الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الساحة الفلسطينية·· دماء مستباحة واستنزاف قوى

2 يونيو 2007 02:16
معين أحمد محمود: أقل ما يمكن أن يقال عن الدماء المستباحة في قطاع غزة، أن ما يحدث هو نوع من الصراع العبثي، لا سيما أن الصراع على السلطة يدور بين أكبر حركتين سياسيتين على الساحة الفلسطينية هما حركتا ''فتح'' و''حماس'' في وضع مزر، لا سلطة فيه إلا للاحتلال، حيث لم يتم نيل الاستقلال ولا إنجاز مهام التحرر الوطني، الأمر الذي يقدم خدمة مجانية لاسرائيل، فهو يدعم ادعاءاتها بشأن عدم نضج الفلسطينيين للاستقلال، أو لإدارة شؤونهم، مما يسهل عليها عدم تنفيذ الاتفاقيات مع الفلسطينيين والتملص من التسوية بدعوى انعدام الثقة بأية تسوية أو اتفاقيات مع الفلسطينيين· ولوضع النقاط على الحروف يكفي أن نشير إلى ما جاء في تقرير ''مركز الميزان لحقوق الإنسان'' في قطاع غزة الذي أشار إلى حصيلة ضحايا الفلتان الأمني في القطاع الذي أودى بحياة 18 فلسطينياً في يوم واحد الثلاثاء 15 مايو الذي وافق يوم النكبة ''يوم اغتصاب فلسطين''· ويشير تقرير ''الميزان'' إلى أن حصيلة هذا الاقتتال العبثي في الساحة الفلسطينية خلال الربع الأول من العام الجاري 2007 فقط بلغ 1065 شخصاً، بينهم 147 قتيلاً، ما يزيد على حصيلة العام 2004 بثلاثة أضعاف، كما يزيد عن حصيلة العام ،2005 وهو من الأعوام التي شهدت تصعيداً في الفلتان الأمني، مما يعني أن حصيلة ضحايا الربع الأول من هذا العام بلغت حوالي نصف حصيلة العام المنصرم بأكمله، أي أن عدد الضحايا الذين سقطوا تضاعف حسب ما جاء في تقرير مركز ''الميزان'' لحقوق الإنسان في قطاع غزة· تهديد الأمن فلماذا يتجدد القتال في هذا الوقت بالذات ولمصلحة من يتم إعادة الأمور إلى مربعها الأول، مربع الحرب والاحتقان الذي سعى الفلسطينيون من خلال فصائلهم المختلفة للخروج منها عبر اتفاق مكة المكرمة؟! هذه الأحداث المؤسفة يجب ألا تمر مرور الكرام بدون محاسبة المتسببين والضالعين فيها أو المحرضين لها لأنها محاولة لإذكاء الفتنة بتصرفات أعادت الأجواء إلى مربع الحرب بعدما استطاعت الفصائل الفلسطينية تنقية هذه الأجواء عبر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية· هذا الاقتتال المجاني في صراع على سلطة وهمية ينبيء بإفلاس الحركة الوطنية الفلسطينية، ومرّد ذلك لمبالغة هذه الحركة بالعسكرة وغياب المرجعيات السياسية والقيادية، بالإضافة إلى تغييب المؤسسات، وضعف التقاليد الديمقراطية، وغياب استراتيجية سياسية مشتركة· في هذا السياق لابد من الإشارة إلى أنه بات من الصعب السيطرة على الوضع داخل قطاع غزة، بسبب تداخلات إقليمية وإسرائيلية وجماعات أصولية تعتاش وتنمو على حساب الخلاف بين ''فتح'' و''حماس''، حيث بات الشارع الفلسطيني يشهد ظواهر غريبة عليه من نوع ''جيش الإسلام'' و ''القاعدة'' و''الجماعة السلفية''، كما انتشرت المافيات الأمنية والعائلية حيث تمارس هذه الجماعات نشاطاتها خارج القانون لحسابها الخاص غير عابئة بالمصلحة الوطنية العليا!! لعل من المضحك المبكي في آن أن نجد كلا من كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام اللتين تقاسمتا عبء النضال المسلح ضد الاحتلال الصهيوني، قد ذهبتا نحو التهدئة والهدنة مع الاحتلال الصهيوني، في الوقت الذي تمضي فيه نحو دوامة المواجهات مع أخوة السلاح، الأمر الذي يضيّع إنجازات المقاومة ويهدر تضحياتها ويفقدها قدسيتها وعدالتها· إن تطور الأوضاع بين'' فتح'' و''حماس'' بهذا الشكل غير المسبوق أمر من غير المقبول على الساحة الفلسطينية، ولذلك فإن محاولات التبرير والاتهامات المتبادلة بتعطيل حكومة الوحدة الوطنية وبإذكاء الفتنة، هي محاولات انصرافية وغير ذات جدوى لأن المسؤولية تحتم على الطرفين أن يترفعا عن الصغائر والمكاسب الحركية الخاصة التي تجر الشارع الفلسطيني إلى حرب أهلية تدمر الأخضر واليابس ولا يستفيد منها إلا العدو الذي يتربص بالجميع· إن قادة ''فتح'' و ''حماس'' ملزمون أمام الرأي العام الفلسطيني والإقليمي والدولي بالسيطرة على عناصرهم المسلحة سواء كانت التابعة لكتائب شهداء الأقصى أو القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية ومحاسبتهم لأنه قد وضح جلياً للجميع أن هذه العناصر هي المسؤولة عن تهديد الأمن الوطني الفلسطيني بالتصرفات التي ظلت تقوم بها من وقت لآخر، والتي أضرت بالقضية الفلسطينية برمتها· ومما لاشك فيه أن تجدد القتال بين عناصر فتح وحماس وبالتالي تجدد الحرب الكلامية بين القادة السياسيين أمر يؤسف له في ظل هذا الوضع الذي يسعى الجميع سلطة وحكومة وفصائل ودولاً شقيقة وصديقة للخروج من دوامة الأزمة التي لازمت الفلسطينيين خلال الفترة الماضية، خاصة وأن الجميع قد تفاءلوا خيراً باستئناف باتفاق مكة المكرمة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ولذلك فإن تجدد القتال يمثل نذير شؤم للجميع ورسالة سالبة بإمكانية إعادة الأمور إلى مربعها الأول· تجاوز الأزمة إن تجاوز هذه الأزمة الطارئة مسؤولية جميع الفصائل خاصة '' فتح'' و ''حماس'' واللذين يتطلب منهما إدراك حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهما باعتبارهما أكبر فصيلين بالساحة الفلسطينية وأن الأمر يتطلب ضبط النفس والسيطرة على أي انفلات من الفصائل وإيقاف أية مواجهة مسلحة بالحسم اللازم، فليس من المعقول ولا المقبول عرفاً ولا قانوناً أن يصل الموقف بين الأخوة إلى مثل هذا الدرك السحيق من العداوة والاقتتال، وإن الفلسطينيين بهذا الموقف حققوا ما عجز عنه العدو المشترك الذي ظل يتربص بهم طيلة الفترة الماضية · ومقتل أكثر من 49 فلسطينياً بأيد فلسطينية في اقل من تسعة أيام جريمة مسؤولة عنها جميع القيادات الفلسطينية سلطة وحكومة وفصائل، وإن تبادل الاتهامات وإلقاء اللوم غير ذي جدوى، لأن الموقف أصبح خطيراً وينذر بعواقب وخيمة، وإن استغلاله من قبل فصائل في''فتح'' أو ''حماس'' سيؤزم الأمور أكثر خاصة في ظل الاحتقان الماثل حالياً· لقد تعدى الموقف الراهن بالأراضي الفلسطينية كل الخطوط الحمراء في العرف الفلسطيني والعربي وأصبح من المستحيل السكوت أو التفرج عليه، وهو يؤكد أن قادة ''فتح'' و''حماس'' قد تخلوا عن مسؤوليتهم تجاه شعبهم واتجهوا لتحقيق مكاسب خاصة يرفضها جميع أفراد الشعب عبر القتال الذي امتد أثره وشمل الجميع· ولكن يبدو أن هناك فئة نافذة سواء كانت في'' فتح'' أو ''حماس'' لا تريد أية مصالحة وطنية، وتعمل على عرقلة كل اتفاقات الهدنة ووقف القتال التي رعتها فصائل وشخصيات مستقلة وإن مواقفهم هذه ستقود فلسطين إلى كارثة· فلا يعقل أن تعلن الحركتان ''فتح''و''حماس'' الهدنة أمام الجميع ثم تخرقانها، حتى قبل أن يجف مدادها، وتؤججان الوضع المتأزم أصلا من جديد لتحقيق أهداف خاصة بهما· والشعب الفلسطيني ظل يلوك الصبر من أجل وقف هذه الجريمة التي ترتكب باسمه· إن اتفاق مكة المكرمة يجب أن يكون البداية الجادة الحقيقية للتوصل لإجماع وطني فلسطيني، وإن ذلك لن يتحقق إلا بوضع أسس ولوائح ملزمة تمنع القتال الفلسطيني الفلسطيني، وتحاسب من خلالها الذي يخرق اتفاق الإجماع الوطني والا فإنها ستكون مثل غيرها من المبادرات التي برهنت أنها قاصرة في حل الأزمة· إن مثل هذه الجرائم تظهر الفلسطينيين وكأنهم عاجزون عن مواجهة مشاكلهم الداخلية أمام الرأي العام المحلي والدولي، وبالتالي تؤثر تأثيراً سلبياً واضحاً على الموقف الفلسطيني أمام إسرائيل التي استغلت الوضع، والتي تستطيع الآن أن تقول للعالم أنه لا يوجد من نتفاوض معه ولا يوجد أيضا من يستحق أن نعطيه شيئاً· تمرد ضد القضية مما لا شك فيه أن ما يحدث بغزة هو تمرد ضد القضية الفلسطينية ومحاولة يائسة لوأدها ولكن للأسف بأيد فلسطينية، وأنه ليس اقتتالاً داخلياً وإنما هو أعمق من ذلك وإن المسؤولية في استمرار هذا الوضع الشاذ تقع على عاتق الجميع سلطة وحكومة وحركات وفصائل فلسطينية، فالجميع مدانون لعجزهم عن مواجهة هذا الموقف الذي يجب إلا يستمر· هذا الموقف الذي زاد الفلسطيني المغلوب على أمره في الداخل وفي الشتات إحباطا على إحباط وقهراً على قهر وهو يرى قيادات بلاده تتقاتل على سلطات وهمية وعلى لا شيء·· سوى العنتريات التي خلقها زمن طويل من تغييب المحاسبة والتغاضي عن المتاجرين الذين تحولوا مع الزمن إلى أمراء حرب في دولــــــة كــــان يحلــــو للفلسطينيين تسميتها دولــــة العشاق · فمن الأسف الشديد أن ترتكب فصائل فلسطينية شريكة في الأخوة والنضال والمصير مثل هذه الجرائم في حق شعبها الذي ضاق به الحال بسبب استمرار الحصار وبسبب الممارسات الإسرائيلية وبسبب ممارسات قيادات فشلت في الحفاظ على القضية وسعت لوأدها عبر تفجير الشارع الفلسطيني بتجييش الفصائل لمحاربة بعضها بعضــــاً بدلاً من محاربة الاحتلال· إن هذا التصرف غير المقبول من'' فتح'' و''حماس'' منح إسرائيل الفرصة على طبق من ذهب لتنفيــــذ خططهـــا وبرامجها بإعـــادة احتلال غزة والعودة لسياسة الاغتيالات والاجتياحات بحجة حمايــــة أمنهــــا، ولذلـــك فــان استمرار هــــذا الوضع المشين يمثل عاراً على جبين الجميع، وجريمة يجـــب عدم السكوت عليهـــا أو محاولــــــة التقليــــل من شأنها، لأنهـــا ستقود الشعــــب الفلسطيني إلى الهاويــــة لا سمح اللــــه، وأن جريرة هــــذا الواقــــع تقـــــــع على عاتــــق قيــــــــــادات '' فتــــــــح'' و''حمــــاس''، لأن وقــــوع القتــــال بين الفلسطينيين جريمــــة لا تغتفر، وانه يجـــــب معاقبــــة مرتكبيها مهما كانت مراكزهم السياسية أو العسكرية، لأن الاقتتــــال يساهم في التشويش على صدقيــــة كفاح الفلسطينيين وعدالة قضيتهــــــم، ويضيــــع إنجـــــازات المقاومـــة ويهـــــدر تضحياتها، ويشكــــك بعدالـــة كفاحهـــا وقضيتها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©