الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عالم المثقفين العرب مستقرٌّ إلى درجة الموت

عالم المثقفين العرب مستقرٌّ إلى درجة الموت
31 ديسمبر 2015 00:39
شذريات ساسي جبيل للكاتب والمؤرخ والمفكر التونسي هشام جعَيْط مؤلفات مختلفة استطاعت أن تثري المكتبة العربية وتشكل إضافة مهمة للفكر الإسلامي، إذ كان من أوائل المفكرين الذين اشتغلوا على الفترة المحمدية والإسلام في سنواته الأولى، وطوال مسيرته الفكرية والتاريخية، استطاع أن يزعزع العديد من الثوابت التي طالما كانت عالقة بالذهنية العربية. ولد في تونس عام 1935 ويرأس اليوم بيت الحكمة التونسي إحدى أعرق المجامع الفكرية والعلمية في الوطن العربي. له العديد من المؤلفات منها: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، بالفرنسية، 1974، أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة، بالفرنسية، 1978، الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، بالعربية والفرنسية، 1986، الفتنة: جدليّة الدّين والسّياسة في الإسلام المبكّر، بالفرنسية، 1989، بالعربية 2002، في السيرة النبوية1 - الوحي والقرآن والنّبوّة 1999، أزمة الثقافة الإسلامية 2001، في السيرة النبوية 2 - تاريخية الدعوة المحمدية 2006، في السيرة النبوية 3- مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام 2014عن دار الطليعة بيروت. لا تنتهي أيّة مدينة من بنائها الذّاتيّ وهدمها الذّاتيّ أبداً، ذلك أنّ نبضات حياتها ترتبط بالمادّة البشريّة الموجودة داخلها، وبالمدّ البشريّ المحيط بها، كما ترتبط بوتائر التّاريخ الكبرى بالمقدار ذاته، حيث المستوى السّياسيّ يثبت أحياناً قدرته على الهيكلة بصورة خاصّة. فهو قادر بقرار بسيط على تغيير المظهر الاجتماعي والمظهر المدني إلى أجل. (الكوفة، نشأة المدينة العربيّة الإسلاميّة، ص342) *** رغم كلّ هذه المصاعب، فقناعتي أنّ تجديد الفكر العربي لن يأتي من المشرق بل من المغرب المتمزّق قطعاً. فإن أمكن التّأسّف لكون النّهضة الفكريّة لم تكن في مستوى النّهضة السّياسيّة في الجناح الغربي من العالم العربي، فإنّ الاتّجاه العامّ لا يمكنه أن يتّجه إلاّ إلى الأعلى. أمّا في المشرق فقد توقّف التّقدّم الّذي طرأ في الماضي، بحيث صار يمكن اعتباره تقهقراً ثقافيّاً أكثر منه ركوداً أو التواء. يا له من تلعثم إذا ما قارنّا حالة اليوم بالفوران الممتاز الّذي ظهر في النّصف الأوّل من القرن العشرين. إنّ الاتّجاه السّلطوي للدّولة قد ضيّق الخناق على كلّ روح للنّظر الحرّ. وأكثر من ذلك، لم يلقح الفكر في المشرق مباشرة بالثّقافة الغربيّة، فآل ذلك إلى استيعاب مضطرب أو مغلوط لمكاسب الحداثة العالميّة. (الشّخصيّة العربيّة الإسلاميّة والمصير العربي، ص7). «إذا ساهم المفكّرون الحديثون في إغراق الإسلام في اغترابه، فإنّنا سنشهد دون شكّ في غضون جيلين أو ثلاثة عودة إلى تمسّك الإسلام بقواه الأكثر عمقاً. لكنّنا نسلّم حينئذ بأنّ في الإسلام طاقة تجدّد ووحدة في المصير تحتاج كلتاهما إلى الإثبات. (أوروبا والإسلام، صدام الثّقافة والحداثة، ص124). *** «إنّا نجد الآن هذه النّزعة لاستقراء التّراث بمنهجيّة حديثة في المغرب العربي. لكنّ المغرب مقلّ في إنتاجه، ومن جهة أخرى يبقى المشارقة هم المسيطرون على نبوغ اللّغة العربيّة، فيستسهلون الإنتاج والكتابة بدون تعمّق في المادّة، وعادة بدون معرفة باللّغات الأجنبيّة. وهمّهم الأكبر هو تهميشهم في الدّولة والمجتمع، فتجدهم لا يتكلّمون في نواديهم إلاّ في السّياسة المحلّيّة، أي عن أمور تافهة تخصّ الأشخاص، وهذا ما يجري كذلك في المغرب، ويقع كلّه في عالم لا حراك فيه، مستقرّ إلى درجة الموت (...). *** مؤسف أنّ الرّأي العامّ لا يقيم وزناً لهذا المثقّف بسبب أعماله، وإنّما فقط عندما يصدع برأي سياسي يستحبّه الجميع ولا يجسرون على إبدائه. (أزمة الثّقافة الإسلاميّة، ص40). *** «إنّ كلّ هذا الفضاء الشّاسع الأفريقي يمثّل إذن الغرب الإسلاميّ، وإن إسبانيا في الواقع الجغرافيّ والمناخي إلاّ جزءا من أفريقيّة. وهو أيضاً في بعض أقسامه، وقبل دخوله في بوتقة الإسلام، كان في أخذ ورد بين الشمال والجنوب، بين المتوسّط والصّحراء، وله تاريخ عريق يرجع إلى خمسة آلاف سنة في مصر، وإلى ثلاثة آلاف في المغرب. *** الإسلام طبع هذه الرّقعة بطابع قويّ ودائم، ولكن لم يكن ذلك ممكناً لولا مؤسّسات قويّة خلقت تقليداً سياسيّاً متماسكاً على مرّ القرون وإمبراطوريّة سميكة، ولولا جاذبيّة الإسلام بالنّسبة للبربر خصّيصاً. وأخيراً - وبعد تفكّك الإمبراطوريّة - لولا استعداد هذه البلدان لاسترجاع استقلاليّتها وكيانها مع البقاء داخل حضارة كبيرة كانت ألمع حضارات العهد الوسيط فيما بين العالم القديم والعالم الحديث، لمدة ألف سنة من التّاريخ. (تأسيس الغرب الإسلاميّ، ص.8-9 ) *** من البديهي أنه كلما هذَّبت أوروبا أدواتها الثقافية كلما رأت نفسها مركزاً للعالم، وكلما أشرفت على العالم بنظرتها بدا لها غريباً. ولكن في القرن الثامن عشر منع الحماس والتفاؤل والعالمية هذه الغرابة من التحول الى حقيقة محتقرة. إن العالمية كفرضية وجود ذات طبيعة إنسانية مشتركة، تطرح تساوي الطاقات الكامنة للثقافات لتحقيق ما هو إنساني، وهي بالتالي تتحول إلى نسبية. (أوربا والإسلام : صدام الثقافة والحداثة ص16) *** إن ما ينقص البلدان الإسلامية هو تحديداً ذلك النمط الإنساني للمثقف العضوي، كما جسده «علماء» العصر الكلاسيكي وما بعد الكلاسيكي. من دون شك وبسبب عقلنة السياسي وتسييس العقلاني، يبدو العالم الحديث بمجموعه صارماً تجاه صورة كهذه. لكن مجتمعاً في صعود لا يمكنه أن يتجاوز المسؤولية الفكرية لتطلعاته. *** لم توجد مطلقاً عقلانية بحتة في أي مكان، لكن وهم العقلانية البحتة ليس أقل ضرورة. لذلك يستطيع المثقف العضوي أن يحدد نفسه بقوته التكاملية، وبالوصل الذي يقوم به بين التاريخ الماضي والتاريخ المستقبلي، وبين المثال الاجتماعي والواقع الاجتماعي: لا كأيديولوجي لنظام اجتماعي معين، بل لسان حال حضارة مستقبلية . (أوربا والإسلام : صدام الثقافة والحداثة ص 91)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©