الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برنامج «السنع» يدرب الصغار على طقوس إعداد القهوة وتقديمها

برنامج «السنع» يدرب الصغار على طقوس إعداد القهوة وتقديمها
15 ديسمبر 2011 20:28
لا يختلف اثنان على مكانة القهوة في التراث العربي، فقد كانت عند العرب ولا تزال عنوانا رئيسا للكرم والأصالة، ورافقت القهوة العرب في حلهم وترحالهم، ولم يتخلوا عنها عند دخولهم العصر الحديث، إذ ظلت صامدة أمام أنواع شتى من المشروبات التي ظهرت في العصر الحديث، ولما كان تراث مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة جزءا لا يتجزأ من التراث العربي اعتبرت القهوة عنوانا لإكرام الضيف، ولا تزال الدلة تتربع في المجالس وتدور فناجينها على الحاضرين في الأيام العادية والمناسبات كأحد الطقوس اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها. (العين) - على الرغم من تنوع أنواع القهوة وأسمائها ومصادرها وطرق إعدادها، إلا أن للقهوة العربية طقسا واحدا في إعدادها وتقديمها للضيف فيما يعرف بـ”السنع”، ومن أجل تسليط الضوء على هذا الموروث الأصيل والحفاظ عليه من الاندثار ونقله إلى الأجيال القادمة، أطلق مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الديني الثقافي برنامجا متكاملا تبنته لجنة الهوية والتراث الشعبي بالمركز، حيث يقدم طقوس القهوة في الخيمة التراثية التي تنتصب وسط المركز كي يلتقي فيها الجيل الماضي بالحاضر يتعلمون ويستقون من الأمهات سنع المجلس وطقوس القهوة العربية. الحماية من الاندثار عن دور المركز في الحفاظ على التراث من الاندثار والذبول؛ قالت رئيسة المركز، الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان “يمثل التراث ذاكرة وطن كما يعد مقوما أساسيا من مقوماته الروحية، فهو السجل الخالد الذي يحكي مسيرة أبناء هذا الوطن، وكيف كانوا يتفاعلون مع واقعهم، وكيف أثمر هذا التفاعل تراثا ينبض بالحكمة، في مختلف جوانب الحياة، ويتجلى هذا التراث في مقومين أساسيين هما التراث المادي المعني بالآثار والمعالم التاريخية وأنماط الزي والحرف اليدوية وأدوات الإنتاج التي كان يستخدمها الآباء والأجداد، والتراث المعنوي الذي يتجسد في العادات والتقاليد والقيم والتصورات التي تمثل المخزون الروحي للمجتمع، من هنا فإن هذا التراث يرتبط ارتباطا وثيقا بهوية المجتمع، فهو الذي يجسد الجينات الثقافية والحضارية التي تضفي خصوصية تجعل من تراث هذا المجتمع متمايزا عن غيره من تراث المجتمعات الأخرى”. وتضيف “كثير من جوانب التراث تتعرض للاندثار والذبول بفعل ظاهرة العولمة وما واكبها من ثقافة كونية تميل إلى تهميش الثقافات الوطنية وتقضي على ما يميزها من ثراء وتنوع، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بالتراث وضرورة المحافظة عليه فالمحافظة على التراث قرين المحافظة على الهوية الوطنية، ويعد المركز من أولى مؤسسات المجتمع المدني التي دعت إلى ضرورة وضع خطة قومية للمحافظة على التراث، مدركين أن هذه المهمة أصبحت مهمة وطنية يجب أن تتكاتف من أجلها كافة المؤسسات الوطنية، وتتضافر من أجلها كافة الجهود الرسمية والأهلية، ولهذا تضع لجنة الهوية والتراث نصب عينيها عددا من المشروعات التي يسعى المركز من خلالها إلى إحياء تراث الدولة بشقيه المادي والمعنوي”. كنز ثمين حول مشروع الهوية والتراث الشعبي، تقول مديرة المركز موزة القبيسي إن مشروع الهوية والتراث الشعبي انطلق منذ عام بمشاركة ومساندة 170 سيدة من مدينة العين، معظمهن من ربات البيوت وتتراوح أعمارهن بين 50 -70 سنة، تمت دعوتهن للانضمام إلى البرنامج فسارعن بالتطوع فيه من أجل الاستفادة من المخزون التراثي الذي هو بمثابة كنز ثمين يراد نقله إلى كافة شرائح المجتمع، موضحة أن البرنامج لا يستهدف فقط طلاب وطالبات المدارس والجامعات في العين ممن يحملون الجنسية الإماراتية فقط بل يستهدف جميع شرائح المجتمع على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم من أجل تعريفهم بتراث الإمارات العربية المتحدة العريق. وتضيف القبيسي أن مشروع الهوية والتراث الشعبي واسع النطاق ومتشعب، ويأتي موضوع تعليم سنع القهوة في مقدمة المواضيع التي تم تناولها كل يوم اثنين على مدار عام 2011 في الخيمة التراثية التي نصبت في باحة المركز، وتنقلت بين قرية العين التراثية وجامعة أبوظبي في أبوظبي وفي بر منطقة ناهل إذ كانت واحدة من المحطات التي وقف لديها سفراء الدول من أجل التعرف على تراث مدينة العين والمعالم التاريخية فيه، حيث قامت المتطوعات بالحديث عن تاريخ القهوة العربية وعاداتها وفن تقديمها بأسلوب عملي أمام جميع الفئات العمرية. دلالات الفناجين وشهدت “الاتحاد” إحدى الورشات التدريبية لطالبات المدارس في تعليم سنع القهوة والتي قدمتها المتطوعتان نجيبة الجابري وعائشة النعيمي، وراقبت عن قرب تفاعل الطالبات مع الأسلوب الذي قدمت فيه المتطوعتان المعلومات المتعلقة بذلك، والذي اتسم بالوضوح والبساطة وروح الفكاهة نظرا لأن الطالبات كن في الصف الخامس واحتجن لأسلوب لجذبهن وإثارة حماسهن للاستماع والمشاركة والتفاعل مع ما يقدم لهن فلا يشعرن بالملل. في مستهل حديثها تحدثت نجيبة الجابري للطالبات عن تاريخ القهوة، وبينت أنه قديما كان يتم جلب القهوة من المدن مثل دبي وأبوظبي، وكان البدوي يقطع مسافات طويلة على ظهور الإبل لشراء مير الأسرة، وظلت القهوة أهم ما يتم شراؤه، ومن ثم انتقلت للحديث عن أبرز أنواع القهوة العربية التي استساغها أهل الإمارات. ولفتت إلى أن شارب القهوة العربية ومتذوقها يميز بينها وبين تلك الأنواع. واستعرضت الجابري أدوات القهوة مستعينة بالدلال الثلاث والفناجين، تقول “أدوات القهوة هي “الخمرة”، وهي دلة كبيرة الحجم كانت تملأ بالماء وتوضع وسط الموقد كي يظل الماء بها ساخنا في حال الحاجة له لإعداد القهوة، أما الدلة الوسطى في الحجم فتسمى “التلقيمة”، وتستخدم لغلي القهوة حيث يسكب فيها الماء وتضاف القهوة المدقوقة، وتترك حتى تغلي وفي العادة تظل هذه الدلة على النار منذ الصباح وحتى المساء، وتزاد لها كمية الماء والقهوة كلما نقصت ولا تغير حتى اليوم التالي، ثالث أنواع الدلال وهي أصغرها حجما وتسمى “المزلة”، وتمتاز بأنها تحافظ على لونها أكثر من غيرها وذلك لأن النار لا تلفحها بعكس باقي الدلال، إذ يوضع فيها جناد القهوة من هيل وزعفران ومسمار ويتم صب القهوة فيها من دلة التلقيمة كي يدار بها في المجلس على الضيوف”. وتنتظر الجابري زميلتها النعيمي حتى تشعل النار تحت الفحم من أجل حمس القهوة ومتابعة الشرح للطالبات عن الأدوات الأخرى التي يتم فيها تجهيز القهوة، وحتى يحين ذلك تنتقل إلى الحديث عن أنواع الفناجين التي تقدم بها القهوة، وتقول “الفنجان الأول يسمى الهيف وهو الفنجان الذي يشربه صاحب المجلس أو المضيف ليتأكد من سلامة القهوة وجودتها، والفنجان الثاني يسمى الضيف وهو واجب الضيافة حيث كان الضيف قديما في البادية مجبر على شربه إلا في حالة العداوة أو أن يكون للضيف طلب صعب عند المضيف فلا يشربه إلا بعد وعد المضيف بتلبيته، والفنجان الثالث يسمى الكيف وهو الفنجان الذي يقدم للضيف وهو ليس مجبورا على شربه ولا يضير المضيف إن لم يشربه إنما هو مجرد تعديل كيف ومزاج الضيف، وهو أقل فناجين العرب قوة في عاداتهم، أما الفنجان الرابع فيعرف بالسيف وغالبا ما يتركه الضيف ولا يحتسيه لأنه أقوى فنجان قهوة لدى عرب البادية إذ يعني أن من يحتسيه فهو مع الضيف على السراء والضراء ومجبر على الدفاع عنه بحد السيف”. أهل اليمين تمسك الجابري بيدها اليمين الفناجين، وتقول “نحن أهل اليمين فلا نأكل ونشرب إلا باليمين ونقدم ضيافتنا باليمين وأمسكت الدلة باليسار، وأخذت تشرح ضرورة الالتزام باليد التي تمسك فيها كل من الدلة والفناجين”، شارحة أنه يبدأ بتقديم القهوة لكبير المجلس سواء من حيث السن أو المكانة الاجتماعية ومن ثم للضيوف عن يمينه، مشيرة إلى ضرورة أن يظل المضيف “المقهوي” واقفا حتى يكتفي الحضور من القهوة وعلامة ذلك هز الفنجان، وإن لم يهزه المضيف فهو يطلب المزيد. وتناولت الجابري آداب شرب الضيف للقهوة بأن عليه أن لا يضيع الفنجان على الأرض بعد الانتهاء من شربها لأن ذلك يعد عيبا في حق المقهوي بل يجب أن يحتفظ به حتى يعود المقهوي إليه ويأخذه منه، ولا يجوز في عرف القهوة التخطي بل تقدم من يمين كبير الجالسين وبالتسلسل وإن كان بينهم طفل صغير فتقدم له، وإن رفضها ينتقل لمن يليه، كما يجب أن تقدم القهوة للضيف أقلها 3 مرات عند قدومه وبعد الفاكهة وبعد وجبة الطعام التي يكرم بها الضيف سواء كانت غداء أم عشاء”. بعد ذلك نهضت الطالبات مع الجابري وانتقلن من داخل الخيمة التراثية إلى زاوية الخيمة التي تعد فيها القهوة حيث طبقت النعيمي ما قالته زميلتها نجيبة حول خطوات إعداد القهوة وتجمهرت حولها الطالبات يترقبن بشغف ما تفعله عائشة وأخذن يشاركنها عبر الإمساك بالمحماس وأخذن طالبة تلو الأخرى يقلبن حبات القهوة الخضراء حتى صار لونها بنيا ومن ثم قمن بدقها وتسلسلت الخطوات سابقة الذكر واستمتعن بتذوقها ، وعدن أدراجهن بعد أن تم توزيع قصص عليهن إذ قامت إحدى المتطوعات بالمركز بتأليف قصتين الأولى بعنوان سنع القهوة والثانية بعنوان آداب الطعام، وقام المركز بطباعتها وتوزيعها على الطلبة وقت حضورهم للخيمة، وسيتم إصدار قصص أخرى قريبا تندرج تحت سلسلة قصصية واحدة مترابطة المضمون الذي يسعى إلى تعميق التراث في النفوس وتعزيز الهوية الوطنية. التطوع لترسيخ التراث عبرت مجموعة من الأمهات والجدات اللواتي يشاركن بعضويتهن التطوعية في نشاطات المركز التابعة للجنة الهوية والتراث الشعبي عن أهمية دورهن في ترسيخ الوعي بأهمية التراث في بناء شخصية أبنائنا وبناتنا الوطنية المتوازنة المتمسكة بجذورها الثقافية وتراثها وعاداتها وتقاليدها وشعبها. وتقول أم يوسف القرني (47 سنة) إنها تشارك في تعليم سنع القهوة للكبار والصغار من أبناء المجتمع، أما طماعة الساعدي (65 سنة) فتشير إلى أنها تعرض طريقة صنع التلي على الكاجوة وطريقة صنع أكلات شعبية مثل الخبز المنزغ واللقيمات والبلاليط، وتشاركها في ذلك عفراء سعيد إذ تعد هي الأخرى الهريس وغيره وتعرضه أمام الزوار في الخيمة، إلى جانب أدوات تراثية قديمة تحتفظ بها منذ زمن مثل المكب والصرود والسماط وغيره. وتقوم فاطمة الكعبي (62 سنة) بعرض أدوات تراثية أخرى مصنوعة من الخوص مثل المزماه (القفير) والقبع (غطاء الفوالة) والمهفة وتتداول مع الباقيات عرض طريقة صناعة التلي. ولدى بخيتة الشامسي (42 سنة) الكثير من الأزياء الشعبية الإماراتية القديمة التي لا تزال تحتفظ بها حتى يومنا هذا وتحضرها بين وقت وآخر لتعرض في الخيمة التراثية، حيث تقف لتشرح عنها وتذكر أسماءها وأنواعها ومن يلبسها ومناسبة لبسها وما إلى ذلك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©