الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب العراق: النهاية المتواضعة

حرب العراق: النهاية المتواضعة
16 ديسمبر 2011 22:42
دون لغط يوم الخميس الماضي بأحد أطراف مطار بغداد الخارج عن المدينة والقريب من الطريق الرئيسية المؤدية إلى وسط المدينة، والتي شهدت أولى معارك الجيش الأميركي وهو يشق طريقه إلى بغداد قبل ثماني سنوات. وفي ذلك الاحتفال البسيط ألقيت خطب تكرم الجنود الذين سقطوا وأطلقت وعود بالالتزام الأميركي تجاه العراق وعدم تخليها عنه، فضلا عن تصريحات فضفاضة وغامضة حول النجاح المتحقق في العراق مع تحذيرات بالتحديات المستمرة. وفيما كانت الموسيقى العسكرية تصدح في المكان، أُنزل العلم الأميركي من مقر البعثة الأميركية لآخر مرة ليعود إلى مكانه الطبيعي في الولايات المتحدة، ثم كان ذلك كل شيء، لم نشهد تصريحات رنانة عن النصر المؤزر، ولا مظاهر احتفالية صاخبة وابتهاج بالنهاية، بل فقط شعور عميق بأن الحرب الحقيقة ما زالت لم تنته حتى والدور الأميركي فيها يصل إلى منتهاه. وعلى مدار الاحتفال المتواضع لم يحضر أي من المسؤولين العراقيين، وإن كان المنظمون خصصوا مقاعد فارغة تحمل بعض الأسماء على أمل وصول ممثلين عن الشعب العراقي للمشاركة في الفعالية. أحد تلك المقاعد كتب عليه اسم رئيس الوزراء، نوري المالكي، فيما علا اسم الرئيس العراقي، جلال طالباني، الكرسي الآخر، لكنهما ظلا فارغين، ليقتصر الحضور العراقي على وزير دفاع سابق وثلاثة جنرالات في الجيش العراقي عملوا عن قرب مع القوات الأميركية وسبق لهم التعبير عن أملهم في بقائها لفترة أطول. هذا الغياب الملفت للمسؤولين العراقيين جاء ليذكر الجميع بأنه رغم الاحتفال بانتهاء الحرب، فإن مغادرة القوات الأميركية إنما تأتي بسبب رغبة معظم العراقيين في رحيلهم، وذلك رغم استمرار المخاوف من عدم قدرة القوات الأمنية العراقية على مواجهة التحديات، ورغم الشكوك بشأن الوضع السياسي الهش في العراق. وقد ألمح الجنرال ليود أوستين، القائد السادس للقوات الأميركية في العراق والجنرال الأخير الذي يتولى هذه المهمة، إلى الشكوك المستمرة عندما تحدث عن الفرص التي فتحتها القوات الأميركية أمام العراقيين وإمكانية العيش بحرية وفي ازدهار، دون أن يبدو هو نفسه مقتنعاً تماماً بهذا الكلام، ليتابع تحذيره من الجماعات المسلحة التي قد تقوض المكاسب التي حققتها القوات العراقية في السنوات الأخيرة، في وقت يهدد فيه الربيع العربي بإشعال فتيل التوتر الطائفي وتغذية الخصومات الإقليمية. وقال الجنرال "أوستن" أمام مجموعة صغيرة من القوات الأميركية والأعيان داخل المعسكر: "لا شك أننا أمام تحديات كبيرة بالنسبة للعراق وجيرانه، لكن العراق لديه القدرة على الزعامة إذا انتهج الطريق الصحيح". غير أن الغموض والشك لم يقتصرا فقط على الأميركيين، بل امتدا أيضاً إلى العراقيين الذين لم يتردد بعضهم في إبداء مخاوفه من وضع البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية، وبعد انتهاء حرب خلفت أكثر من مائة ألف قتل عراقي، حيث تتواصل أعمال العنف حتى بعد تراجع حدتها في السنوات الأخيرة. ففي شوارع العراق قال معظم العراقيين إنهم فرحون لمغادرة القوات الأميركية بلادهم، وإن كان البعض أبدى انزعاجه من احتمال رجوع الصراع السياسي إلى الواجهة وانزلاقه إلى العنف. وهو الرأي الذي عبر عنه رجل الأعمال العراقي، قيس اللامي، بقوله: "آجلا أم عاجلا كان لابد أن نزيل العلم الأميركي لأنه أمر غير مقبول أن نعيش في ظل الوجود الأجنبي، لذا أنا مسرور لمغادرة القوات الأميركية، وإن كنت متخوفاً من احتدام النزاع بين القوى السياسية ورغبة بعضها في فرض أجنداته الخاصة". أما في مدينة الفلوجة السنية التي شهدت معارك ضارية بين المتمردين وقوات المشاة البحرية الأميركية في عام 2004، فقد سادت مشاعر الارتياح لمغادرة القوات الأميركية، مشوبة بمخاوف من احتمال ملاحقة الحكومة ذات الأغلبية الشيعية لعناصر من مدينتهم. وليس أدل على المخاوف والأخطار المحدقة بالعراق من الإجراءات الأمنية المشددة التي صاحبت عملية تنظيم احتفال خروج القوات الأميركية، حيث وُزعت بطاقات على المدعوين توضح أرقام المخارج والممرات التي عليهم سلوكها في حال تعرض المكان لقصف صاروخي. ورغم محاولات القادة الأميركيين إقناع نظرائهم في العراق بتمديد تواجد القوات الأميركية إلى ما بعد موعد 31 ديسمبر الحالي حتى يتمكنوا من تدريب القوات العراقية وإفساح مزيد من الوقت أمام العملية السياسية في العراق، فإن ذلك وجه برفض السياسيين العراقيين في إحدى الحالات النادرة للتوافق العراقي بعدما فشلوا في إقناع الأميركيين بضرورة خضوع القوات للقانون العراقي، وهو الأمر الذي أصرت الولايات المتحدة على رفضه. لكن مع ذلك قال وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، وهو المسؤول الأميركي الأبرز الذي حضر الفعاليات، إن الدور الأميركي في العراق لم ينته حتى بعد انسحاب القوات، حيث سيتم إنشاء مكتب للتعاون الأمني في العراق برعاية السفارة الأميركية في بغداد ويضم 157 عسكرياً لمواصلة دعم وتدريب القوات العراقية، كما ستعمل وزارة الخارجية الأميركية على توظيف آلاف المتعاقدين الأمنيين لتولي العديد من المهام التي كان يتولاها الجيش الأميركي ولا يمكن الاستغناء عنها بالنظر للوضع الخطير في العراق. وهكذا يكون الاحتفال قد أنهى بشكل رسمي الحرب في العراق ومعها التواجد الأميركي حتى قبل أسبوعين عن الموعد المحدد في الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في عام 2008، والتي تنص على مغادرة آخر جندي أميركي للتراب العراقي بحلول 31 ديسمبر الجاري، حيث ارتأى القادة الأميركيون أنه لا داعي لتمديد تواجد القوات إلى ما بعد إجازة أعياد الميلاد المسيحية بعدما منيت مفاوضات التمديد للقوات الأميركية بالفشل. ليز سلاي وجريك ويتلوك - بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©