية من أنفس القطع التي عرضت بصالة «سوثبي للمزادات» وحدة أدراج فاخرة أسرف الفنان في زخرفتها بالعاج والصدف، فضلا عن رقائق من صفائح معدنية من القصدير وتعود صناعة هذه التحفة إلى القرن 19 م. وتعد زخارف هذه القطعة الخشبية من الأمثلة النادرة التي تخلو زخارفها من الأشكال الهندسية، إذ اعتمد في تزيينها على زخارف نباتية خالصة من أوراق وزهور وربما كان ذلك تحت تأثير الفن التركي العثماني. ومن هذه الفترة نفسها واعتماداً على استخدام الصدف والعظم فقط في الزخرفة عرضت مرآة داخل إطار خشبي مطعم بالعظم والصدف، وهي من القطع الفنية الرائعة وخاصة الكتابة النسخية التي تضم عبارة ما شاء الله. أما القطع التي عرضت للبيع من صناعة بدايات القرن العشرين، فهي كثيرة وإن تميزت بمحاكاتها لأنماط الأثاث الأوروبي ولكن بروح شرقية خالصة، خاصة من ناحية الاعتماد على تعدد الأدراج الصغيرة والإسراف في الزخرفة بأساليب الحفر والتطعيم بالصدف والعاج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©