الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعدام الشياطين

إعدام الشياطين
12 ديسمبر 2013 20:31
في قفص الاتهام سبعة من الأشرار، جمعتهم ظروف اجتماعية وأحوال متناقضة، الاختلافات بينهم واضحة في كل شيء ولا يتفقون إلا على أنهم جميعا من الجهلاء الذين فشلوا في التعليم وبعضهم لم يعرف أصلا الطريق إلى المدرسة، وقفوا بملابس السجن يتضاحكون ويتبادلون الحديث ببلاده شديدة وعدم إحساس كأنهم في نزهة داخل القفص وان الذي يحدث لا يعنيهم فقد ماتت قلوبهم ولم تعد لديهم أحاسيس ولا مشاعر، أيديهم ملطخة بالدماء وسجلاتهم مكتظة بالجرائم، هم انفسهم لا يعرفون عدد ضحاياهم ولا الذين تضرروا من جراء أفعالهم. منصة العدالة طلبوا من أقاربهم الحاضرين جلسة المحاكمة أن يحضروا لهم أطعمة ومشروبات والأهم منها السجائر، يأكلون ويدخنون وأيضا يتضاحكون، بينما هناك بجوارهم متهمون آخرون مستغرقون في التفكير يكادوا يموتون من الخوف جراء ما ينتظرهم، وفي القاعة تداخلت الأصوات، وبكل تركيز لا يمكن تمييز الصامتين من المتكلمين، فالجميع يتحدثون في موضوعات بالطبع تهمهم وعلى وجه الخصوص ما هم بصدده هنا وهي المحاكمات، فمنهم من جاء مع المتهمين ومنهم أقارب المجني عليهم والضحايا، ومحامون مع كلا الطرفين. وسط هذه الجلبة يأتي صوت الحاجب مجلجلا ينادي «محكمة» إيذانا بخروج القضاة إلى منصة العدالة، فيقف الجميع كالمعتاد إكبارا للعدالة المعصوبة العينين، ويخرج القضاة وممثل النيابة بأوشحتهم المعروفة ويتخذون أماكنهم ويجلس الجميع في مقاعدهم، ويسود صمت رهيب كأنه سكون الليل البهيم بعد تلك الضوضاء التي تصيب بالصداع، وبإجراءات سريعة تنهي المحكمة القضية الأولى وتؤجلها، ثم تبدأ نظر هذه القضية لتبدأ النيابة مرافعتها وتشرح ظروفها وأبعادها والاتهامات والعقوبات التي تطالب بها طبقا للقانون. وقف وكيل النيابة في مكانه على المنصة وبيده ملفات وأوراق كثيرة، أحيانا يقرأ منها واحيانا يسترسل في الحديث من خلال ما يعرف ويحفظ عن القضية، وبمدخله التقليدي قال حضرات القضاة، حضرات المستشارين، إن الجميع ينتظرون حكما عادلا شافيا للمجتمع وذوي الضحايا، حكما عادلا يشفي الصدور، ويحقق العدالة من ناحية ومن ناحية أخرى يعيد الأمن والاستقرار للمنطقة التي روعها هؤلاء بعدما استباحوا كل شيء ولم يكن للحياة ولا للدماء عندهم حرمة، فقد عاثوا في الأرض فسادا، وجزاؤهم أن يقتلوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. فضيحة بـ«جلاجل» القضية تحتوي على الكثير من الوقائع وتكتظ بالأدلة وأقوال الشهود، وتكاد تنطق بالانحراف وتشهد على هؤلاء، كانوا فتية أسوياء فانحرفوا عن جادة الطريق واختاروا طرق الشيطان، اتبعوه وساروا وراءه ومعه حتى تفوقوا عليه في الكيد والتخطيط والإجرام، وجهوا طاقاتهم الفتية نحو السوء بكل أنواعه، سرقوا ونهبوا وقتلوا، التقت إرادتهم مع سبق الإصرار والترصد فقطعوا الطرق وروعوا الآمنين، ونشروا الخوف وزعزعوا الاستقرار. فهذا كبيرهم، ابن عائلة معروفة كبيرة اغتر بالثراء والرجال من حوله، يتباهى بفتوته وعنفوان شبابه، ليس بحاجة للمال ولكنه يجد ضالته في التكبر والتعالي، وذاك شاب فقير معدوم لا يملك شيئا يحتاج إلى المال ولا يجد الطعام، وذاك الأول يعطف عليه ليجده بجانبه يسير في ركابه، وهذا الثالث مدمن مخدرات ولا يتورع عن أن يحصل على المال بأي وسيلة بغض النظر عن الحل أو الحرمة ولا حتى الدم والقتل، وأربعة آخرون من على شاكلتهم، عصبة جمعتها أهداف مختلفة وأسباب متنوعة، والتقوا أخيرا في مستنقع الجريمة. البداية محاولتهم فرض سيطرتهم على المنطقة مستغلين ابن العائلة وقوتهم واتحادهم، ولا يفوتهم أن يستهدفوا من هم أضعف منهم ولا حيلة لهم ولا يقدرون على مواجهتهم، كانوا مثل الخفافيش وطيور الظلام يظهرون في الليل ويختفون في النهار، يسهرون حتى الصباح، وقد أصيبوا بداء تعاطي المخدرات وسرت بينهم عدواه بسرعة، مما جعلهم بحاجة مستمرة للمال من أجل الإنفاق على هذه السموم التي يتعاطونها، ليس دائما تقع تحت ايديهم الفرائس في الطرق، ولا يستطيعون الانتظار، لابد من البحث عن مصادر بأي شكل. خرجوا وانتشروا مثل الجراد في الحقول يسرقون المحاصيل قبل نضجها ويخربون أكثر مما يأخذون، ولكن هذا لم يكف احتياجاتهم، ورغم أنهم معروفون بأنهم وراء تلك الجرائم لم يجرؤ أحد على الإبلاغ عنهم خشية بطشهم، وهذا ما جعلهم يرتكبون جرائمهم وهم في مأمن وبعيدا عن عيون الشرطة وعن يد القانون وفي منأى من العقاب، ولأنهم فقدوا الإحساس والنخوة أيضاً فلم يتورع أحدهم عن التخطيط لسرقة منزل شقيقته، فهو يعرف مداخله ومخارجه في المنطقة الريفية التي يقيمون بها وتتميز بأنها صحراوية، وسرقوا الجاموسة التي تمتلكها هي وزوجها وتعيش على إنتاجها، وقد كانت فضيحة بجلاجل عندما تم اكتشاف ذلك وأن أخاها هو المدبر وأحد المنفذين، لكنهم لم يهتموا ولم يتأثروا ولم تعد الفضائح تؤثر فيهم. قطع الطريق أصبحت حياتهم حراما في حرام، من مأكل وملبس ومشرب، واتجهوا إلى الاتجار في الأسلحة والمخدرات، اتسعت رقعة نشاطهم الإجرامي وتعرفوا على من هم على شاكلتهم، وعندما تعطلت سيارة محملة بالخضراوات على الطريق ولم يكن بها إلا السائق استغاث بهم لنجدته ومساعدته في إحضار من يصلحها له، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، استولوا منه على الحمولة التي كانت تزن عدة أطنان، وباعوها بثمن بخس لأنها مسروقة ومن اشتراها يعرف ذلك فاستغل الموقف وهو يعرف انهم سيوافقون على أي مبلغ يدفعه لهم. وابلغ السائق الشرطة، وأدلى بأوصاف المتهمين، وعند البحث عنهم كانوا مثل الفئران ودخلوا الجحور الصحراوية وهم يتحسسون الإخبار وكانت تلك أول مرة يتم طلبهم للشرطة، لم يتأثروا ولم يتوقفوا، لكنهم أخذتهم العزة بالإثم ووجدوا أمامهم نوعا جديدا من الجريمة التي يعتبرونها «شطارة»، وهي قطع الطرق، ومن يقف أمامهم أو يخالف أوامرهم فمصيره الموت بلا تردد، في الليل يضعون الحواجز على الطريق يحصلون على أموال المارة وهواتفهم المحمولة وما معهم من متاع، الأمر لا يخلو من وجود بعض الشباب الذين يرفضون الذل لكنهم لا يملكون سلاح المواجهة غير أنهم مع ذلك يرفضون ويعترضون فيكون نصيبهم الموت قتلا غدرا وغيلة. وأصبحت عصابة الطريق معروفة ومشهورة، الناس والسائقون يحذرون بعضهم من السير من هذا المكان خاصة في الليل، أطلقوا عليه طريق الموت، فقد كان في الماضي معروفا بكثرة الحوادث التي تقع عليه وكثرة الضحايا من متوفين ومصابين، وقد قلت السيارات المارة عليه بسبب هذه العصابة، ومازال اسمه طريق الموت لأن من يمر عليه يموت مقتولا على أيدي أفرادها، وأصبحت المنطقة حديث الناس، أضافوا إليها أيضاً أحداثاً وقعت في أماكن أخرى، واختلقوا وقائع وهمية مما زاد من الرعب في النفوس، كما بالغوا في عدد أفراد العصابة فقالوا إنهم عشرون ثم ثلاثون وأربعون وأخيرا خمسون مع أن معظم من تحدثوا ليسوا من المجني عليهم ولا من شهود العيان. ثلاث جثث هذا الصباح استيقظ أهالي المنطقة على حادث جديد، ثلاث جثث على جانب الطريق، لكنهم غرباء وليسوا من أبناء المنطقة، لقوا حتفهم قتلا، وجاء رجال الشرطة وأكدت المعلومات أن القتلى كانوا مسافرين على الطريق ويبدو أنهم لم يعرفوا هذه العصابة ولم يسمعوا عنها فهم من بلد بعيد، وقد اختفى المتهمون كعادتهم لكن هذه المرة لا يمكن السكوت على جرائمهم التي تخطت الآفاق ويتمادون كل يوم في غيهم، الصعب في مهمة القبض عليهم أنهم لا يقيمون في مكان ولا مستقر لهم، وما زالوا يثيرون الرعب في النفوس لا يجرؤ أحد على الإبلاغ عنهم أو الإدلاء بأي معلومات تخصهم وتدل على تحركاتهم خوفا من بطشهم والفتك به وخاصة أنهم يواجهون الموت في كل لحظة سواء من أعدائهم الذين كثروا وفاقوا الحصر أو من القانون. مأمورية تلو الأخرى، وحملة بعد حملة في الليل والنهار كلها لم تستطع الإيقاع بهم لكنهم الآن محاصرون وغير قادرين على التحرك بحرية أو حتى الظهور فتوقفت جرائمهم، لكنهم بحاجة إلى المال والطعام والشراب فلا مفر من الخروج بين لحظة وأخرى للضرورة والاضطرار، وكان الصيد الثمين الذي جاءهم على الطريق في منتصف الليل، سيارة معطلة ويبدو أنها محملة بالبضائع، خرجوا عليها وطوقوها فلم يجدوا بها أي شخص، أشهروا أسلحتهم لكن لا يوجد من يقاومهم ولا من يتصدى لهم، تأكدوا أن سائقها تركها بحثا عمن يصلحها له أو تركها خوفا من المكان المظلم، وقبل أن تمتد ايديهم إلى محتوياتها كانت أسلحة الشرطة في رؤوسهم تأمرهم بالاستسلام، فما كان هذا إلا فخا تم نصبه لهم ووقعوا فيه بكل سهولة، واعترفوا في التحقيقات بكل هذه التفاصيل. ويلتقط وكيل النيابة أنفاسه ويلقي نظرة نحو المتهمين وهم في القفص يتابعون هذه المرافعة، ويجدد مطالبته بتطبيق أقصى عقوبة عليهم، ثم تستمع المحكمة إلى دفاعهم الذي أفاض في الحديث القانوني، وترفع الجلسة لتعود إلى الانعقاد بعد ساعة، وتصدر المحكمة حكمها بمعاقبة المتهمين بالإعدام شنقا، فيتحسسون رقابهم ويشعرون بغصة في حلوقهم، لأول مرة يكون لديهم شعور بالضعف، وأيضا بفظاعة جرمهم، بينما أقام الأهالي الأفراح احتفالا بالخلاص منهم. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©