السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا في أفغانستان... كيف تقاتل بقوات أقل؟

أميركا في أفغانستان... كيف تقاتل بقوات أقل؟
3 ديسمبر 2012
ديفيد بارنو - زميل ومستشار لدى «مركز الأمن الأميركي الجديد» ماثيو أرفاين - باحث في «مركز الأمن الأميركي الجديد» أعتقد أن كثيراً من الخطأ ومجانبة الصواب قد طبعا المقال الذي نشره كيمبرلي وفريديرك كاجان المنشور في هذه الصفحات بتاريخ السادس والعشرين من نوفمبر الماضي، والذي جادل بضرورة أن تكون لدى الولايات المتحدة قوة قوامها 30 ألفاً أو أكثر من الجنود على الأراضي الأفغانية بعد الانسحاب المقرر في عام 2014. وعنوان المقال المشار إليه: (إرساء الاستقرار أو التخلي عن محاربة «القاعدة»: لماذا ينبغي بقاء القوات الأميركية في أفغانستان؟). وعلى الرغم من أن أهدافه الكاتبين صحيحة وسليمة، وهي المتمثلة في منع انطلاق هجمات إرهابية من المنطقة على الولايات المتحدة، إلا أن منطق الكاتبين واستنتاجاتهما حول الموارد اللازمة لبقاء العدد المذكور من القوات ونجاحه في تحقيق مهمته، هو منطق واستنتاجات تشوبها عدة عيوب واختلالات. وذلك لأنه من الممكن حماية المصالح الأميركية في المنطقة بعد عام 2014 من خلال قوة في أفغانستان تبلغ 10 آلاف جندي أميركي أو حتى ربما أقل من ذلك العدد. إن لدى الولايات المتحدة مصلحتين حيويتين في هذا الجزء من العالم، هما: منع هجمات إرهابية على هذا البلد وحلفائه، والحؤول دون سقوط أسلحة أو مواد نووية في أيدي الجماعات الإرهابية. ولئن كانت حماية هاتين المصلحتين بعد عام 2014 تقتضي أن تكون الولايات المتحدة قادرة على شن ضربات عسكرية دقيقة من هذه المنطقة، فإنها لن تتطلب عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين في أفغانستان، كما يعتقد الكاتبان. والواقع أن بعض التقارير الإخبارية تتحدث حالياً، ومنذ مدة، عن حملات عسكرية أميركية قوية لمحاربة الإرهاب عبر العالم. فالولايات المتحدة تستعمل الطائرات بدون طيار، وقوات العمليات الخاصة، والضربات بواسطة أسلحة دقيقة في منطقة القرن الأفريقي، وفي اليمن بشبه الجزيرة العربية، وفي الفلبين، وربما في عدد من الأماكن الأخرى الأقل علنية. وكل هذه الدول تواجه أيضاً بعض المستويات من الهجمات الإرهابية والمتمردة المميتة، لكنها غالباً ما تصدها، وإلى حد كبير بواسطة قواتها الوطنية، في حين تركز فرق صغيرة من الجنود الأميركيين على محاربة الإرهاب والقيام بمهمات محدودة لتقديم النصح والمشورة إلى جيوش البلدان المذكورة. وبعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة تقوم منذ بعض الوقت بمهام محاربة الإرهاب اللازمة في أفغانستان وعبر العالم، دون أن تقوم بتخصيص 15 ألفاً أو 20 ألفاً أو 30 ألف جندي، أو تحمل التكاليف اللوجستية والاستشارية الضخمة التي يقول الكاتبان إنها مهمة وأساسية للحفاظ على الاستقرار في أفغانستان كضمانة لأمن الولايات المتحدة ضد أي خطر إرهابي. وعلاوة على ذلك، فإنه ليس ثمة جهد أميركي آخر لمحاربة الإرهاب في دولة أخرى يفوق حجم قوات أمنها حجم نظيرتها الأفغانية، إذ يبلغ حجم أكثر من 350 ألف جندي وشرطي. فبعد أكثر من عشر سنوات من التدريب وصرف عشرات المليارات من الدولارات على المعدات التسليحية واللوجستية الأخرى، يفترض أن تكون القوات الأفغانية قد أصبحت قادرة بشكل كامل على صد 30 ألفاً من أعضاء حركة «طالبان»، والذين قد يكون عددهم الحقيقي أقل من ذلك بكثير. فـ«طالبان» بعد عام 2014 هي المهمة التي ينبغي أن تتفرغ لها القوات الأفغانية، وليس القوات الأميركية. وعلى الرغم من أن الزيادة في عديد الجنود الأميركيين قد مكنت من تحقيق العديد من المكاسب على ساحة المعركة، إلا أنها لم تُحدث أي تحسن هام على صعيد الحكامة في هذا البلد أو في مجال محاربة الفساد المتفشي داخل هيئاته الحكومية المختلفة. هذه هي المشكلة الجوهرية، والشائكة والعنيدة أيضاً، في أفغانستان حالياً، ومن غير المحتمل أن تتأثر إيجاباً بأي عدد من الجنود الأميركيين الإضافيين قبل عام 2014 أو بعده. ثم إن اقتراح الكاتبين التزاماً عسكرياً مفتوحاً من الولايات المتحدة حيال أفغانستان، وتخصيص أكثر من 30 ألف جندي أميركي من شأنه، وفق أكثر التقديرات احتشاماً، أن يكلف دافعي الضرائب الأميركيين أكثر من 30 مليار دولار سنوياً. وهو ما يتجاوز بكثير المساعدة الأميركية الحالية لكل من إسرائيل ومصر وباكستان معاً. إن الدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة لا يتطلب وجود قوة عسكرية طويلة المدى في أفغانستان، وبذلك الحجم الذي يقترحه الكاتبان، تماماً مثلما لا تتطلبه الأوضاع في دول أخرى مثل اليمن أو الصومال أو مالي... وذلك لأن المطلوب بعد عام 2014 هو ضمان إمكانية استعمال القواعد العسكرية في أفغانستان عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، والحفاظ على شبكات استخباراتية قوية هناك، والاستمرار في القيام بعمليات أمنية محدودة، والاحتفاظ بقوة مقاتلة صغيرة للعمليات الخاصة من أجل محاربة الإرهاب والانتشار النووي. وبالتوزاي مع تلك المهام والنشاطات، يمكن أن تستمر البرامج السرية الأميركية، من قبيل الدور الذي تضطلع به الطائرات بدون طيار في لعب أدوار مهمة وأقل وضوحاً. كما يمكن لقوات متحركة أكثر قوةً وفعالية أن تبقى جاهزة وفي حالة تأهب، داخل أو خارج أفغانستان، في حال استدعت الظروف عمليات ضرب أكبر لفترة قصيرة. وعلاوة على ذلك، فإن تحديد مهام الجنود الأميركيين داخل أفغانستان بعناية يمكن أن يسمح لهم بالبقاء على استعداد لمهمات دعم المصالح الأميركية الحيوية، بدلاً من أن يتم جرهم إلى طرق الإمدادات، والقواعد الكبيرة، والمناطق الأفغانية الوعرة والنائية. أضف إلى ذلك أن قوة أميركية أصغر حجماً وأقل ظهوراً، يمكن أن يكون لديها امتياز هام يتمثل في حقيقة أنها ستكون أقل احتكاكاً بالشعب الأفغاني، وهو ما يزيد بالتالي من احتمال أن تحظى بدعم الحكومة الأفغانية بعيداً عن انتقادات معارضيها أو إثارة حساسية في أوساط الشعب الأفغاني المعروف تاريخياً بتشككه حيال الجندي الأجنبي. إن منطق الكاتبين في التشديد على ضرورة خفض بطيء للقوات الأميركية هو منطق هش وضعيف في أفضل التقديرات. ذلك أنه كلما كان عدد الجنود الذي لدينا في أفغانستان كبيراً، كلما كان عدد الإصابات التي سنتعرض لها كبيراً كذلك. والواقع أن هذه التضحيات ستكون مؤلمة، لكنها محتمَلة إذا ما ترجم إجمالي عدد الجنود إلى تأثيرات ونتائج دائمة على الأرض. والحال أنه ليس ثمة دليل على أن الإبقاء على 68 ألف جندي في أفغانستان لعام أو لعامين إضافيين، و30 ألف جندي بعد ذلك التاريخ، سيضمن أي تأثير دائم وقابل للقياس على جاهزية القوات الأفغانية للقتال، أو قدرات «طالبان»، أو الملاذات الإرهابية في المنطقة. ثم إن حصيلةً أكبر من حيث الإصابات بين الجنود الأميركيين ستكون بمثابة ثمن باهظ لمثل هذه التأثيرات والنتائج العابرة. لقد حان الأوان، في السنة الحادية عشرة من حربنا في أفغانستان، لنقوم ببحث ودراسة وجود عسكري أميركي أصغر في ذلك البلد، باعتبار أنه سيكون المرحلة الأخيرة من الحرب. كما أنه حان الوقت لخفض حجم الوجود الأميركي. وهذا من شأنه أن يفيد في أمرين اثنين: تحويل قوات أفغانية هامة إلى القتال بسرعة أكبر، وتسريع تولي الزعماء السياسيين الأفغان المسؤولية عن حربهم ضد «طالبان». ذلك أن تكاليف دعم حرب برية لا نهاية لها في أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة ليست غير مبررة فحسب، ولكنها تفتقر أيضاً إلى الحكمة والحصافة من الناحية الاستراتيجية. وقد حان الأوان لبحث ودراسة كل الخيارات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©