الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاريخ و«المستقبل الممكن»

التاريخ و«المستقبل الممكن»
31 ديسمبر 2015 00:39
كتابة: إدريس الجباري ترجمة :نسرين السنوسي «عندما يقول هشام جعَيْط: «والمفكّرون الجيّدون يعقّدون الأمور [...] بالطبع أستثني في عمق التّفكير عبد الله العروي...»، فإنّ هذا الكلام ليس من قبيل المجاملات أو الإعجاب، وإنّما هو رأي ذو طابع معرفيّ فيه الكثير من الاحترام للمفكّر المغربي الّذي خصّص له جعَيْط بضع صفحات من كتابه أوروبا والإسلام. ولا عجب في ذلك، فالرّجلان، جعَيْط والعروي، كالتّوأم متشابهان في الاختصاص والصّناعة، وبين مسارهما البيوغرافي، ومسيرتهما الفكريّة نقاط تقاطع كثيرة حاول إدريس الجبّاري إبرازها وتفسيرها في هذه المقالة الّتي لم يترجم منها إلاّ المقاطع الّتي تظهر وجوه الشّبه هذه. إنّ عبد الله العروي وهشام جعَيْط كانا بلا شكّ نتاج عصرهما الموسوم بتحوّلات اجتماعيّة عميقة، وبمناخ سياسيّ مضطَّرب. لذلك تحدّد على نحو منطقيّ تمثيلهما وظيفة المثقّف الاجتماعيّة بهذا السّياق، كما سعت كتاباتهما إلى الموازنة بين طموحاتهما والقيود الّتي أنتجتها وقائع المغرب المستقلّ. فقد أكّد عبد الله العروي منذ الصّفحة الأولى من أزمة المثقّفين العرب أنّ «المثقّف العربيّ، والثّوريّ، والمسؤول» مُدَانٌ بـ [حتميّة] الاختيار بين توجّهات لا يستطيع الأخذ بها في آن واحد: أي أن يختار بين الوظيفة البيداغوجيّة، أو الالتزام النّضاليّ في الميدان السّياسيّ، أو الإبداع الثّقافيّ الأدبيّ أو الفلسفيّ. وفي اليوم التالي لـ «مظاهرات الخبز» الّتي هزّت تونس في 1984، كان هشام جعَيْط يصوغ ملاحظة شبيهة [بما يراه العروي] تخصّ دوره باعتباره مثقّفا: «إنّي أتوجّس خيفة من أجل هذا البلد... وهذا يأتي دائماً من فقدان الذّكاء والشّخصيّة. فليتحمّل أولئك الّذين يشعرون بأنّهم مسؤولون مسؤوليّتهم. وللمثقّف مسؤوليّته الخاصّة به، مسؤوليّة أن يفكّر وأن يمنح جوهر فكره». لقد استحضر جعَيْط مفهوم المسؤوليّة ليصف وظيفة المثقّف الاجتماعيّة، ويمكن أن نضيف إليها وظيفة السَّطْوَة [العلميّة] وامتلاك المعرفة، والاستقلاليّة. ولأنّه لا يمكننا فحص كلّ مُتَغَيَّر منها بما يلزم من عناية سنركّز [النّظر] في المسؤوليّة الّتي تُلْزِمُ هذَيْن المثقّفيْن بالتّدخّل في الجدل الفكريّ، وفي الجهود والضّغوط الّتي سُلِّطَت ضدّ استقلالهما والّتي ظهرت في صلتهما بالسُّلَط السّياسيّة. وسنتبيّن أنّ تلك السّنة 1974 كانت أوج المسارات الشّخصيّة حيث اصطدمت أفكار «التّقدّم» المثاليّة الّتي تشكّلت في الخارج بالواقع الوطنيّ، بعد العودة إلى البلد الأمّ. وسنؤسّس رابطاً بين مسيرتَيْهما الخاصَّتَيْن وطبيعة التزامهما. ونرجو أن نبيّن أنّ موقفهما الفكريّ، المتجرّد من السّياسة في الظّاهر، والموسوم بـ «عدم الالتزام النّضالي» كان يسعى في الواقع إلى إعادة بناء دور المثقّف في المجتمع وصورته، مع تأكيد قدرته على إنتاج خطاب نافع. روح المجتمع.. شعاراته إننا لا نبحث في مفاهيم مجردة لا يحدها زمان ولا مكان، بل نبحث في مفاهيم تستعملها جماعة قومية معاصرة هي الجماعة العربية. إننا نحلل تلك المفاهيم ونناقشها لا لنتوصل إلى صفاء الذهن ودقة التعبير وحسب، بل لأننا نعتقد أن نجاعة العمل العربي مشروطة بتلك الدقة وذلك الصفاء. لهذا السبب نحرص على البدء بوصف الواقع المجتمعي: آخذين المفاهيم أولاً كشعارات تحدد الأهداف وتنير مسار النشاط القومي، وانطلاقا من تلك الشعارات نتوخى الوصول إلى مفاهيم معقولة صافية من جهة، ونلتمس من جهة ثانية حقيقة المجتمع العربي الراهن، رافضين البدء بمفاهيم مسبقة نحكم بها على صحة الشعارات، إلى جانب تخلينا عن لعبة تصور واقع خيالي نعتبره مثلاً أعلى نقيس عليه الشعارات، لأننا نعتقد أن أيسر مدخل إلى روح أي مجتمع هو مجموع شعارات ذلك المجتمع. عبد الله العروي كتاب: مفهوم الحرية، ص 5
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©