الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«دوفالييه»... عودة سياسي مثير للجدل

1 فبراير 2011 22:07
مارجوري فالبران محللة سياسية أميركية كان "جان كلود دوفالييه" أو (بيبي دوك) يعرف دوماً أنه سيعود إلى هايتي يوماً ما. هذا ما أخبرني به، المرة تلو المرة، عام 2003 عندما أجريت معه عدة مقابلات على مدار أسبوعين في العاصمة الفرنسية باريس. وكان "دوفالييه" يقول لي كلما حدثته عن حياته في الغربة:"أنا لم آت إلى فرنسا كي أعيش فيها للأبد". منذ أسبوعين" أذهل الرجل الذي انتخب يوماً ما رئيساً مدى الحياة للهايتيين، وأذهل أيضاً الحكومة القائمة عندما ظهر في هايتي، وأعلن ببساطة أنه قد جاء "كي يقدم المساعدة" لبلاده في وقت محنتها. كان من الواضح أن الرجل الذي تولى منصب الرئيس في بلاده خلفا لوالده عندما كان لا يزال في التاسعة عشرة من عمره، والذي أطيح به من السلطة عام1986، قد سأم من الحياة في المنفى. وبمجرد انتشار نبأ وصوله قام أربعة أفراد، ممن ادعوا أنهم قد أضيروا من قبل نظامه برفع دعوى قضائية عليه، يتهمونه فيها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبناء على ذلك تم احتجازه من قبل السلطات الهايتية التي وجهت له بدورها تهماً بالفساد والرشوة، ثم أفرجت عنه وطلبت منه عدم مغادرة البلاد، وخصصت له بيت ضيافة التقى فيه بأصدقائه القدامى، ومستشاريه السياسيين، وأنصاره، وعومل كما لو كان زائراً رفيع الشأن. وحضور "دوفالييه" أصاب كل شيء في هايتي تقريباً بالحيرة، كما أشعل شرارة سجال محتدم بين الهايتيين في الخارج والداخل حول الطريقة التي يجب بها على بلادهم التعامل مع عودة واحد من أكثر الشخصيات الهايتية، إثارة للجدل. فعلى الرغم من الأحداث الكارثية، التي تعرضت لها هايتي في الشهور الأخيرة.. ما بين زلزال مدمر، وكوليرا قاتلة، وانتخابات مزورة، إلا أن عهد "دوفالييه" لم يغب في أي وقت عن الذاكرة الجمعية للهايتيين. فمنظمات حقوق الإنسان تقول إن ما بين 40 إلى 60 ألفاً من خصوم "دوفالييه" السياسيين قد قتلوا أو اختفوا خلال عهده وعهد والده فرانسوا دوفالييه اللذين استمرا قرابة ثلاثة عقود. وتقول الحكومتان الأميركية والهايتية أن(بيبي دوك) وعائلته قد اختلسا ما يقرب من 500 مليون دولار، ومع ذلك لم يخضع لأي محاسبة علنية، أومحاكمات، أو أحكام قضائية، أو لجان لكشف الحقيقة والمصالحة. لم يحدث شيء من هذا، وتُرك موضوع "دفالييه"، الذي تحول الآن من جرح غير مندمل إلى ما بات يعرف بـ" مشكلة دوفالييه المزمنة". وهي المشكلة التي لم تبدأ "هايتي" في التعامل معها إلا بعد أن عاد "دوفالييه"، ولو لم يعد لكان من الممكن أن يستمر الهايتيون في تناسيها. العديد من الهايتيين يجدون صعوبة في المواءمة بين ما قاله "دوفالييه" وكرره منذ عودته من أنه قد جاء ليقدم يد المساعدة لبلاده في لحظة المحنة، وبين حقيقة أنه خلال فترة حكمه قد أساء معاملة شعبه، وخرب مؤسساتها، وزور دستورها وقوض سعيها، نحو الديمقراطية، وجلب عليها العار في النهاية. خلال المقابلات التي كنت قد أجريتها مع "دوفالييه" في باريس، قال لي ذات مرة إن كل ما ذُكر من اتهامات حول سرقته لخزائن بلاده ليس سوى كلام فارغ ومحض هراء.. وأنه عندما يسمع ما تقوله وسائل إعلام بلاده من أن مجموع ما سرقه يتراوح ما بين 400 إلى 800 مليون دولار يتعجب من أين جاء من اتهموه بهذا الخيال الواسع. ولم يكتف "دوفالييه" بذلك بل أنكر تهم الفساد، التي ارتكبت خلال فترة رئاسته، وأنكر إصداره أوامر باستهداف معارضيه والزج بهم في السجون، أو تصفيتهم بالقتل، كما أنكر أنه سخر الإعلام لمصلحته. ومضى "دوفالييه" خلال حديثي معه لإنكار كل شيء تقريباً، ولم يُبدِ ندما سوى على شيء واحد وهو أنه كما قال" كان متسامحاً أكثر مما يجب". واعتقدت حينها أن الرجل لم يعد مهتماً بالنظر للماضي، وأنه قد نجح في إقناع نفسه بأنه لم يرتكب ذنباً وظل هذا الاعتقاد ثابتاً لديّ حتى سمعت أول اعتذار علني من الرجل لضحايا حكومته حيث قال في تصريح له في"بورت - أو - برنس" بعد عودته:" أود أن انتهز هذه الفرصة للتعبير، مرة أخرى، عن حزني العميق لأبناء بلدي الذين يشعرون عن حق بأنهم كانوا ضحايا للحكومة". هذا الاعتذار يعني أن موقف "دوفالييه" قد تغير كثيراً عن آخر مرة كنت قد قابلته فيها عام 2003، وأنه على الأقل يعترف بأنه كان هناك ضحايا لنظامه. وهذا الاعتذار قد جاء على ما يبدو لتمهيد الطريق للمصالحة بينه وبين شعبه تمهيداً لخوض انتخابات الرئاسة القادمة. "دوفالييه" الآن يبلغ من العمر59 عاماً وهو يبدو أنحف كثيراً عن آخر مرة التقيته فيها. وهناك أنباء تفيد بأنه مريض، ولكنه لم يؤكد هذه التقارير، كما لم يؤكدها أيّ من أصدقائه المقربين. وتعجبت لطريقة حديثه الجديدة التي أصبحت هادئة للغاية، ولكنني عندما كنت أجلس معه في ساعات النهار المبكرة كان يبدو في أوج نشاطه، ويبدأ في إلقاء المحاضرة تلو المحاضرة عن تاريخ هايتي السياسي. وعندما كنت أسأله ما هي الأخطاء السياسية الكبيرة التي ارتبكها كرئيس كان يبذل جهداً كبيراً كي يقول: "لم نكن مثاليين... ولكننا كنا نحقق تقدماً جيداً". وذات مرة سألته لماذا لم يقم بتأهيل صورته عندما كان في المنفى. ولماذا لم يتمكن من الحصول على وظيفة أو يكتب كتاباً مثلاً ، أو يلقي محاضرات، أو يفعل أي شيء يجني منه بعض المال فكان يرد على بقوله: "أنا لا أعرف سوى السياسة التي تستغرق جل وقتي". وذات مرة سألته عن احتمال عدم عودته نهائياً لهايتي، فقال لي بأن الانفعال في صوته" أنا لا أدع فكرة مثل هذه تعبر أفق خيالي فهايتي هي بلدي قبل كل شيء، وفوق كل شيء...". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©