السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشعراء: نحن القصيدة!

الشعراء: نحن القصيدة!
24 مارس 2016 13:19
«لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي»، كم مرة أراد الشُعراء شيئاً، وتجاهلنا سؤالهم عنه، فمثلاً: لماذا اختار الشاعر الراحل محمود درويش، إرادة القصيدة، لماذا إحساس الخوف المتكشف بين جنبات (أن تنتهي)، خاصةً أن التاريخ الأدبي وبكل ما يحمل من نظرياته الوجودية، لا يزال يؤمن بخلود الشعر كمظهر من مظاهر الكون. نوف الموسى (دبي) الإجابة هنا.. تستدرجنا إلى فضاءات تعريف (القصيدة).. معناها، سحرها، سرّ ولادتها، تمردها، تجردها، انكسارها، نهضتها، خاصةً أن كل شيء فيها يشير إلى الذات، إلى الإنسان، إلى خالق القصيدة، وبذلك تكون إرادة محمود درويش تلك، هي إرادة البقاء للحس الإنساني.. والاحتفاء باليوم العالمي للشعر، ليس تذكيراً عابراً، بل مهمة سامية بهدف الرجوع نحو اكتشاف الإنسانية من جديد، فهي منحى الزخم المشترك. أتذكرون ما قاله الشاعر العالمي والت وايتمان، (أنا أحتفل بنفسي، وما أظنُّه أنا ستظنه أنت. كل ذرة تعود إلى تعود إليك أيضاً). من الشرنقة إلى الفراشة الحديث إلى الشعراء في الإمارات، يقودنا إلى التأمل في سر حركتهم الكونية، بين أسراب التفاصيل اليومية، لكن المحير ليس انقيادهم لما وراء المعنى في الأشياء، بل دورة حياتهم المدهشة في القصيدة، بين تحولات الشرنقة، وصولاً إلى تكوين الفراشة. واستمراراً لحضور الشاعر العالمي والت وايتمان، في هذا المقام، وبالأخص في يوم الشعراء والشعر، فإنه عبر قصيدته «أيها الشعراء الآتون»، ترجمها سعدي يوسف، يبحث عن تبرير للقصيدة يقول: أيها الشعراء الآتون أيها الخطباء والمغنون الآتون ليس هذا هو اليوم الذي يبررني أو الذي يجيب عما أريد. ولكنكم، أنتم النوع الجديد، الوطني، الرياضي، القاريّ الأعظم مما عرف قبلاً انهضوا فعليكم أنتم أن تبرروني إني لم أكتب سوى كلمة مختارة أو كلمتين مختارتين المستقبل. إنني لم أتقدم لحظة، إلا مسرعاً إلى العتمة إنني الرجل الذي يلقي مندفعاً إلى الأمام دون توقف - نظرة عجلى عليكم ثم يشيح بوجهه تاركاً لكم أن تجلوه وتحددوه متوقعاً الأشياء كلها منكم. السفينة والمحيط لا يمكن أن تتحول المقالة الصحافية، المسكونة بالشعر، إلا إلى قصيدة. ولا يمكن أن تناقش الشعراء، بازدواجية الفكر، بعيداً عن الإيمان، بحاسة الحدس المذهلة لديهم. اقترابك إلى حدود حياتهم الوجودية، مفتاح ثمين، لتنضمّ إلى السفينة وتكتشف المحيط، المحيط الذي يذهب بنا إلى قصيدة الشاعر الراحل فهد العسكر: «تَجري السَّفينةُ في محيطٍ هَائل.. وَعُيُوننا تَرنو إلى الرُّبَّان، كَيفَ السَّبيلُ إلى النَّجاةِ ولم تزَلْ.. عُرضَ الخِضَمِّ سَفائِنُ القرصَان؟ رَبَّاهُ جار الأقوياء فانظُرْ إلى.. مَا يَفْعل الإنسانُ بالإنسان». الاسترسال في وصف الشعر، يثري السامع إلى مقصد الروح، والسؤال عن اليوم العالمي للشعر يبدو كأنه مشهد الولادة والموت لدى الشاعر، فقبل أن ينطلق الشاعر الإماراتي أحمد العسم، في تراتيله، نحو أغنية الحياة عبر القصيدة، تغنى بشيء يشبه (عاشقة الهوى)، اسم قصيدته، لأشاركه مجازياً ورود بيته، وأراقبه وهو يرويها بسكينة مُلهمة، لم أسأله مباشرة عن يومهم العالمي، كما أسموه، بل عن إحساسه بالعالم، ليقول في قصيدته: إلى أي حد ستظلين عاشقةً للهواء ظلك يدل عليك ويعطيني متابعتك أحذرك من العشب على جانب الطريق يشبه المسامير حاد ولا يرى بوضوح موسم أمطار والأجواء متقلبة خذي حذرك الأسرار تطير إذا اضطرب القلب ووقع في نهاية قصيدته بـ (أاااحمددد العسم)، لماذا التكرار المتجلي في الألف، والدال، لم أسأله وقتها، وتابعت حكاية العسم، الذي رسم هارموني العلاقة بين الشاعر والقصيدة، منبهاً المارين في حياة الشعراء، أن يحدقوا بدقة شديدة في تفاصيل حياتهم، التي يرى أنها غائبة عن الإدراك المجتمعي، على الرغم من الاصطفاف الجاد لبناء الثقافة واستثمار المثقف، مؤكداً أن اليوم العالمي للشعر، هو احتفاء يتجاوز أقوال الشعراء أنفسهم، إلى معايشة تجربة حقيقية معهم، وهم يجلسون بجانب البحر، أو يركضون على الرمل، أو يتحدثون مع أنفسهم والآخرين، حيث قال: «نادراً جداً، هو الاحتفاء بالشاعر، الذي يجب أن يهدى باقة من زخم الحضور، في الحياة الإنسانية لمجتمعه، وعلى المسؤول في المؤسسات الثقافية، أن يستوعب حجم المعرفة الوجودية التي يقدمها الشاعر، ويسعى لإثرائها، والمساهمة في الدفع بها، بقوة وزخم مذهلين. الموضوع ليس يوماً عالمياً، ولكن بحثاً في إنسانية الإنسان، وهذا بالتحديد ما يقدمه الشعراء، وهو أوج ما نحتاج إليه». واستذكر العسم، الشجرة في قصيدة الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، وأشار إلى أنه كان يتنبأ بجذور تلك الشجرة التي ستصل إلى قبره، ولذلك فإن الشعراء سكينة للروح، وبيت لكل الوطن. وأسئلتهم وإجاباتهم هي السبيل إليهم. ستسألون: كيف هي إجابات الشعراء؟ وما هي بعض أسئلتهم الشعرية؟ وعبر قصيدة «مثاقفة» للشاعر أدونيس، يمكنكم ممارسة التخيل الفطن، حول أبعاد فضاءاتهم، رغم تعددها واختلافها، إلا أنها تفوح بنفس النسق الوجودي. يقول أدونيس في قصيدته، ذات الحوار السرمدي: *من أين لك القدرة المتواصلة على الكتابة في واقع يلتهم القدرة حتى على التخيّل؟ أكتب كما لو أنني أمحو عتباتٍ، وأقتلع أبواباً. * نعرف أنك تنفر من المكان في هذا الواقع. كيف تسوّغ مأواك فيه؟ أقيم فيه كأنّي الصاعقة التي ترجّه أبداً. * قل لنا إذاً أين يطوف عقلك؟ في الأطراف القصوى، في لُجَج ما يختمر ويتكوّن، بعيداً عمّا يسود ويهيمن. * وما المكان الذي يُسمّى وطنا؟ الانزواء بعيداً إعادة دراسة الحياة الشعرية، بمنظوماتها في مناطق إنتاجها لدى الشعراء، ومساحات تفاعلها المجتمعي، أهم ما يراه الشاعر طلال سالم، مؤكداً وهو يسرد تفسيرات الدراسة البحثية، بأهميتها القصوى، معتبراً أن ما يدور في التكوين المتجدد للحياة اليومية المعاصرة، يحتاج إلى تحديث المفاهيم، دونما وضع الشعر في إطار الندوة أو الأمسية، والانتقال إلى مدارك فهم الإنسان نفسه، مشيراً إلى أن هناك، على سبيل المثال، شعراء مفتونين بفكرة الانزواء بعيداً مع القصيدة، وعيش لحظة الغربة معها. لقد حان الوقت لفهم أبعاد الحالة الاجتماعية للشعراء، وقراءة ما يمكن خلقه من رابط إنساني وحضاري واجتماعي، إضافة إلى أن المشاعر، في القصيدة، بطبيعة تركيبتها الشاعرية تحتاج إلى هدوء وصفاء؛ لأنها حالة غير سهلة، فكيف يمكن موازاة النمط السريع للحياة الآنية، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل المتلقي، لفهم هيئة بناء القصيدة من جهة، وذات الشاعر من جهة أخرى. وأضاف طلال سالم، أن مرحلة إدخال الشعر في المنطقة المحلية، إلى مختبرات علمية يديرها متخصصون وأكاديميون أصبحت ضرورة ثقافية. حالة كونية أوضح الشاعر أحمد عبيد، الحكم التاريخي، في اعتبار الشعر حالة كونية، تحتفي بها جميع الأمم، فهي التعبير المضاد لليأس، والاستحضار المذهل للتكوين الإنساني في كل تجلياته من دون هوية محددة، بل تتابعاً متقناً للتفاصيل البشرية، بمختلف تياراتها وأعرافها وأعراقها، حيث استمر أحمد عبيد في الإشارة إلى عمق التجربة الشعرية في الملحمة الشعرية، مستشهداً بالشاعر هوميروس، وهو ينطق قصة الإلياذة، وقال إنه الأعمى الذي كتب في الحب والسلام والحرب، لافتاً أن جّل ما نحتاج إليه هو استذكار القامات الشعرية، والقراءة سبيلنا الأسمى، لاكتشاف السر، في بقاء القصيدة كالفضاء الحالم، بالنسبة للبشرية، والشعر كما أوضح يشتعل تارة ويخبو تارة، إلا أنه باقٍ، مقدماً توجهه وعلاقته بقصيدة النثر، وأثرها في الأدب العالمي، مبيناً أن استمرار الندوات والملتقيات، يجعلنا نلتقي في مواعيد شعرية، تهدينا أنفسنا وذواتنا، لافتاً أنه لا يستطيع بشكل فيزيائي وملموس، بيان حالة الشاعر لكتابة القصيدة، لأنها تختلف من شخص لآخر، ولأن القصيدة لا تكتفي عادةً بالموهبة واللغة فقط، بل تتجاوز مفهوم الزمن نفسه، في حضورها بقلب الشاعر. صباح سحريّ هاجر بعيداً عن نفسه وحطّ قرب شجرة. كان كلبٌ يقبع على ضفة نهر، ورجلان يسيران تحت جبل. ومن البعيد، مرآة تعكس الشمس كانت تتحرك بمرونة في داخل كهف. أدار الكلب وجهه السحري إلى اليابسة، وعلى الفور استدار الرجلان وأخذا يسيران نحوه. وسكنت حركة المرآة. أخذ الزمن يتثاقل تدريجياً حتى انهار، كإطار سيارة منسوفة في طريقي، كنبيل مفلس يتمرّغ في قدميّ دائن. سركون بولص
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©