حراس البحر

معرض الكتاب طقس معرفي لا يقل عن عملية القراءة ذاتها، تتداخل فيه العناصر التي تشكل العملية الإبداعية، تتضح فيه الاتجاهات الفكرية والنتاجات الثقافية، ويكشف عن الأرضية التي نقف عليها، والمساحة التي نحتلها بين الثقافات والمجهودات الإنسانية· شكل معرض الكتاب ليس مجموعة رفوف أثقلت بما أنتجته المطابع، وليس حركة ناشرين وأصحاب مكتبات يبحثون عن قارئ، وليس مكان تجمهر يتبادل فيه الناس التحيات والسلامات، المعرض شكل ومحتوى، دماغ هائل تتزاحم فيه الاتجاهات والتوجهات، تصف إنساننا في هذا العصر المزدحم بالأشكال البشرية والمدارس الفلسفية، كل يحاول إقناع الآخر بما لديه من تراث وإبداع، من اصالة ومعاصرة، من علوم وفنون، إنه مكان قد يدخله الجاهل فيصاب بالحيرة، ويدخله العالم فيزداد إيمانا أنه على عتبة العلم· المنظمون يتحملون مسؤولية حشد الرؤى، ليس من مهامهم تغليب رأي على آخر، إنهم حراس بحر يفتحون شطآنه على المدى الأزرق، ويزيحون ستارة الريح كي تحرك الموج وتكشف اللآلئ· الناشرون يتحملون عبء النوعية، مسؤولون أمام الله والإنسان والتاريخ، فالكتاب ليس أداة للمتاجرة، وإن كان الربح أول أهداف الناشر، والربح يأتي إذا ما تحققت الحرفية والمهنية والتعامل المسؤول مع الكلمة المطبوعة، إذا ما اجتهد الناشر في التعريف وليس التخزين، إذا ما حفظ حق المؤلف والمبدع والباحث والمترجم، إذا ما تحقق من أصالة المخطوط التراثي، والرسالة الجامعية والبحث العلمي، إذا كان همه نشر الوعي وإزاحة العتمة عن الطرقات وعن دهاليز الأدمغة التي قاربت على الصدأ· الناشرون ليسوا مجرد وسطاء طباعة ينقلون ما تجود به قرائح الكتاب إلى المطابع، لينتهي دورهم، الناشرون مسؤولون عن الترويج للمتميز واللافت، للعمل الذي يتجاوز السائد، للكتابة المغامرة بمسؤولية كبيرة، للتجريب المدروس، للفكرة الجديدة وهي تشق ركام العادي من الكلام والأساليب· القارئ مسؤول عن صناعة الكتاب بالبحث عما يليق بقدراته العقلية، بما يحترم فكره وثقافته، فلا ينجر للعناوين البراقة أو المغرية التي تداعب حواسه وغرائزه، أو تداعب فضوله للتعرف إلى الفضائح، القارئ مسؤول أكثر من الناشر والعارض والمنظم والكاتب، لأنه يحدد الذي يسود، ويعطي شهادة للمتفوق في زمن بات التفوق يكتسب معاني لا تمت للنوعية والإبداع· الإعلاميون مسؤولون عن نقل هذا المعرض بصورة موضوعية، وعن بريق المعرض الذي يضيء سماء العقول والقلوب، إنهم حاملو شعلة المعرض إلى البيوت· هكذا يفترض أن يكون المنظم والعارض والناشر والمؤلف والقارئ والإعلامي، لأننا نرى أحيانا وعلى أرض الواقع، عكس ما نفترض، ولكن مهما كان عمق الاختلاف، إلا أننا قد نتفق على أن أي معرض كتاب يجب أن يعكس الروح الإنسانية وهي تتوق لتحقيق ذاتها· Akhattib@yahoo.com