الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام يهدف إلى إرساء الأسس المتينة ومبادئ الأمة الواحدة

الإسلام يهدف إلى إرساء الأسس المتينة ومبادئ الأمة الواحدة
15 ديسمبر 2011 20:33
قامت تعاليم الإسلام وتشريعاته على اعتبار أن الأفراد أجزاء لا تنفصل عن كيان الأمة، وما ذلك إلا، لأن الإسلام يهدف إلى إرساء القواعد والأسس المتينة التي تؤكد على مبدأ الأمة الواحدة، ولعلنا نقرأ ذلك في العديد من المظاهر التشريعية، التي أكد عليها الإسلام في العديد من نصوصه، من ذلك : إن الخطاب الإلهي يوجه النداء إلى الجماعة المؤمنة، إذ نراه لا يتجه إلى فرد بعينه أمراً أو نهيا، وإنما نرى عمومية الخطاب للجماعة المؤمنة توجيهاً وإرشاداً وتأديبا، ومن أظهر الأمثلة على ذلك قول الله سبحانه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الحج 77. رباط الاتحاد إذا ما وقف الإنسان بين يدي خالقه ومولاه في الصلاة نراه لم تجر العبادة على لسانه ككائن منفصل عن إخوانه، بل نراه يقر ويعلن أمام ربه أنه طرف من الجماعة، متسق برباط الاتحاد والانسجام معها، فيقول بصيغة الجمع لا الإفراد «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»، ومن لم يقر بذلك فصلاته ناقصة، أو فلا صلاة له كما ورد في بعض الروايات. إن الله سبحانه وتعالى في أصل النشأة والخليقة ربط عباده بأصل واحد، وشرع لهم دينا واحدا، أما الأصل الواحد، فقد أشار إليه الحق سبحانه وتعالى بقوله «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». وأما الدين الواحد فمعالمه ما شرعه الله لعباده على ألسنة رسله وأنبيائه من تعاليم تقود الناس قاطبة في طريق واحد محرماً عليهم منذ الأزل أن يصدعوا الدين، وأن يتفرقوا حوله شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، يقول سبحانه «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ». اختلاف الأفهام كذلك بين الحق سبحانه أن اختلاف الأفهام أمراً ليس بمستغرب في الحياة، بل قد يكون طبيعة من طبيعتها، وفطرة تتجلى في معالمها، غير أن ما يضر الإنسان ويذهب بريح جماعة المسلمين أن ينقلب الخلاف في الرأي إلى ضرب من العناد، يعصف بوحدة الأمة ويذهب بريحها، ومن ثم حذرنا الإسلام من أن نصل إلى تلك النقطة الفاصلة التي تحول المجتمع إلى جماعات، والأمة الواحدة إلى فرق متناحرة يضرب بعضها رقاب بعض، يقول سبحانه «إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» الأنعام 159. ويقول سبحانه «وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» آل عمران 105-107. ومن ثم يضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً حياً وعملياً للأمة الواحدة التي لا تفرقها اختلاف في رأي أو كلمة، وذلك عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فتأول بعضهم الأمر على أن ذلك ما لم يضع الوقت، ومن ثم صلى هذا البعض في الطريق، وجاء آخرون فأخذوا النص على ظاهره فصلوا العصر في بني قريظة وقد أدركهم الليل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقبل من الفريقين فهمهم، ولم يعب على أحد منهم، وهذا يبرهن على أن ائتلاف القلوب والمشاعر، واتحاد الغايات والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام وتشريعاته، وألزم الصفات للمؤمنين المخلصين، فلا شك أن اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف دعامة وطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها. إن الأمة الواحدة في التصور الإسلامي ترى في التعاون واجباً دينياً، وضرورة اجتماعية، رائدهم في ذلك نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي قدم بسلوكه وسيرته نموذجاً لإيجابية الإنسان المسلم وتفاعله حيال وطنه ومجتمعه. وقسم الإمام الماوردي الخلق في باب التعاون كمظهر للأمة الواحدة إلى أقسام أربعة فعد منهم صنف يعين ويستعين، وصنف لا يعين ولا يستعين وصنف يستعين ولا يعين، وآخر يعين ولا يستعين. فإما المعين والمستعين فهو إنسان منصف، لأنه يؤدي ما عليه بمعاونته لغيره وفي الوقت ذاته يستوفي ما له فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة، ويسترد عند الاستغناء، وأن الذي لا يعين ولا يستعين، فهو إنسان متروك قد منع خيره وقمع شره، فهو لا صديق يرجى، ولا عدو يخشى، وأما الذي يستعين ولا يعين فهو إنسان لئيم ليس لمثله في الإخاء حظ، ولا في الوداد نصيب. وأما الذي يعين ولا يستعين فهو إنسان كريم الطبع، مشكور الصنع، وبهذا كان التعاون مظهراً من أهم مظاهر الأمة الواحدة في الإسلام. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©