الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل حقا تمّ التغيير؟

15 ديسمبر 2011 00:36
في سؤال وجهه أحد الصحفين الأجانب للملك عبد الله الثاني ملك الأردن عن توقعاته للعالم العربي للعام 2012 أجاب العاهل الأردني قائلا: “أفضل الا أتوقع لأن كل توقعاتي للعام الماضي كانت غير صائبة ولم تكن في محلها”. وفي الواقع لم يكن هناك في العالم العربي من كان يتوقع أن تنقلب الأحوال في العالم العربي رأسا على عقب. ولكن “لم يكن أحد يتوقع” لا تعني أن الوضع كان بخير وأن الأمور كانت تسير في الاتجاه الصحيح، ولكنها كانت تعني شيئا واحدا وهو أن ثقافتنا الاجتماعية المتوارثة عبر العصور والمحافظة الي درجة الجمود كانت ترفض أن تصدق أن تغيرا ما سوف يحصل. ثقافتنا الاجتماعية التي تسيّر حياتنا كانت تتوقع أن تظل الأمور تسير على نفس النمط ربما لعقد أو عقدين أخريين. فالمحافظة على الأوضاع السائدة stat s q o والخوف من التغير لم يكن فقط من صميم ثقافة الانظمة العربية بل من صميم ثقافة الشعوب العربية التي دائما ما تقول “اللي تعرفه أحسن من اللي لا تعرفه”. في ظل سيادة تلك الثقافة لم يكن مستغربا أن تأتي الثورات العربية كهزة قوية. هزت ليس فقط العروش العربية التي ظلت صامدة في مكانها لعقود طويلة بل هزت صميم ثقافتنا الاجتماعية في أسسها البنيوية والتي لم تكن يوما تؤمن بالتغير الراديكالي أو المفاجئ. حفلت المجتمعات العربية بجملة من المتناقضات كانت كافية في حد ذاتها بأن تسفر عن ثورة. فبينما كانت المجتمعات العربية تصغر في أعمار أبنائها وفي شبابها بكل ما يحمله هذا الشباب من قضايا ملحة بحاجة الي حلول سريعة، كانت الانظمة تهرم ويصيبها الإهتراء، وبينما كان العالم يصغر بتقاربه وتقنياته وسبل اتصاله كان العالم العربي يكبر، ليس في حجمه ولكن في أعمار قادته، وبينما كان العالم يتطورسياسيا وينحو منحى التكتلات الكبيرة كان العالم العربي يتمزق وينهج ساسيات لا توصف الا أنها ليست في صالح الشعوب العربية، وبينما سادت بين الشباب ثقافة شبابية قائمة على ثورة التقنيات والعولمة التي جعلت من الشباب العربي الذي يكون أكثر من ثلث العالم العربي، توحده ثقافة واحدة، سادت ثقافة الجمود عقول الأنظمة التي رفضت تصديق أو حتى استيعاب ما سوف يحصل أو حتى التعامل معه بحكمة حينما حصل. بينما كانت الشعوب العربية تفقر كان القادة العرب يثرون وثرواتهم تتضخم وتكتسب كل يوم أرقاما قياسية جديدة، بينما كانت البنى التحتية في الدول العربية تهترئ وتضعف وتختل، كانت البنى التحتية لبلاطات القادة العرب وأجهزة استخبارتهم تتطور وتكبر وتحدث، بينما كانت الثقافة العالمية والسياسيات الدولية تجمع شعوب المنطقة وتوحدهم في ثقافة عالمية واحدة بل هدف واحد، كانت السياسيات الإقليمية والعالمية تفرق الانظمة العربية وتجعلهم في تناحر وخلاف دائم. كان العالم يحفل بالتغيير والتطور ولكن العالم العربي ظل في جمود وبرود يحسد عليه. حتى عندما قامت الثورات العربية لم يكن العالم العربي مصدقا أن تقوم ثورة وأن تقلب كل البديهيات العربية والتى ظل بعضها قائما لعقود طويلة دون أن يجرؤ أحد على المطالبة بالتغيير أو المساءلة والنقد. لم يكن أحد يتوقع أن تعرى تلك الانظمة وتفقد شرعيتها وتكشف لنا الأحداث عن مستوى الفساد المستشري في العالم العربي والكبت ومصادرة الحريات، تلك العوامل التي ساهمت جميعها في انفجار الوضع أو في تسونامي من الاحداث المتلاحقة بعد ذلك. أفرزت لنا الثورات العربية الكثير من المتغيرات ولكن ربما أكثر المتغيرات تأثيرا هي المتغيرات المتعلقة بالثقافة بشكل عام وبالثقافة الاجتماعية بشكل خاص. فقد اثبتت الثورات العربية بأن تلك الثقافة والتي كانت دوما عصية على التغير نظرا لتأثرها بباقي الأوضاع العربية الجامدة تحتاج إلى تفكيك وإعادة تركيب في الكثير من مقوماتها وبنيتها التحتية، بل أن هناك ثقافات اجتماعية بالية تحتاج الى إلغاء واقصاء كي يعيش الفرد حرا طليقا في تفكيره وفي حياته حتى حين لا يجد الطعام والمسكن اللائق به. كثير من الثقافات السالفة الذكر تقبلها العقل العربي بل ساهم فيها دون أن يدري. هناك ثقافة الفساد المستشري والذي يعد عاملا رئيسا في تلك الثورات، ذلك الفساد المسكوت عنه والذي لم يكن الا المحرك العفوي لتلك الثورات، هناك عامل الكبت السياسي والاجتماعي والذى مورس من قبل مؤسسات مجتمعية ودينية والذي ساهم في أبقاء الاوضاع على ما هي عليه لسنوات طويلة. هناك ثقافة تقديس بل تأليه أصحاب المراكز والجاه والسلطة، هناك ثقافة الخوف من العسكر لأنهم يملكون ما لا يملكه الشارع من سلاح ومن تأييد السلطة المطلق لهم وكانت هناك ثقافة تبجيل المؤسسة الحالكة الأمر الذي أضفى عليها نوعا من القدسية أدت الى غياب روح النقد والمحاسبة والمساءلة. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول بأن الثورات العربية قد قضت تماما على كل تلك الثقافات البالية وعلى كل هذه المتناقضات التي يحفل بها العالم العربي الا أنه يمكن القول بأنها نجحت في وضع خطة طريق واضحة امام الشعوب العربية وعرت صميم ثقافتنا الاجتماعية. فهل بعد ذلك نتسأل: هل للثقافة من ربيع؟ نعم عندما تموت ثقافة الخريف والشتاء فهذا يعني مولد ثقافة جديدة هي ثقافة الربيع. لقد نجحت الثورات العربية في تعرية أسس ثقافتنا الاجتماعية الخريفية وتنقيحها من الكثير من الشوائب االتي لحقت بها من خوف وتقديس وتبجيل وعيب ومسكوت عنه. كما نجحت في تعرية بعض المؤسسات المجتمعية التي وقفت لسنوات طويلة مع الجمود وضد التغيير على الرغم من إصراراها بأن التغير هو سنة الكون. لقد نجحت الثورات أيضا في تعرية وكشف أوجه القصور في ثقافتنا المتوارثة االتي ورثناها لأبنائنا ولم تكن في مستوى الوعي الذى وصلوا هم اليه. حتى وأن فشلت الثورات في أحداث التغيير السياسي المنشود فيكفيها فخرا بأنها أحدثت تغيرا مؤكدا في ثقافتنا وطريقة تفكيرنا وطريقة تعاملنا مع القادم من الأحداث وأكدت أن العالم العربي لن يكون جامدا مجددا. أنها حقا ربيع القرن الحادى والعشرين. * أستاذة مشاركة في قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات العربية المتّحدة، والورقة قدمت لمؤتمر الفكر العربي العاشر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©