الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشعر.. غيمتنا ومقام حريّتنا

الشعر.. غيمتنا ومقام حريّتنا
24 مارس 2016 19:29
تحقيق - رضاب نهار ربما لا يحتاج الشّعر، وهو لغة الماضي والحاضر، إلى يوم للاحتفاء به. لكن وبينما نعيش زحمة الحياة الخانقة التي بدّلت أيامنا حتى اختفت تدريجياً أرواحنا إلى غير رجعة، صار اليوم العالمي للشعر ضرورة لا بدّ منها، لنتذكّره، لنقرأه ولنقف لحظات، ولو قليلة، مع أسماء اعتبرت علامات فارقة في تاريخ البشرية من خلال الكلمة دون سواها، لعلنا نسترجع تلك العبارات بشيء من الحنين وبالكثير من الوعي. وفي يوم الشعر العالمي، يبدو الالتفات إلى الشعراء أنفسهم بسؤال وحيد يقول: «ماذا تقولون للشعر في يومه؟» أمراً يستدعي الاهتمام والفضول، حيث جاءت الإجابات شعراً يحكي قصة حاضرهم وحاضرنا، وفي معظم الأحيان كانت ترثينا وتنعى ثقافتنا ولغتنا العربية وتنتحب لإنسانيتنا الشهيدة.. أو شذرات تحمل ما قلّ ودلّ كما في حالة الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم الذي قال: أقول للشعر في يومه: كونك تأتي في يوم «الأم»، فأنت مثلها تماماً.. لا تحتاج إلى يوم، أنت معنا في كل يوم، ونحن كذلك.. ظبية خميس: لا إخلاص للشعر الحياة تحتاج إلى الشاعرية. والأدب بحاجة إلى الشعر. في عالم هو ابن الأحداث بامتياز، ابن تطور التكنولوجيا، وسيادة المادية الاستهلاكية.. ماذا حدث للشعر، خصوصاً، الشعر العربي؟ منذ نهضة الحداثة الشعرية والأدبية التي بدأت ملامحها مع أربعينيات القرن العشرين، وتطورت مع النصف الثاني منه، ومع ولادة تيارات وتجارب شعرية حداثية راسخة، رافقتها الحركة النقدية، والتنظيرية وخلقت أسماء رواد الحداثة الشعرية، شيء ما توقف.. لا إخلاص كبيراً للشعر بين أبناء الأجيال الجديدة رغم وجود الكثير من النصوص على الإنترنت وبعض المطبوعات التي يمكننا وصف معظمها بالهزيل من باب الثرثرة الوجدانية أكثر منه الرؤيوية الشعرية، والتجديد في الكلمة والأسلوب وربما المضمون. كما لا نلمح جماعات شعرية على غرار ما حدث في القرن العشرين، من جماعات مؤسسة. بل أننا لا نشهد حتى حركة أتباع وحواريين من الشعراء الجدد لشعراء من علامات الحداثة الشعرية العربية. أيضاً فإننا لا نرى بيانات شعرية كبيانات الحداثة التي طرحت نفسها عربياً حتى ثمانينيات القرن العشرين. بلا شك أن هناك تجارب متميزة تطرح نفسها، ولكنها لا تمثل أمراً مبهراً أو مؤثراً أو خالقاً لتيارات شعرية مواكبة للحظة الزمنية الحاضرة. وهناك ملحوظة لا بد منها، فقد تراجع بعض المجددين شعرياً إلى تيار محافظ وربما تقليدي وبعضهم عاد إلى القصائد العمودية وأغراض الشعر المستهلكة. إنها عودة إلى خباء قائم متأثر بالسقوط الحضاري والسياسي والثقافي السائد حالياً في بلاد العرب. أضف إلى ذلك أن الجهات الرسمية العربية المعنية بشؤون الثقافة، خصوصاً في الخليج ممثلة بمؤسساتها، إعلامها ومنابرها وجوائزها ومهرجاناتها تغلب عليها الصيغ التقليدية والمحافظة وربما المعادية للحداثة والتجديد والتجريب الشعري والأدبي والفكري.. الشعر مقام حرية، وتثوير للرؤية والمفردة والمفاهيم. وهو ضروري للغاية لأنه ومنذ بدء التاريخ الإنساني تعبير حضاري ووجداني وعقلي عن الإنسان، عن حضارته، عن قلقه الوجودي، أحلامه، رؤيته، وتجاوزه للمكان والزمان. هناك من خانوا الشعر للأسف. المراكز، والمنابر، والقبول، والتملق، ومجرد الاستمرارية، وكذلك الفشل في التطور المصاحب لرغبة في الهيمنة القافية، قد خنق الكثير من الإمكانات الشعرية للأجيال الجديدة عبر هؤلاء. شعوب بلا شعر متجدد عبارة عن أمم محنطة روحياً ووجدانياً وإنسانياً. أنظر إلى الشوارع العربية اليوم، يافطاتها ولغة الأجيال الشابة وطريقة الحوار.. ماذا تسمع؟ ماذا ترى؟ ماذا تفهم؟! ستجد الكثير من التقليدية، تعثر اللغة، تخبط المفاهيم، وعجمة الكلام والكتابة والتسطح المعرفي والعلاقة المرتبكة باللغة العربية، وربما النظرة الدونية لها من فئة المتعلمين الذين يفضلون اللغات الإنجليزية والفرنسية أو حتى الصينية. الشعر روح تتبع الجسد. والشعر المثقف والمتجاوز والمجدد والمبدع هو شعر نخبوي يقتضي التأصيل المعرفي واللغوي والحساسية الوجدانية والروحية. أمة بلا شعر هي أمة محنَّطة. كريم معتوق: سلام وقبلة مرحبا يا أيها الشعر.. معي ما زلت تلك الغيمة المشاغبة، ولك الشكر لأنك مع سبق الإصرار جعلت حياتنا أجمل، شكراً لأنك القدر الذي اختص به الله البشر، فالحيوانات تتزاوج وتأكل وتشرب وتنام وتفرح وتحزن مثلنا تماماً، ولكنها لا تقرأ الشعر أو تكتبه، ولا تحفظ الشعر الجميل وشعر الحكمة، ولا تكتب الهجاء حين تغضب، ولا ترسل قصيدة معطرة لمن تحب. أيها الشعر لم ينصفك الشعراء حتى وإن أقاموا لك يوماً في العام للاحتفال بك، ولم تنصفك مؤسسات النقد العربي التي لم تفكر يوماً بوضع بيتاً من الشعر على العملات، ولم تتطوع هيئات البريد لكي تضع بيتاً من الشعر أو على طوابع البريد، كلنا ظلمناك واحتملتنا، وعاديناك وأحببتنا، وهجرناك ووصلتنا. أقول لك شاكراً على ما قدمت لي، فقد قدمت الكثير: كم مر علي الحزن، وبددته عني حين احتميت بك، وكم آنستني بغربتي أيام الدراسة، فلم تكن وسائل الترفيه قادرة على حمل حزن شاعر مغترب، واكتفيت بك مبدداً لبرد الغربة ومقرباً للأحبة رغم بعدهم، وكم حولت الحنين حين لجأت إليك إلى صور شعرية مفرحة، وحولت الدموع إلى موسيقى عذبة، فلا بد لي أن أشكرك بصفتك الشخصية التي لم يصل أحد من قبل إلى تعريفها، لقد كان سرك العظيم أننا نعرفك ولا نستطيع أن نعرفك بكلمات.. من أنت أيها الشعر؟ وكيف تملك هذه الهلامية رغم تجسدك بيننا متجلياً، كيف أنت أيها الشعر؟ ورغم إدراكنا كنهك، كأنه روح ولكن أمرها ليس عند أحد، أيها الشعر سلام من الروح عليك وقبلة. عادل خزام: دواء للبشرية يقف الشاعر اليوم على حافة العالم، وينظر ليرى معنى هذا الوجود، حيث السؤال عن الإنسان يكبر كلّما حدّق في مصيره المقبل. ولا تبدو في الأفق إشارات ناجعة لمداواة روح البشرية أكثر من حاجتها الماسة إلى الشعر وإلى وجود الشعرية في تعاملاتنا الحياتية حتى العادية منها. الشعر هو رؤيا فائضة للعالم ورؤيا إضافية تعطي الوجود نكهة خاصة. تعطي الأشياء الجامدة حيوية. كل قصيدة يقولها الشاعر اليوم تمثّل دفقاً ونهراً جديداً لخيال الإنسان الذي أصبح بحاجة لأن يطلق العنان لروحه ولبصيرته ولأفقه. وليس هناك من أحد قادر على بث الحياة في هذه الأشياء سوى الشاعر. وعندما نجدد في الكلمة ونبث في الحرف الروح. فإن هذا يشحن الإنسان بطاقة فائضة من الجمال ومن القدرة على استخلاص المعاني الصادقة والعميقة. في يوم الشعر العالمي يبدو الشعراء وكأنهم في كوكب آخر بعد أن سبحت مراكب جديدة إلى بحورهم. والتفتت البشرية إلى زوايا أخرى قد لا تكون نابضة بالشغف وبالحب. لذلك أعتقد أننا عندما نعيد الحفر في المياه الراكدة، نحتاج إلى معول الشعر لكي ننهض من سبات ومن غفلة تحاصرنا.. الشعر يتحكم بمفاهيم عصية على كثيرين، من بينها فكرة الهدم من أجل البناء وتأسيس علاقة بين الإنسان وما حوله من الطبيعة ومن أشكال الحياة، ويمنحها بعداً ثالثاً. لو نهض الشعر من جديد اليوم، والتفتت المؤسسات والدول من خلال قصائده إلى تعزيز السحر والجمال بين الشعوب، لكان هذا كفيلاً بإشاعة السلام. لكن بالمقابل، فإن الشعراء مطالبون باقتراح سبل جديدة في نصوصهم. لا نريد من الشعر أن يكون مجانياً أو أن يُختصر في المديح وفي الأغراض العادية. نريد الجنوح الكبير ونريد روعة الكلمة ونريد انزياحات جديدة في بناء الجملة الشعرية لأجل تطويرها، حتى نستطيع إعادة رونقها ومنحها دلالاتها التي يمكن أن تغيّر مفهوم العالم. نجوم الغانم: نفتقد الشعر الحقيقي الشعر في الحياة ليس فريداً إلى هذا الحد، ولكن الحياة في الشعر هي الأكثر جمالاً وأناقة وسحراً وفرادةً. وأن تكتب الشعر ليس بالأمر المفارق للعادة، ولكن أن تتمكن من ملامسة وجدان الآخر هو الشعر بحد ذاته. لا أعرف إن كان ما يكتبه الشعراء اليوم ما زال يُعد شعراً أم لا. لقد أصبح الشعر هو الأقل بريقاً بين العديد من الأشكال الإبداعية لأنه يفتقد لوجود الشعر الحقيقي فيه ولكن يكفي أن هناك مازال من يحاول أن يخلق فرقاً بأفكاره وقدرته على إبداع المختلف، ومازالت هناك فرصة العودة لأجمل الشعر في العالم والاستمتاع بإعادة قراءته وبما كُتب ويُكتب عنه. ويكفي أن الذاكرة الطاغية عن أي نص متميز ترتبط بمدى شعريته. عندما يُعجب المرء بعمل ما، عادة ما يبحث فيه عن الخصائص التي جعلته يعشقه. وحين تخونه الكلمات يقول عنه أنه مملوء بالشعرية أو هو استثنائي للغة الشعر فيه حتى وإن كان هذا العمل نصاً آخر أو شكلاً إبداعياً من مدرسة بصرية أخرى. الفن القادر على الاختراق يُمتدح بإمكانياته الشعرية الغنية. بالنسبة لي شخصياً الشعر محرّض على الأسئلة المتعلقة بحواس الأشياء وطاقاتها وغموضها، اللاممكن فيها واستعصائها على الامتلاك. إنه المرادف الرصين للموسيقى، وهو الباعث على الجمال. ولا أقصد هنا الجمال بالمعنى المادي أو الفيزيائي، وإنما بالمعنى المعنوي أو الروحي. الموسيقى هي أقصى درجات الإبداع وكذلك الشعر الحقيقي. كلاهما يحاول أن يصل إلى عمقٍ ما يستعصي على القبض وحين يصل الشعر إلى عمق الموسيقى فإنه يكتمل في جماله ويصل إلى ما يمكن تسميته بفلسفة الزن «الروعة والعمق المذهل في البساطة». سنبحث في الآداب والفنون والطبيعة والفلسفة عن الشعر لأنه يجعل الحياة أجمل وسنبحث عن الحياة فيه لأنها حينما تتجلى فيه تجعله يتغلغل في الروح أكثر وأكثر. وسأقول تحية للشعر دمت سالماً ومتجدداً. جمال علوي: الشعر بخير.. وسيبقى لا حاجة للشعر ليوم يحتفي به.. لكن وجود يوم عالمي للشعر، هو بمثابة التقدير والتذكير.. فالحياة اليومية بظروفها الصعبة والمعقدة، قد جعلت الشعر منسياً، أبعدتنا عنه بينما أصرّ هو على الحضور الدائم.. هو معنا في جميع لحظاتنا، ونعيشه خطوة خطوة دون أن ندري أو ندرك الأمر.. وللإجابة عن سؤال «هل الشعر بخير؟» أقول: نعم. بالتأكيد. الشعر بخير لكننا نحن الذين تغيّرنا. الشعر باقٍ إلى الأبد. وتراه لا يتغير أبداً. سيبقى طالما تشرق الشمس، وإن غابت، سيطلع مع القمر.. فراق أَمّا الفِراقُ فَإِنَّهُ ما أَعهَدُ هُوَ تَوأَمي لَو أَنَّ بَيناً يولَدُ وَلَقَد عَلِمنا أَنَّنا سَنُطيعُهُ لَمّا عَلِمنا أَنَّنا لا نَخلِدُ وَإِذا الجِيادُ أَبا البَهِيِّ نَقَلنَنا عَنكُم فَأَردَأُ ما رَكِبتُ الأَجوَدُ مَن خَصَّ بِالذَمِّ الفِراقَ فَإِنَّني مَن لا يَرى في الدَهرِ شَيئاً يُحمَدُ المتنبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©