الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«رحلات البطريرك دونيسيوس» يقدم شهادة عن أزمنة وأمكنة في العهد العباسي

«رحلات البطريرك دونيسيوس» يقدم شهادة عن أزمنة وأمكنة في العهد العباسي
13 ديسمبر 2013 23:35
جهاد هديب (دبي)- يقدم كتاب «رحلات البطريرك ديونيسيوس في عهد الخليفتين المأمون والمعتصم» شهادة حارّة عن أزمنة وأمكنة وشخصيات تاريخية من عهد العباسيين، وبين سطوره تكمن محبة كبيرة للناس والأمكنة، إلى حدّ أنه يمكن القول بأن البطريرك ديونيسيوس التلمحري هو من أوائل رجال التسامح الديني العرب التاريخيين. الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في مائة واثنتين وسبعين صفحة من القطع الكبير، فاز مؤخراً بجائزة «ابن بطوطة» فرع تحقيق المخطوطات والنصوص الكلاسيكية، التي يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي التابع لمؤسسة «دارة السويدي الثقافية» بأبوظبي، ضمن ما يعرف بـ «ارتياد الآفاق». ومن اللافت أن الكتاب لم يُكتب أصلا بالعربية، إنما بالسريانية التي هي إحدى الاشتقاقات اللغوية السامية التي تركت أثراً كبيراً في تطور اللغة العربية، وقد أنجز هذه الترجمة الروائي الفلسطيني تيسير خلف، يقيم ويعمل في دبي، بحرفية لافتة للانتباه من خلال ما بذله ترجمةً وتحقيقاً، ومن خلال تقديمه لوثيقة نادرة ذات أهمية خاصة لإبراز المكانة الاجتماعية للمسيحيين العرب ودورهم في اللحظات التاريخية التي مرّت بها المنطقة العربية أثناء حكم الخلافة العباسية، إذ أن البطريرك التلمحري قد عاصر أربعة منهم في حياته: هاورن الرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم. وينطوي متن الكتاب على خمس رحلات: اثنتان منها إلى مصر، ولأغراض سياسية تستهدف الوقوف على أسباب «تمرد» الأقباط الذين أحرق متطرفون كنائسهم، وثلاث إلى بغداد إما للقيام بدور وسيط أو لفض النزاعات بين المسيحيين العرب أنفسهم. غير أن أهمية الكتاب تتجاوز قيمته التاريخية رغم أهميتها، إذ هي الوثيقة الوحيدة المكتشفة التي جرى تدوينها في زمن الأحداث ذاتها وليست منقولة بعد أزمنة من الرواة الذين حفظوها في الصدور، أي أنها شهادة عيان حيّة على ما جرى في عهود الخلفاء المسلمين الأربعة في فترة هي الأكثر ازدهارا في الحكم العباسي بحسب ما نعهد. كما أن أهمية الكتاب تكمن أيضا في أنه وثيقة أدبية مكتوبة بلغة رفيعة وأنيقة، وفي هذا الصدد، فقد لاحظت لجنة التحكيم التي منحت الكتاب الجائزة أن «الجزء المتعلق بشهادته الشخصية على أحداث زمنه، امتاز بعدد من المزايا التي جعلته واحداً من أرفع النصوص السريانية وأكثرها صدقا وحرارة». ولعل ما يشير إليه هنا تقرير لجنة التحكيم هو مقدرة البطريرك الفائقة على وصف الأمكنة والمدن بناسها وساحاتها ومطارحها المهمة، وشخصياتها التاريخية وتأثير هذه الشخصيات في تاريخها الذي عاصره الرجل وكان له موقع فيه، بالمعنيين: السياسي والديني للكلمة، ما جعله يخلّف، بالفعل، لأجيال لاحقة أثرا أدبيا رفيعا بهذا المستوى المتقدم، ما يجعل قراءته فعل استمتاع ومعرفة قائمة على فضول معرفة بعض التفاصيل التاريخية اللافتة. ربما باستثناء المؤرخين من أهل الاختصاص يعرفون أن مدينة أسوان كانت هي الحدود الجغرافية مع أفريقيا وأن النوبة كانت مملكة مسيحية في ذلك العهد من تاريخ الدولة الإسلامية، وأن ملوكها في ذلك الزمن قد اعتادوا «منذ أمد طويل أن يقدموا لخلفاء المسلمين سنوياً ثلاثمائة عبد أسود، وقردة مدربة على تقليد تصرفات الناس، وحيونات تدعى زرافة وعاجاً وجلود النمور. ومقابل ذلك، كان خلفاء المسلمين يعطون لملوك النوبيين كذا كيل من القمح من بلاد مصر وكذا كيل من زيت الزيتون، وأواني وثيابا فاخرة. كما أذنوا لملك النوبة أن يجبي الضرائب من النوبيين الساكنين في بلاد المسلمين، وبموجب هذا الاتفاق لم يعد المسلمون يجبون النوبيين، ولا النوبيون يجتازون أسوان الحدودية من ناحية مصر، ويدخلون إلى أراضي المسلمين». لكن الأمور في ما بعد وبحسب نص الكتاب لم تتوقف عند هذا الحدّ بل هناك الكثير من التفاصيل التي قد تفسر إلى هذا الحد أو ذاك الأحداث التي تجري في مصر، وتحديدا لجهة مهاجمة الأقباط وإحراق كنائسهم الذي يجد مبررا له في الإحساس بالفوقية تجاههم من قبل الغلاة والمتطرفين الذين لو قُدّر لهم لفعلوا ما كانوا يفعلونه أيام الخليفة هارون الرشيد. أي أن نهاية التحليل التاريخي لذلك العهد تفيد قارئ الكتاب بأن الصورة لم تكن كلها مشرقة، حيث لا شك أن هذه النتيجة متأثرة بما يحدث في بعض الأحيان في مصر من مهاجمة للأقباط على أساس طائفي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©