الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بول ميريتس: العربي تاجر شاطر في السوق.. لكن التفاوض شيء آخر

28 مايو 2007 00:30
أحمد مصطفى العملة: رغم موجة العنف الطاغية، فرضت المفاوضات نفسها كأكثر الآليات شيوعاً لصياغة الأوضاع العالمية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتى أنه لم يعد صوت يعلو فوق صوت التفاوض· ومع ذلك يخشى البعض من أن يكون نصيب العرب من المفاوضات، كحظهم عندما لم يكن صوت يعلو فوق صوت المعركة· والخوف له ما يبرره، لأن المفاوضات العربية، عموما، مازالت تديرها قواعد السلطة التي تحمل في بنيتها مضادات التفاوض الفعال، بما تنطوي عليه من بيروقراطية وتركز للسلطة وهيمنة على صنع القرار· وهي سمات تناقض حقيقة أن التفاوض بات علما له معاهد وكليات ومراكز بحثية تهتم بهذا النشاط الإنساني الذي صار يتوقف عليه مصير الشعوب ومستقبلها، في عالم يقوم الآن في معظمه على ما يمكن قنصه على موائد التفاوض· وللأسف يكاد العالم العربي يفتقر الى مثل تلك المراكز البحثية المتخصصة التي يمكنها تخريج كوادر مؤهلة لخوض مختلف مجالات التفاوض، لكنه يحاول الاستعاضة عن ذلك باستقدام بعض الخبراء العالميين في هذا المجال بين الحين والآخر لإعداد دورات تدريبية وجيزة· والدكتور بول ميريتس استاذ العلوم السياسية في الجامعات الهولندية يعد أحد أبرز الخبراء في هذا المجال وله سجل حافل في تدريس وتدريب عشرات الدبلوماسيين في مختلف أنحاء العالم من خلال المعهد الهولندي للعلاقات الدولية في لاهاي· وربما هذا ما جعل جهات معتبرة تدعوه لإعداد دورات تدريبية على التفاوض لمجموعات من الفلسطينيين والاسرائيليين بل والإيرانيين أيضا· وعلى هامش زيارة سريعة قام بها لأبوظبي مؤخرا، بدعوة من المعهد الدبلوماسي، أجرت ''الاتحاد'' معه، حوارا، كشف فيه عن مساهمته في قناة غير رسمية للتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلا: إن العرب لديهم عقبات كثيرة بعضها يتعلق بقيم الثقافة والمجتمع تؤثر على حظوظهم كمفاوضين·· بعكس بعض جيرانهم· وفيما يلي نص الحوار: ؟ احك لنا عن خبرتك مع الفلسطينيين والإسرائيليين؟ ؟؟ أشرفت على عدة دورات تدريبية في القدس الشرقية بعد اتفاقيات أوسلو· وعقدنا أيضا ورش عمل أخرى مماثلة لمجموعات من الفلسطينيين والإسرائيليين في لاهاي، إلى جانب ورشة عمل مع مجموعة أخرى من الجانبين في أثينا قبل أسابيع قليلة· ؟ ما هي طبيعة المشاركين؟ هل هم مسؤولون، أم ناشطون من المجتمع المدني؟ ؟؟ قبل نحو ثلاث سنوات قمنا بتدريب بعض المسؤولين من السلطة الفلسطينية الذين يخوضون مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وتركزت الجلسات على تدريب الفلسطينيين على كيفية التفاوض مع الإسرائيليين· ؟ ما هو محور الجهود التي تقومون بها؟ ؟؟ إننا نتطلع إلى طرق التعاون·· أي كيف يمكن العمل معا حتى ولو كان الوضع على الأرض سيئا للغاية· هناك مجموعة من الجانبين تلتقي منذ سنوات· والآن تعقد اللقاءات تحت رعاية مؤسسة أميركية لإدارة الأزمات في هارفارد ببوسطن· وقد طلبوا مني هذه المرة الحضور وتنظيم ورش عمل·· وما نفعله في هذه الورش بالتحديد هو أننا نتيح للناس خوض مفاوضات مباشرة وجها لوجه، وندرس أيضا مسائل أخرى تتعلق باختلافات العوامل الثقافية والحضارية بين الطرفين· ؟ ماذا تعني بالعوامل الثقافية؟ ؟؟ رغم المشكلات الكبيرة بين الطرفين فإن الاختلافات الثقافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست كبيرة للحد الذي نتخيله· ثمة أشياء كثيرة مشتركة بينهما· لكن هنا تكمن المشكلة أيضا· هؤلاء الذين يعيشون معا يعرفون بعضهم البعض جيدا، ويعرفون نقاط ضعفهم ويستطيعون إيذاء بعضهم بصورة مؤلمة· بالتالي يمكننا النظر للحالة الفلسطينية الإسرائيلية باعتبارها نوعا من الحرب الأهلية· نأمل أن يتمكن الطرفان في وقت ما من التعايش السلمي المشترك· الاختلافات الثقافية ؟ هل تؤثر ثقافة المجتمعات فعلا في عملية التفاوض؟ وكيف؟ ؟؟ الثقافة موضوع خطير للغاية، وغامض أيضا، فالعلماء حتى الآن مازالوا مختلفين بشأن تعريف الثقافة بالضبط· وماهية الاختلافات الثقافية بين الشعوب· بعض العلماء خلصوا إلى أن هناك أربعة أبعاد رئيسية للثقافة، أحدها يتعلق بالميل الشديد للتنافسية·· أي هل ينزع أهل بلد ما لمحاربة بعضهم البعض أو أنهم أكثر نزوعا للتعاون· ثم هناك بُعد يتعلق بفكرة المغامرة أو القدرة على خوض غمار المخاطر· بمعنى هل هذا الشعب أو ذاك يميل للمخاطرة أم لا ؟ الاميركيون مثلا لديهم هذا الميل· بينما تفضل شعوب كثيرة في آسيا تجنب المخاطرة لأنهم بالأساس يخشون إراقة ماء الوجه· وفي بلد كاليابان حفظ ماء الوجه أهم من أي شيء آخر· ثم هناك بُعد ثالث يتعلق بما يمكن تسميته الذكورية والنسوية، أي مدى هيمنة أي من الاتجاهين على المجتمع، حيث الذكورية تجعل المجتمع أكثر ميلا للمنافسة والنسوية تدفعه للاهتمام أكثر بمستوى الرفاه الاجتماعي· أضف إلى ذلك، البُعد الرابع الذي يتعلق بمركب السلطة في المجتمع، أي هل السلطة تتركز في يد طرف واحد فقط في القمة بموافقة باقي أفراد المجتمع، أم أن ذلك المجتمع من النوع الذي يرفض فيه الأفراد تركيز السلطة في يد فرد واحد وهذه هي المجتمعات الديمقراطية· بعض تلك الأبعاد تتأثر بمستوى التنمية الاقتصادية ومستوى تطور المجتمع عبر العصور· وفي الشرق الأوسط فإن القبائل والعشائر والعائلات الكبيرة مازلت تمثل ظاهرة رئيسية وهي كذلك أيضا في مناطق أخرى مثل صقلية والبلقان· بينما في الغرب فإن الفردانية هي الأهم· انظر إلى التغير الذي حدث في الصين، فقد انهارت العشيرة والأسرة وصار كل واحد مسؤولا عن نفسه وليس عن مجموعة· ويفرز ذلك قدرا أكبر من المرونة في أي مفاوضات· ؟ كيف يؤثر ذلك كله؟ ؟؟ إذا ما أردت تشكيل جماعة فإنه لابد من هوية قوية، وإذا ما كانت هناك هوية قوية فإنه سيكون من الصعب العمل مع جماعة لها هوية أخرى· ذلك أنه إذا ما كانت هوية المرء هي الجماعة فإن التخلي عنها يعني الضياع· أما إذا كانت الهوية مسألة تتعلق بشخصية الإنسان فإن الثقافة هنا تصبح هي الهوية· قبرص تعد مشكلة كبيرة بين تركيا واليونان لكنها من ناحية أخرى تمثل المنطقة التي تربط بين البلدين· الأمر نفسه بالنسبة لكشمير فيما يخص الهند وباكستان، إلا أن بعض الجماعات تحتاج إلى هذا الانقسام لتفرض هيمنتها وسيطرتها على تلك الهويات· ؟ هل الفلسطينيون مفاوضون بارعون؟ ؟؟ إنهم ماهرون ومفاوضون بارعون· ومن بين جميع الذين دربتهم في الشرق الأوسط فإن الفلسطينيين -وربما بعض المصريين- على مستوى رفيع· إنهم -وتلك مسألة غريبة-قريبون للغاية من الغرب·· ربما لأنهم من شعوب البحر المتوسط· هناك ما يمكن تسميته ثقافة البحر المتوسط متوارثة من أيام الإمبراطورية الرومانية، إنها منطقة واحدة، ورغم الخلافات الناشبة هنا وهناك، إلا انه في الأعماق ثمة ما يجمع بين شعوب المنطقة من العصر الروماني· وأعتقد أن الفلسطينيين أذكياء· ؟ وماذا عن الإسرائيليين·· كيف هم كمفاوضين؟ ؟؟ إنهم أذكياء جدا أيضا، لكن المشكلة أن الإسرائيليين يشبهون بعض الشيء الاميركيين· فلديهم أسلوب ونزعة تنافسية شديدة في التفاوض· وهذه مسألة مرتبطة أساسا في جزء منها بثقافتهم· هم يعتقدون أنهم بالضغط الشديد على الطرف الآخر سيزيد ذلك من فرص نجاحهم وأنهم لو أبدوا قدرا من الليونة مع خصومهم في المفاوضات فلن يكون ذلك جيدا وسيكون بمثابة إراقة ماء الوجه· وهم عموما يعتقدون أنهم لابد أن يكونوا شديدي الخشونة في المفاوضات·· إنها مسألة تعود للتجربة الإسرائيلية في معسكرات النازي ومرحلة تأسيس دولة إسرائيل· فالإسرائيليون بعد معسكرات الاعتقال قرروا داخلهم ألا يتحلوا بأي قدر من الليونة· وقالوا داخلهم: لابد أن نكون شديدي الفظاظة وإلا فسيأكلنا الآخرون· وهم ينظرون للفلسطينيين كخطر يهدد بتكرار ما جرى لهم أيام ألمانيا النازية· لكنهم لا يدركون أن الفلسطينيين ليسوا الألمان·· إنهم الفلسطينيون الذين يعيشون في هذه البلاد· صحيح أن هناك بعض الجماعات الفلسطينية التي تطالب بإبادة إسرائيل لكن هناك من يريد التعايش السلمي· ؟ والإيرانيون ماذا عنهم؟·· لقد عملت هناك في السفارة الهولندية قبل 4 أعوام وتعاملت معهم كخبير مفاوضات· ؟؟ كانت تجربة مثيرة · أقمنا هناك ورشة عمل بشأن بحر قزوين· وكنا مجموعة من الخبراء العالميين في التفاوض· وتحدثنا مع بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية· ولأن الوزارة تتعامل مع العالم الخارجي فإنهم في الحقيقة ليسوا من فئة رجال الدين والواقع أنهم كانوا أكثر ليبرالية إذ يتعين عليهم التعامل مع العالم الخارجي· أعتقد أن المشكلة تتعلق بوضع داخلي في إيران وليست بين إيران والعالم الخارجي· في كل الأحوال إيران دولة منظمة بصورة جيدة، ومفاوضوهم بارعون للغاية وذلك لأنهم بالأساس منظمون بصورة جيدة· والنساء هناك يتمتعن بحقوق متساوية وبعضهن يحظين بفرص عمل رفيعة المستوى· ؟ وماذا عن العرب هل تفيدهم عقلية التجار في المفاوضات؟ ؟؟ طبعا المفاوضات في السوق تختلف عن المفاوضات بين الدول· فمشكلة العرب انهم يريدون كل شيء، أي يرفضون التنازل عن أي شيء، فإما كل شيء، أو لا شيء· إنهم يخوضون غمار المفاوضات، بنزعة تنافسية وبطريقة شديدة الاستقطاب، إنهم يحاولون الحصول على أفضل صفقة· قد تفيد هذه الطريقة في السوق· لكن في المفاوضات بين الدول فإن هذه ليست هي الطريقة المناسبة· أيضا بالنسبة للعرب·· ثمة فرق بين المفاوضات بين فردين أو بين جماعات، حيث يمكن تقديم تنازلات، وبين المفاوضات بين الدول حيث لا يجوز تقديم تنازلات، لأن ذلك ينال من سيادتها وكرامتها· ويؤدي ذلك طبعا إلى تعقيد المفاوضات التي يخوضوها العرب· السوق غير موائد التفاوض ؟ هل يتعلق الأمر أيضا بالثقافة الخاصة بالمجتمع؟ ؟؟ الشيء المثير هو أنه ليس ثمة علاقة بين ما يجري في السوق وبين المفاوضات· ومع أنني لست خبيرا باللغة العربية، إلا أنني أعتقد أن الكلمة التي تصف المفاوضات في السوق ليست هي نفسها التي تصف المفاوضات بين الدول· وما يجري بين الدول هو حوار، وليس تجارة· هناك فكرتان عن التفاوض، إلا أنه في الغرب ثمة فكرة واحدة فقط للمفاوضات·· سواء إذا ما كان الأمر يتعلق بمساومات في السوق أو حوار بين الدول· والواقع أن الأمر يتعلق في الأساس بفكرة الدولة·· فالدولة في الغرب كيان من أجل أن يعيش الناس في راحة ورفاهية وسلام، لكن في العالم العربي بسبب ظروف التطور التاريخي فإن مفهوم الدولة يتجاوز ذلك، وهو يتعلق بمقدسات· ومن ثم فإنه من الممكن التفاوض على أشياء من أجل راحة الناس، لكن لا يمكن التفاوض على المقدسات كما في حالة الدول العربية· وخذ عندك الدين كمثال انه شيء لا يمكن التفاوض عليه، وهو مؤثر للغاية في المفاوضات، أو بمعنى أصح غير قابل للتفاوض· ؟ ماذا عن المفاوضات مع الإرهابيين، هل ثمة اختلاف؟ ؟؟ إنها مختلفة لكن بحسب الإرهابيين، فهناك عناصر إجرامية تمارس الإرهاب من أجل المال مثلا، وهناك من يفعل باسم الدين، وهناك فريق يتورط في ذلك لحساب آخرين· إذا ما كانت هناك مفاوضات مع مختطفي رهائن قاموا بذلك من أجل الحصول على مقابل فذلك أمر مختلف كلية عن آخرين قد يقومون بذلك وهم مستعدون لتفجير أنفسهم مع الرهائن· ؟ ما هي السمات المطلوب توافرها في المتفاوضين مع الإرهابيين؟ ؟؟ لابد أن يكون هؤلاء بارعين في قراءة تعبيرات الوجه عند التفاوض مع خاطفي الرهائن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©