الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميشال بوتور: الكلمات شرنقتي

ميشال بوتور: الكلمات شرنقتي
24 مارس 2016 13:18
حوار - مارين لاندرو ميشال بوتور... شاعر، روائي وباحث فرنسي بارز، ولد في 14 سبتمبر 1926 في إحدى ضواحي مدينة ليل الفرنسية. عمل مدرساً للفرنسية في الخارج، تحديداً في مصر، ومدرساً للفلسفة في المدرسة العالمية في جنيف خلال الخمسينيات. بعد ذاك بدأ عمله الجامعي كأستاذ للآداب، بداية في الولايات المتحدة الأميركية، ثم في فرنسا في جامعة نيس غير أنه أنهى حياته الأكاديمية في جامعة جنيف التي تقاعد فيها العام 1991. عرف على نطاق واسع كروائي، وعلى وجه الخصوص برواياته: «التغيير»، «درجات» (1960) و«المتغير» (1962)، بعد أن حاول في روايته الأولى أن يوفق بين الشكل التقليدي للرواية وإرادة تصوير العالم المعاصر، ارتبط بجماعة «الرواية الجديدة»: ناتالي ساروت وآلان روب غرييه وكلود سيمون. اختار أشكالاً جديدة تجريبية، بدءاً من «المتغير» التي أبدعها عبر كولاجات متعددة (انسيكلوبيديا أميركية، وصف السيارات، قصاصات صحفية) محاولاً تحليل واقعة الولايات المتحدة المثيرة للدهشة. هذه الإرادة للتغيير تظهر دوماً في نتاجاته التي تتعلق بالرحلة (سلسلة: عبقرية المكان)، حكايات الحلم (مواد الأحلام)، أو مساهماته المتعددة مع الرسامين والفنانين المعاصرين (التي ضمنها في سلسلة «توضيحات»)، هذا العمل مع الفنانين انتهى إلى تأسيس جانب جديد من التدخل الأدبي بمقاربته «على» و«مع» ثم «في» الرسم. نصه الأول (كان عن ماكس ارنست في 1945) أفضى إلى عدد لا يحصى من النتاجات التي تستوضح مفهوم النتاجات المتشابكة. منذ أربعين عاماً يحيا ميشال بوتور في الفضاء الشعري، بالمعنى العريض للكلمة، مع مقاربة روائية. في الوقت الحاضر، يعد أحد أبرز الشعراء الفرنسيين الأحياء. * نحن جالسون في مكتبك، وما يثير الدهشة، هذا الصمت المطلق... ** اخترت وزوجي هذا البيت لاعتبارات سمعية. في الجبل، الضوضاء تصعد من السفح. إذا كنا على المنحدرات، نجد أن الطرق تمثل الزمام، نسمع السيارات تغير من سرعتها لكي تنعطف، وهذا يعتبر إزعاجاً سمعياً. في هذا البيت، لا أسمع الضوضاء الطبيعية. الرياح تداعب الأشجار، تدفق المياه، ضحكات الأطفال في ساحة الاستراحة، أغاني العصافير، أجراس الكنيسة. أنا في حاجة إلى الصمت، لأنني أصبحت، مع الزمن، حساسا. فقدت شيئا من حاسة السمع، ولكن بالمفارقة، على امتداد السنوات، الكتابة نبهت إدراكي إلى كل ما يحيط بي، وأنا في حاجة لكي أكون «على انفراد»، كما يقول اسم هذا المنزل. هذب التصوير الفوتوغرافي من إدراكي البصري. فيما قبل، زمن الأسود والأبيض، كان المصور يفهم ما تؤول إليه الصورة حينما يغيب اللون عنها. منذ ذاك، نجحت في تحليل دور اللون في داخل ما أراه. الرواية الجديدة، بالنسبة لي، مدرسة النظرة، لكي نستطيع تصوير الأشياء بصورة جيدة، اهتممت بمتابعتها بدقة بالغة. ثم، حينما أكتب عن الموسيقى، أهتم بالطريقة التي تجعل الكلمات ترن، والتي تجعلني أسمع ضوضاء العالم. مما يعني أنني أدرك الواقعة بنفاذ بصيرة خاص للغاية... تواصل عبر الشفاه * هل يأتي ذلك من والدتك، التي كانت صماء؟ ** أصبحت والدتي صماء خلال آخر ولادة لها. مثل هذا بالنسبة لي خسارة كبيرة، ألما عظيما. وكان أحد أسباب كوني لم أتابع دراسة الكمان، لأنها لا تستطيع الاستماع إلى عزفي. كانت تعاني من الصمم الكلي. العصب السمعي لا يستجيب. ولذا تعلمت قراءة الشفاه. جدتي، التي لم تقبل صمم ابنتها، لم تشأ أبدا أن تلفظ الكلمات بوضوح. في كل مساء، تكتب ما جرى خلال اليوم لأمي، التي كانت تغتاظ بشكل مدهش ولا تقرأ شيئاً. خلال سنوات، كنت أنام وأنا أرى – من خلال بابي الموارب – هاتين المرأتين اللتين لم تنجحا في تحقيق التواصل، ودوما كان لقاءهما ينتهي بالدموع. وكان هذا أمراً مهماً في طفولتي. بالمقابل، كانت قراءة الشفاه ناجحة للغاية مع أطفالها. يلزمنا نطق الكلمات بوضوح، ولم نكن في حاجة إلى التعبير عنها. بالتالي، حينما يتحدث الآخرون فيما بينهم، حققت مع والدتي حوارات صامتة مثيرة للدهشة. جهزني نطق الكلمات بوضوح لدوري كمغن منفرد في النتاجات الموسيقية. * ماذا تحب في دور المغني المنفرد؟ ** أن تكون في قلب الأوركسترا، وبالتالي الاستماع إلى الموسيقا بصورة مغايرة عن الجمهور. على وجه العموم، خلال الكونشيرتو، الموسيقيون على الخشبة والجمهور، الجالس قبالتهم، لا يسمع سوى من جانب واحد. الموسيقا تأتي من الأمام. وهكذا بالنسبة لموسيقا الأوركسترا، تأتي الموسيقا من جميع الجوانب. الموسيقا سؤال فضاء. بالنسبة لي، إنها اختلاف كبير. أحب الموسيقا أكثر من أي شيء آخر. أعظِّم من شأن جون - سيباستيان باخ. هذا الرجل العجوز يمنحني الطاقة. وأنا في حاجة إليها، الآن. وبذا أستمع إلى غنائياته Cantates، الواحدة تلو الأخرى. * تحب أيضاً قراءة أقسام القطعة الموسيقية، كما تقرأ كتاباً... ** علمني صديقي الشاعر جورج بيروس قراءتها. لم يكن عازف بيانو ماهرا، بقدر ما كان «فكاك رموز» رائعاً. جعلني أغني غنائيات شوبرت، وميلوديات دوبارك. كنا قارئي نصوص في غاليمار. وسط هؤلاء الباريسيين، كان مختلفا عنهم. وأنا نفسي، لم أكن مرتاحاً بينهم. بين شباب ضائعين، تلاقينا، ولم يفارق أحدنا الآخر أبدا. بعد ذلك، جعلته يقرأ مخطوطاتي. يشير إلى أخطائي برصانة. كان دائماً على صواب، وهذا أمر استثنائي. لم أجد قارئاً مثله. * كتبت كثيراً من الكتب. ما الذي دفعك لكي تكون غزير الإنتاج هكذا؟ ** أنا في حاجة إلى شرنقة من الكلمات كي أحمي نفسي من العالم الخارجي. لا أكتب كي أكون معروفاً. فضلاً عن ذلك، يقال عني دائماً أنني «غريب مشهور» أو «أثر هامشي». أكتب كثيراً على مدار مقابلاتي الكثيرة. كتبي «مزيج مركز» من الصداقات مع الناس، الأحياء والأموات. شغفت بمصر * قمت بالتدريس كثيراً في الخارج، في مصر، في اليونان، في انجلترا، في الولايات المتحدة... أي البلاد شغفت بالتدريس فيها؟ ** في مصر، خلال السنة الدراسية 1950-1951. كانت السنة الأخيرة في حكم الملك فاروق. كان هناك وزير للتربية محباً للفرنسية (طه حسين، المترجم)، الذي حاول أن يضع الفرنسية على قدم المساواة في التعليم الثانوي المصري. وقتذاك، كانت مصر واقعة تحت الانتداب البريطاني. وكان جميع المثقفين يحاولون التحرر من هذا النفوذ وتعلم الفرنسية كان إحدى صور الحرية. ولهذا، استدعت مصر عدداً كبيراً من شباب المعلمين الفرنسيين. وجدت نفسي في مدينة صغيرة على بعد مائتي كيلومتراً من القاهرة، في فصل من ستين تلميذاً ذي بنية جسمانية أكبر مني ولا يعرفون كلمة فرنسية واحدة. فجأة، تواصلت معهم عبر السبورة. رسمت وارتجلت أساطير مكتوبة. لم يسع جزء كبير منهم الفهم، كانوا ثائرين. وكان الأمر شاقاً. بيد أني تعلمت أن أرتاد أنماطاً جديدة من التعبير سوف تصبح مع الوقت ألعاباً فنية. لا عاصمة للثقافة العالمية * واجهت مبكراً صعوبات في التدريس... ** واجهتها في فرنسا قبل مصر ! أزمة التعليم في بلدنا قائمة منذ فترة طويلة، وليست بالشأن الجديد، كما تعرفين! للأزمة جذور عميقة، ولا أعرف كيف سيتم حلها. أنها مشكلة عدم ملاءمة المناهج التعليمية، منذ الحرب العالمية الثانية... بعد الحرب، انقسم الشعب إلى قسمين. لم يكن لدى الناس الذين عاشوا ما قبل الحرب أي فكرة عن ما انتهت إليه: إغلاق هذه الصفحة المؤلمة ومحاولة العيش كما كان الحال في عام 1937. بالتأكيد، لم يكن الأمر يسيرا. ثم هناك الشباب مثلي، الذين خرجوا من الحرب وهم يعرفون جيداً أن الامبراطورية الفرنسية زالت، أن الامبراطورية الفرنسية كذبة. من اللازم الذهاب إلى هذه الفترة للبحث عن أصل أزمة التعليم. اليوم أيضاً، تمثل العالم عبر التعليم تمثل بعيد عن الواقعة. لم يفهم الفرنسيون جيداً أن زمن الامبراطورية الكولونيالية الفرنسية انتهى بما أن باريس، عاصمة الثقافة العالمية، انتهت. وجدوا إجابات وهمية. قال البعض إن عاصمة الثقافة منذ الآن فصاعدا نيويورك. قال بعض موظفي الثقافة إن برلين عاصمة الثقافة اليوم. ولكن هذا كله خطأ. لا توجد عاصمة للثقافة العالمية! أو بالأحرى، هناك الكثير من العواصم. حتى وأن لم يفهم السياسيون اليوم هذه المسألة. منذ سنوات، هناك إصلاحات تعليمية، بيد أن الجامع المشترك يتمثل في عدم وجود أي إصلاحات. ببساطة ليس المطلوب تغيير ما كان الحال عليه العام الفائت. لا، من الضروري تغيير القاعدة الموجودة... منذ ما يقرب من مائة عام. * كنت رائداً مع «باعث»، كتابك - كولاج حول الولايات المتحدة، الذي يتبدى بكونه محققاً اليوم على الحاسوب. ما هي نظرتك إلى الكتاب الرقمي؟ ** أنه ركيزة جديدة ذات إمكانيات خارقة! نحيا أولى محاولاته... لو كنت شابا، لاهتممت به. أريد أن تكون الكتب الرقمية شكلاً جديداً من كتب الفنانين. في الوقت الحالي، للأسف، الهاجس، النجاح في ابتكار «اللوح الرقمي» الذي يشبه نوعاً ما الكتاب الورقي، مع تحقيق التصفح... من اللازم التقليد، من اللازم الابتكار! الابتكار الرقمي يثير الخوف. لا نصل إلى إدراكه، إلى العمل به، إلى استكشافه كشيء جديد للغاية، وهذا خطأ. تهتم المصارف وأوساط رجال الأعمال بهذه الأجهزة الرقمية. على وجه العموم، هؤلاء الناس لا يفهمون ما اخترعوه، لأنهم على وجه العموم يمتلكون شيئاً تافهاً من الحساسية. يهتمون بتحقيق قدر بسيط من المال، وهذا كل ما يريدونه، ولذا لا يحاولون أبدا التفكير في ما بين أياديهم. * للشعراء ربما دور يقومون به... ** بالطبع ! هناك شعراء يرشدوننا إلى داخل هذه الأراضي الجديدة. مثلاً «تويتر» مائة وأربعون حرفاً، قيد عروضي جدير بالاحترام، مثل السوناتا في القرن السادس عشر. بالتأكيد، قليل من الناس قادر على تحقيق أشياء مهمة منها، كما أن قلائل قادرون على تحقيق سوناتات مثيرة للدهشة، من بين الملايين التي كتبت على مدار تاريخ الأدب. * حتى أنك لم تهجر أبدا بطاقاتك الشهيرة في المراسلات البريدية... ** اهتممت بالبريد الإلكتروني منذ عامين، في الخامسة والثمانين من عمري، واستعمله قليلا. أفضل بالتأكيد بطاقاتي الجميلة القديمة. البريد الإلكتروني لا يمكن لمسه، أحب لمس الرسائل. كما أحب لمس الكتب لكي أعبر لها عن محبتي واحترامي. حينما كنت صغيراً، في كل عام، كنت ووالدي ننظف الكتب، وأحببت كثيراً هذه الاحتفالية. كانت كتب جول فيرن وولتر سكوت ينظر إليها ككتب أطفال وأن من الممكن قراءتها من دون تحفظ، ولكن روسو ومونتسكيو، من الواجب الحذر لما نزيل الغبار عنها! قصائد من ميشال بوتور فحم القلب زعفران هي ذي سحب ورمال تنزلق بين شفتي هي ذي تفتحات وتوهجات تداعب لساني هو ذا شعور وشعلات تجري في عروقي هي ذي نداءات وأصداء تجتاح أنفي هي ذي وعود شعوب المستقبل التي تتفجر جسدا بعد جسد. *** شبكة خلف القضبان نلمح صورة تنتظر فتاة تلميذ سجين خلسة في الليل الهابط يمضي خطاب ريشة عصفور أبي زريق مفتاح الأرياف. *** نيران البطاقات تمنح السيدة الخادم وردتها يا للطيش! عين الملك تطقطق تحترق لحيته في مواقد القصور رماح متوقدة فحم القلب سمراء ذهبية أعشاب النفل تحت الرماد. *** رحال أخيرا جاء غير أنه رحل ثانية فجأة وأخيرا في فراشه ولكن يحركه موليا اهتماما بالأثاث والكتب لكي يرتبها بصورة أخرى من جديد في قطار العالم كي ينقله إلى أغنية جديدة. *** مفاجأة بالتأكيد قابلته هذا الشخص يسألني بوقاحة كأننا صديقين حميمين مكار يدندن في لحيته يريد أن يخرب تصفيفة شعري ساكنا مرايا وصمتا عاملا على أن يجذبني إلى ملاءاتها والآن، محميا بالشرف ولكن عندما ينام ميشال سألاقيه تحت النافذة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©