الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

2015.. عام سوريا والمعاناة الأوروبية

27 ديسمبر 2015 21:52
يرى الكثيرون من سكان الشرق الأوسط أن الغرب كان سبباً في مشاكلهم، رغم اعتقادهم أن الغربيين لا يُفترض أن يتحملوا النتائج، لكن أحداث عام 2015 أثبتت بطلان هذا الاعتقاد، على الأقل بالنسبة لأوروبا، وقد أدى الفشل العالمي الذريع في حلّ المشكلة السورية ذات الجذور المتشعبة، إلى مشكلة هجرة تركت أبلغ الأثر على أوروبا. وبات شعار «الحدود المفتوحة» الذي تقرّه «معاهدة شنجن» على وشك الاندثار، وأصبح من الشائع في عرف السياسيين والمحللين أن الهجرة باتت تشكل خطراً محدقاً بالاتحاد الأوروبي ذاته. ولعل الشيء الأكثر مدعاة للأسى في هذه الانتكاسة لا يقتصر على ما تتضمنه من إيحاءات تبيّن كم أصبح عالمنا صغيراً، ولا بمدى تأثر الاتحاد الأوروبي بالصدمات الخارجية، بل بمدى تغافل أوروبا عن معالجة الأزمة السورية بشكل جدي. ومعلوم أن الولايات المتحدة رفضت إرسال قوات برية إلى هناك، لكنها تقود حملة جوية على مواقع «داعش» وتحاول تسخير القنوات الدبلوماسية لإيجاد حل سياسي، وحتى الرئيس الروسي يبذل جهوده لحل المعضلة السورية، رغم أنه لم يفعل حتى الآن سوى تقوية الوضع المترنح لنظام بشار الأسد. وبذلت الدول الأوروبية كل ما بوسعها لدفع مجلس الأمن الدولي لتبنّي خريطة الطريق التي فازت الأسبوع الماضي بموافقته. وساهمت ببعض طائراتها في قصف تجمعات مقاتلي تنظيم «داعش». لكنّ الهمّ الأكبر لأوروبا الآن حيال الأزمة السورية يقتصر على إنشاء الحوائط التي تفصل دولها عن بعضها البعض، وتعزلها عن دول الشرق الأوسط أيضاً. وتمثل تركيا أحد أهم هذه الحواجز، خاصة بعد أن عقد الاتحاد الأوروبي صفقة مع أنقرة بغية دفعها للعب دور المستودع الذي يؤوي اللاجئين السوريين ويمنعهم من العبور إلى دوله. والسؤال المهم حالياً هو: لماذا تحاول أوروبا النأي بنفسها عن أعراض المشكلة بدلا من محاولة معالجة أسبابها؟ ربما يكون السبب الذي يدفع القادة الأوروبيين لتبنّي هذا الموقف هو شعورهم بالعجز التام عن حلّها بسبب الدرس الذي تعلموه ومفاده أن الغرب غير مؤهل لحل المشاكل التي تعاني منها دول الشرق الأوسط. ولا شك أن العراق هو الذي لقّن الدول الأوروبية هذا الدرس، وخاصة بعد أن تعلمت من الأزمة الليبية أن عزل الديكتاتور لا يمكن أن يؤدي إلى إنشاء دولة متماسكة قادرة على إغراء الناس بالبقاء وعدم التفكير في الهجرة منها. وإذا كان القادة الأوروبيون يعتقدون أنهم عاجزون عن حلّ المشكلة السورية، فربما كانوا على صواب في اعتقادهم هذا. فمن الذي سيحكم البلد بعد هزيمة الأسد؟ هذا هو السؤال الذي لا يمكن لأحد الإجابة عنه بثقة. ولو افترضنا أن تنظيم «داعش» قد هُزم بالفعل، فإن أفضل ما يمكن أن يحدث بعد ذلك هو تكوين فيدرالية سورية يكون للعلويين فيها جيب ساحلي ومنطقة للأكراد وأخرى للعرب السنّة. ولقد حدث مثل هذا في العراق. وبالطبع، لا يجوز أن تشكل الصعوبة البالغة لحل المعضلة السورية سبباً كافياً لدفع أوروبا للاعتقاد بإمكانية إهمالها والتوقف عن التفكير فيها. بل على العكس من ذلك، وما دامت الأوضاع في سوريا لا تشهد تطوراً نحو الأفضل، فمن المرجّح أن تزداد وتيرة تدفق اللاجئين إلى أوروبا. وحتى لو نظرنا إلى الموضوع من الجوانب الإنسانية، فسوف نستنتج ببساطة أن أوروبا بدأت تظهر مؤشرات الفشل في التصدي للأزمة. ويدفعني هذا التعاقب في الأحداث إلى التوصل لاستنتاج يفيد بأن أوروبا لم تعد لديها رغبة في فعل أكثر مما فعلت، وخاصة بعد أن تنصّلت من مسؤولياتها من الأخطاء التي دفعت بسوريا وبعض الدول الأخرى إلى الوقوع في هذه الأزمة. ويمكن للأوروبيين أن يلوموا الولايات المتحدة لأنها خلقت عوامل الاضطراب في المنطقة بعد غزو العراق، وتتحمل المسؤولية الكبرى عن إضعاف الدولة العراقية والسماح لـ«داعش» بالظهور والتغلغل في المنطقة. ويمكن أن يُلام العرب أنفسهم على بلوغ هذه المرحلة، كما يُلام الأسد وأبوه على الحكم الديكتاتوري الذي فرضاه على سوريا.. وكلها أسباب يمكن للأوروبيين التبرؤ منها، لكن لا يعني ذلك أن بوسع أوروبا تلافي النتائج الكارثية للأزمة السورية. *نوح سميث* *أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©