الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نجوم الغانم: اغتراب أبعد من الجغرافيا

نجوم الغانم: اغتراب أبعد من الجغرافيا
15 ديسمبر 2011 00:34
منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، والشاعرة المخرجة السينمائية نجوم الغانم تنتقل بين الحقلين الإبداعيين، الشعر والسينما، القصيدة والفيلم، فلا تترك أحدهما إلا لانشغالها بالآخر، ويحدث أن تنشغل بعمل شعري وآخر سينمائي في وقت واحد. وكان الحصاد ثرياً نسبة إلى تجربة عشرين عاما ما زالت تزداد تألقا ونضجا في الوعي والمعالجات. حصاد هذه التجربة، أو معظمه هنا، سينمائيا: آيس كريم 1997، الحديقة 1997، ما بين ضفتين 1999، المريد 2008، حمامة 2010 الذي نال عددا من الجوائز محليا وخارجياً. وفي الشعر: مساء الجنة 1989، الحرائر 1991، رواحل 1996، منازل الجلنار 2000، لا وصف لما أنا فيه 2005، ملائكة الأشواق البعيدة 2008، وليل ثقيل على الليل 2010. مع إنجاز فيلمها الوثائقي الجديد “أمل” الذي يعرض في مهرجان دبي السينمائي في دورته الثامنة، حاورنا نجوم الغانم حول فيلمها وعدد من القضايا المتعلقة بالسينما والشعر والعلاقة بينهما، فبالنسبة لها هي تعتبر العمل السينمائي مضنيا وشاقا، لأنها لا تقدم عملا ترفيهيا بالمعنى الذي يطالب به الجمهور الباحث عن التسلية، وإنما هو وثيقة بصرية كما هو حال فيلم “المريد” الذي تناول شخصية أحد أهم رواد هذا الطقس الروحاني في المنطقة، ولهذا السبب سيبقى ترويجه مقتصرا على القنوات والمهرجانات المتخصصة والمعنية بالطرح الجاد. ولكن هذا التعب يعوضه شعور عند الانتهاء من الفيلم شبيه بالشعور النهائي بالقصيدة المنجزة. هناك مزيج من اللذة والإحساس بالرضا، تقول. كما ترى في مجال العلاقة بين الشعر والسينما أنه بالتأكيد لا يمكن مقارنة إنجاز العمل السينمائي مع إنجاز العمل الشعري. وتوضح: لقد سبق أن ذكرت في مناسبات عدة أن كتابة قصيدة لا يتطلب منك سوى الورقة البيضاء أو جهاز الكمبيوتر الشخصي، والآن أصبح الأمر سهلا بعد أن أصبحت الكتابة ممكنة حتى في الهاتف المتحرك.. أما صناعة فيلم فهي تشبه بناء سفينة وإنزالها في المحيط ثم الإبحار، وكل خطوة من هذه الخطوات هي مغامرة.. ولكن المتعة التي يشعر بها المرء بعد مشاهدة فيلم جيد أو قراءة قصيدة جميلة هي واحدة.. الاستمتاع بعمل فني راق والشعور بالسعادة الغامرة.. هذا ما قصدته بالضبط بامتزاج ماء البحر بماء النهر وعدم القدرة على فصلهما.. الإحساس بجماليات العمل الفني هو واحد، إما أن تحبه وإما أن يعجز عن أن يبني معك جسر محبة. أمل الفنانة والصحفية منذ عنوان الفيلم “أمل”، ورغم كل مشاعر الغربة والاغتراب، المكاني والزماني، بين وطنها سوريا وبين الشارقة وأبوظبي، ولنعرف الرسالة الأساسية في الفيلم، كان الحديث أساسا حول شخصية أمل المرأة الواقعية، فقالت نجوم بداية إن الاغتراب الذي ناقشه فيلم “أمل” هو أبعد من الجغرافيا وحالة المكان. الاغتراب ليس بين أبوظبي والشارقة وإنما بين واقع الفنان وأحلامه وانكساراته بغض النظر عن الأمكنة كمسميات، وفي حالة أمل حويجة الإنسانة فإن ما طرح حولها في الفيلم من أحد زملائها أنها “ظلمت في غربتها بوطنها وفي غربتها في الغربة” وكان يقصد أمل المنتمية إلى التاريخ الفني والممثلة الناجحة التي بقيت في الظل طيلة سنوات وجودها في الإمارات من الناحية “الفنية” وليس المهنية فهي حتى في الإمارات كانت ناجحة في الأعمال التي قامت بها على الصعيد الوظيفي والصعيد المرتبط بموهبتها كممثلة. ونتوقف عند سؤال ومشكلة الاغتراب وإلى أي حد تشكل سؤالا وجوديا في حياة نجوم، الأمر الذي يجعلها تتناولها بكثرة عبر هذه الشخصيات الغريبة والهامشية، وهنا تقول: بالنسبة لي كإنسانة تتعامل مع الإبداع ككتابة أو كإخراج فإن هناك حالة من عزلة الذات، عزلة الكائن الذي بداخلنا والذي يحاول أن يبحث لنفسه عن زاوية له يستطيع فيها أن يتحقق وتتحقق أحلامه ورؤاه. الفنان هو دائما غريب أينما ذهب بسبب الحساسية العالية التي ترتبط بوضعه خاصة حين يتطلب الأمر تواجده بين الآخرين ثم انسحابه ليمارس إبداعه في كونه القصي. نحن كائنات اجتماعية لا شك ولكننا أيضا نتوازن حين نذهب إلى مساحاتنا الداخلية. هذا كله يجعلنا نبدو غرباء أينما تواجدنا بسبب هذه الهواجس وأيضا بسبب هذا الاضطراب الرائع لأنه بالنهاية اضطراب يحدث بسبب الحاجة للتعبير في الشكل الإبداعي الذي نرتاح فيه وإليه. الآن فيما يخص الخيارات الابداعية فبالتأكيد أشعر بأهمية تسليط الضوء على شخصيات لها أبعاد ولديها تاريخ شخصي غني وتجربة انسانية عميقة حتى يكون العمل أكثر ثراءً من ناحية وأكثر متعة حين نعمل عليه من ناحية ثانية. وقد يغترب البعض عن الوطن ويجد نفسه في بلد آخر، فكيف وما هي العوامل التي تحكم هذه المعادلة؟ عن هذا الجانب تقول نجوم: هناك الكثير من الطروحات المتعلقة بهذا الموضوع بالذات، وفي سياق مشابه هناك قول للخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول فيه “الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن”. لو تأملنا هذه الجملة بشكل عميق سنستطيع أن ندرك أن الأمر في غاية العمق والبساطة في آن. المعاناة لا وطن لها وحين تكون في الوطن فإنها تؤدي للبؤس والانكسار والجرح. ولكن من ناحية ثانية فمهما أعطت الغربات من كرامة أو مال أو استقرار فإنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الأوطان لأن الأوطان أشجار مزروعة بداخلنا ونحن جذورها فوق سطح الأرض. لا أرى بديلا عن الأوطان مهما كان العيش في الغربات مريحا. النجاح المهني قد يعطي إحساسا بالرضى ولكنه يبقى غير كاف للإنسان الحقيقي ذي الحساسية العالية. وهذا ينطبق فقط برأيي على الذين يذهبون إلى البلدان الجديدة وهم يحملون وعياً ناضجا وما زالت ذاكرة أوطانهم حية في وجدانهم. أما الذين يولدون في البلدان الجديدة فحكايتهم أخرى وهي مختلفة تماما عن ما يطرحه الفيلم وما أقصده بكلامي السابق. تحولات الشخصية وتعقيداتها كل ما مضى كان تناولا للمستويين الموضوعي والفكري في الفيلم، ولكن ماذا عن السؤال الفني، فكيف عالجت المخرجة هذه الشخصية الموزعة بين الوطن والاغتراب؟ تقول عن هذا الجانب: أظهرتها في ظروف وأحداث ومواقع مختلفة وتابعتها وهي تتحول. في بداية الفيلم نجد (أمل) في حالة تشبه حالة من يعيش قصة حب مع المكان وأشيائه وتفاصيله ثم تدخل في منطقة ذاكرتها وإشكالاتها وتعقيداتها. وحين يبدأ البوح الشخصي تتكشف لنا الجوانب الخفية من تلك الشخصية ونبدأ في رؤية الحقيقي فيها ونرى أيضا الانكسارات تظهر الواحدة تلو الأخرى وبنفس الدرجة نقف على المحاكمة الذاتية للنفس وتحليل وضعها. وبعد تقديمها شخصية “حمامة”، تلك العجوز التي تجاوزت التسعين من عمرها وتصر على تقديم العلاج الشعبي للمرضى، برز تساؤل ما الجديد في شخصية أمل على كل المستويات: الحوار والتصوير والمعالجات الفنية والفكرية، فقالت نجوم: أمل مختلفة تماما عن حمامة لأنها تنتمي إلى عالم فني ومهني أكثر تعقيدا وهي في حالة مقاومة مستمرة ومساءلة لا تتوقف على جميع الأصعدة. أمل تنظر إلى العالم من زاوية الإنسان المتعلم والمثقف والفنان المدرب والإنسان الحالم بالمعنى الفني والإبداعي وكذلك الانسان المهجوس بالتغيير والتنوع والحداثة، أما حمامة فهي امرأة متصالحة مع بيئتها وعالمها المثالي البسيط وترى الكون من زاوية فيها الكثير من العفوية وقائمة على قناعات اجتماعية ودينية سائدة. لكن كلتيهما من النساء المتميزات والناجحات والمهمومات بقضاياهن ولكن كل بطريقتها وفي دائرتها وحسب مستواه وخلفيته الثقافية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©