الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وحدانية الرؤية وتعدد الأساليب

وحدانية الرؤية وتعدد الأساليب
15 ديسمبر 2011 00:37
يقول المؤلف علي سليمان الرواحي في كتابه “الأصولية والعقلانية/ دراسات في الخطاب الديني العُماني” إن العديد من الخطابات تتنافس في الفضاء الاجتماعي الواحد، بغية السيطرة على هذا الفضاء، وتوجيه الفاعلين الاجتماعيين فيه حسب أسس وقواعد محددة. تختلف حدة هذا التنافس وأساليبه، من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى. وتساهم السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها في خلق أدوات الخطاب وأساليبه وفي التعبير عن رؤى منتجي هذا الخطاب، أو المساهمين في إنتاجه. ويشير المؤلف إلى أنه لا يمكن أن يسيطر خطاب واحد، على فضاء اجتماعي ما، ذلك أن بقية الخطابات التي تتنافس أو تعارض الخطاب الرئيسي أو خطاب الأغلبية، مهما كانت سيطرة هذا الخطاب وسطوته، ومهما كانت الأدوات التي يستخدمها والوسائل المتاحة لديه أو التي يساهم في خلقها، لا بد أن يكون لها نصيب من القبول المجتمعي، والإقبال على ما تطرحه من رؤى ومواضيع. أسئلة يشير المؤلف أيضاً في كلامه عن الفضاء الاجتماعي العُماني، وعن الخطابات الفاعلة والمؤثرة، بل والمحركة لهذا الفضاء الى وجود أسئلة مهمة ويبدو أنها معقدة وغير سهلة الإجابة. إنها أسئلة تواجهنا لحظة التفكير في الحديث عن المجتمع العماني المعاصر، هل نتحدث بشكل تاريخي؟ اي، هل نبدأ بطرح أسئلة حول تاريخية هذا التجمع؟ أم نترك التاريخ قليلاً أو كثيراً ونتعامل مع الحالة الراهنة والخطابات الدينية والاجتماعية المحافظة والليبرالية المتنافسة فيه بغرض معرفة الخطابات الفاعلة فيه، ومحاولة الاضاءة عليها من الداخل والكشف عن مكنوناتها؟ وكشف العمليات الداخلية في قيام أو نشوء هذه الخطابات التي دعوناها متنافسة وذلك من تمويه مقصود وغير مقصود على سبيل المثال. يتحدث المؤلف في هذا البحث عن جزئية واحدة تتشارك فيها معظم الخطابات المتصارعة والمتجاذبة، وخصوصاً الخطاب الديني وأسباب تصدره للمشهد الراهن. يذكر ما الذي يقصده بالخطاب؟ وعلى وجه التحديد فما هو المقصود بالخطاب الديني؟ من الضروري الحديث عن الاستخدام اللغوي لمفهوم خطاب قبل تحوله الى التداول وتغير دلالته وذلك بالإضافة أو الحذف للكثير من الترسبات السياسية والاجتماعية. وبالانتقال من اللغة إلى الثقافة الاجتماعية، فإنه لمن المفيد التذكير بأن الخطاب هو مسألة متحركة وفقاً لتطور المجتمع وتغيره عبر الزمن، وبالتالي فإن ثقافة المجتمع هي ثقافة متغيّرة. إنها مسألة مترابطة فالخطاب متغير تبعاً لتغير الثقافة وتبعاً لتغير حركة المجتمع، أو هكذا يفترض المرء. كما يمكن قراءة تغير ثقافة مجتمع ما تبعاً لتغير خطاباته المنتجة. يذكر المؤلف أيضاً أن الخطاب عبارة عن شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر في الوقت نفسه. تطوّر المفهوم، أو تغيّره، من سياق تاريخي لآخر، مرتبط بالسياق المعرفي لذلك السياق، وبالوضع الفكري، ذلك انه من الممكن الحديث بناء على التعريف المركزي للخطاب وذلك لأنه يحتوي على العوامل المختلفة في معالجة الخطابات. فالخطاب حسب هذا التعريف، عبارة عن شبكة معقدة فهو ليس مفرداً، بل هو يرتبط بالكثير من العلاقات والعلاقات المضادة. معنى ذلك بأن الخطاب اياً كان هذا الخطاب، يشكّل ويتشكل عن طريق هذه الشبكة اللغوية والمعرفية المعقدة. ومعنى المعنى هنا يشير المؤلف بأن الخطاب لايمكن أن يتحدث أو يفكر أو يطرح على المتلقي، إلا حسب اشتراطات متعددة، ومتنوعة المصادر. العلاقات المعرفية واللغوية المسموح بها لأي خطاب كان، هي التي تحدد أفق التفكير بالنسبة لهذا الخطاب. وحسب النقد الثقافي، فإن الخطاب خاضع للمؤسسة الثقافية التي ينتمي اليها، واللغة وتصوراتها والأطر التاريخية والمعرفية المسموح التفكير فيها في فترة تاريخية محددة، كل هذه التضمينات تساهم بنسبة كبيرة في صياغة الخطاب والأطر التي يطرحها. من هنا يقول المؤلف نستطيع فهم ارتباط التفكير بالتاريخ وارتباطهما باللغة: فما هو ممكن التفكير فيه في عصر من العصور، قد يصبح ممنوعاً في فترات تاريخية أخرى أو العكس. أما في الخطابات المتنافسة تتنافس العديد منها في الفضاء الاجتماعي الواحد، بغية السيطرة على هذا الفضاء، وتوجيه الفاعلين الاجتماعيين فيه حسب أسس وقواعد محددة. وتختلف حدة التنافس وأساليبه، من مجتمع الى آخر، ومن ثقافة لأخرى. يقول المؤلف: تساهم السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، في خلق أدوات الخطاب وأساليبه في التعبير عن رؤى منتجي هذا الخطاب، أو المساهمين في انتاجه. وهذا يعني أنه لا يمكن أن يسيطر خطاب واحد، على فضاء اجتماعي ما، ذلك أن بقية الخطابات التي تنافس أو تعارض الخطاب الرئيسي أو خطاب الأغلبية، مهما كانت سيطرة هذا الخطاب وسطوته، لابد ان يكون لها نصيب القبول المجتمعي، والإقبال على ما تطرحه من رؤى ومواضيع. ذلك أن الفاعلين الاجتماعيين في كل زمان ومكان يختلفون في خلفياتهم المعرفية، ورؤاهم الأيديولوجية. ذلك أنه لا توجد مجتمعات متجانسة، خالية من الاختلافات، أو تجمعات بصوت واحد، ورأي واحد، وفكر لا يقبل الاختلاف والتعارض في الرؤى ووجهات النظر. أهداف ويعرض المؤلف هذا العمل بأنه ينخرط وبشكل كامل في هدف مختلف عن كل تلك البواعث والأيديولوجيات السائدة والمتداولة في هذه الآونة، انه يحاول القيام بتقديم رؤية حول الخطابات الموجودة في عُمان وتأثيرها في الإنسان العماني المعاصر إلى حد كبير. تتسم أعمال هذه الدراسة وأحداثها بخاصية ضمنية تحركها، وتتحكم فيها، ظاهرة التجانس والانسجام الموضوعي. فبالرغم من الاختلافات السطحية بين هذه الأعمال والأحداث إلا انها تتميز بالترابط بين مواضيعها والاتساق بين خطواتها. حتى إنه يمكننا الحديث بأننا أمام نص بتأليف جماعي أو خطاب يسعى للتمام والاكتمال. يتخذ مسارات فوقية متباينة، في مقابل بنية عميقة منسجمة، وذلك من حيث أسس هذا الخطاب وأهدافه. وهو مؤشر على تواصل الأجيال حيث يتم التطرق الى هذه الأعمال وإعادة إحيائها، بطريقتين: المتخيل التاريخي الإسلامي المتوتر ذي المسار الطويل. والطريقة الثانية العلاقة الملتبسة مع الغرب، وفي الحالتين يتم التنكر للواقع، واستبداله بنماذج لا تنتمي للواقع المعاصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©