السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يضع المنهج؟

من يضع المنهج؟
24 ديسمبر 2014 20:45
شهدت المناهج الدراسية في الدولة مرحلة قبل عقد من الزمان كان فيها الأدب الإماراتي غريباً، ولا يكاد يجد له مكاناً فيها. لكن مرحلة تالية أعقبت ذلك، بدأ فيه هذا الأدب يأخذ طريقه إلى المناهج الدراسية لتعريف الطالب به، ولا سيما الطالب الإماراتي الذي يحتاج إلى أن يتعرف إلى أدبه وملامح هويته الإبداعية. أما في الجامعة فثمة حضور متفاوت من جامعة إلى أخرى بين التمثيل الطيب والضعيف والمعدوم. وأحسب أن الجامعات الخاصة التي حاضرت في عدد منها لم يكن للأدب الإماراتي فيها حظ التمثيل. ويسعدني أني استطعت تدريس نصوص أدبية إماراتية في جامعتين اثنتين لأول مرة. وجامعة ثالثة كان لنا فيها كتاب منهجي عن اللغة، استطعنا أن نضمنه ما أمكن أنا وإحدى الأستاذات نصوصاً شعرية لا تزال تدرس. وهو المنهج الذي أحاول تدريسه في المقرر نفسه في الجامعة التي عملت فيها مؤخراً. الواقع أن الإجابة عن سؤال «هل وجوده يكفي؟» ليست سهلة. لأسباب تتصل بطبيعة المنهج وأهدافه وطرائق بنائه أو لنقل فلسفة بنائه. فليس المنهج الدراسي - ونحن نسميه بذلك تجاوزاً الآن لأننا نتحدث عن الكتاب المنهجي فقط وليس عن المنهج الأكثر شمولاً ـ أقول ليس المنهج الدراسي جراباً يمكن أن نضع فيه ما نريد في أي وقت نشاء. فالكتاب يعتمد على الفلسفة التي يتضمنها المنهج الذي تعده لجنة أكاديمية أو تعليمية وفق محددات من الأهداف والقيم والمخرجات التي يراد قياسها. ويحدث أحيانا أن تحكمنا متطلبات وقيم وأهداف كثيرة تحول دون تلبية بعض المطالب المهمة. فعلى سبيل المثال: تطلب وزارة الصحة أن يكون في المناهج ما يمثل الوعي الصحي. وتطلب مديرية المرور أن يكون في المنهج ما يعبر عن الوعي المروري. مثلما تطلب جهات رسمية تمثيل حقوق الطفل، وحقوق المرأة، ومنظمات الرفق بالحيوان، ومنظمات رعاية المسنين وسواها. فهل يستطيع المنهج أن يمثل لمختلف هذه القيم والمجالات المهمة جداً من دون أن يحدث ثمة جور على الكتاب المنهجي أو ترهل فيه؟.. أحسب أن السؤال لا يتوقف عند: هل يكفي تمثيل الأدب الإماراتي في الكتاب المنهجي. بل هل يعد هذا التمثيل دقيقا؟ هذا السؤال سينتقل بنا لسؤال آخر عن معايير من يضع المنهج؟ وإلى أي حد يستطيع الوصول إلى النماذج الحقيقية المعبرة عن روح الأدب الإماراتي ونصوصه العالية.. لأن نظرة سريعة إلى النماذج المختارة ستجعلنا نأسى لكثير من النصوص التي غيبت أو لا تزال ترقد في الظل، إن لم يكن في العتمة.. أحياناً قد يرسل أحد نصوصه. وأحياناً أخرى تكون النصوص قريبة أو متوافرة لأحد أعضاء اللجنة التي لا تملك غالبا رؤية كلية عن واقع الأدب الإماراتي.. هذا ما يحدث. وبعض النصوص جيء بمجتزءات منها لأغراض التمثيل لظاهرة أو قاعدة لغوية أو نحوية فقط . قلت هذا يوما لمسؤولي المناهج وقد عملت معهم لبضع سنين. وكان مسؤولا، سألني وماذا تقترح؟ فقلت في اختيار أي لجنة تختص بالناحية الأدبية لا بد من وجود شاعر وناقد ورسام تشكيلي ومخرج وتربوي فيها، فهؤلاء مما لا بد من وجودهم ورأيهم الفني والإبداعي.. فابتسم.. وكنت أعرف أن مطلبي سيكون معجزا في أي وقت ومكان في بلادنا العربية. وهو أقرب إلى اليوتوبيا. صناعة المنهج والكتاب أمر معقد. حين تختار لجنة نصاً ما لتمثيل ظاهرة أو قيمة أو ثيمة فإنها ستبحث عن نصوص تمثل المضمون كالصيد أو الفقر أو الحوار أو الطفولة. ولا يهمها في الحالة هذه من كتب النص أو قيمته الفنية!.. لا بد من وضع معايير فنية مسبقة بناء على معايير المحتوى المراد أو الفنون التي ندرسها. معايير تتصل بالجودة وبمعرفة الكتاب ومستوياتهم فلا نمثل للبساطة السردية أو الفجاجة الشعرية ونترك نصوصاً لإشراقات الأدب الإماراتي. لكن من يفعل ذلك من اللجان المهنية التي لا نناقش علميتها وجودتها هنا بل خبرتها الفعلية بالنصوص الإماراتية وأصحابها؟ لن يكون هناك حل في الجوانب الإبداعية والفنية من دون وجود لجنة استشارية فنية متخصصة يعهد إليها الاختيارات.. فالمنهج الأدبي لا يقوم على جهود المختصين التربويين المعنيين بالمناهج حسب. بل لا بد من هؤلاء الاستشاريين المختصين في مجالهم. اللجنة المهنية للمناهج تقرر المهارة أو الفن ويبقى على الاستشاريين المعنيين بالأدب والإبداع المطلعين عليه التمثيل لتلك النصوص وفق معايير وضوابط للجودة مقننة مسبقاً.. بدون ذلك سيكون سعي مختص المناهج نحو البحث عن نص ممثل خبط عشواء أو الاعتماد على غيره ممن لا نعرف مدى حظه من الدراية والخيرة والتماس مع الأدب الإماراتي. وعلينا أن نحسب حساب تمثيل النصوص من حيث الحجم كي لا تصبح هماً على الطالب. ويكفي أن ندرسها بعناية وفهم ولا نلزم بحفظها كي لا تكون عبئا. ولا سيما أننا سنمثل للأدب العربي أيضاً وليس الإماراتي حسب. وربما وهو الأفضل أن نفسح مجالاً للأدب العالمي في مرحلة متقدمة من الدراسة. حقيقة فإن الاختيار الموفق كان على الدوام من واقع التعامل الواقعي، وكان مجدياً ومفيداً ولاقى تفاعلا جيدا، ولا سيما على مستوى الجامعة. وعلى العكس حين تقدم للطلبة نصوص ذات لغة كلاسيكية عالية فوق مستوى الطالب برغم شروحاتها. يجد نفسه في غربة وحيرة هو وأسرته المشرفة على المذاكرة له. لي طلبة وطالبات متعلقون كثيراً بالشاعرة خلود المعلا نتيجة الحرص على اختيار ما أعتقد أنه يهمهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©