الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«قوش»... و«محاولة تخريبية»!

2 ديسمبر 2012
عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا كان لاعتقال الفريق المهندس صلاح عبدالله قوش، رئيس جهاز أمن نظام «الإنقاذ» وأحد عشر من زملائه، دوياً أشد قوة من الدوي الذي أحدثه ضرب إسرائيل لمجمع اليرموك العسكري، ذلك لأن «قوش» ليس مجرد عضو عادي في تنظيم «الإخوان المسلمين» أصبح بالصدفة رئيساً لجهاز أمن الدولة، إنما هو أحد مهندسي انقلاب 30 يونيو، وكان مكلفاً بأمن وتأمين الرئيس المقبل، وكما يعلم السودانيون فهو مؤسس جهاز الأمن في حكومة «الإنقاذ» وكان أحد أهم أعضاء المجموعة القابضة على مفاصل السلطة، وفوق ذلك كان رجل المهمات السرية الخطيرة، مثل العلاقات غير المعلنة مع أجهزة الأمن الأميركية، وكان محل ثقة نائب الرئيس علي عثمان. نبأ اعتقال «قوش» والمجموعة التي اعتقلت معه، لم يكن مفاجأة لمتابعي الصراعات بين المجموعات المختلفة داخل الحزب والسلطة. فرغم مكر «الإخوان» في التكتم على صراعاتهم وخلافاتهم، فقد كانت تتسرب من حين لآخر أخبار شحيحة عن ذلك، لكن منذ أن سرَّب أصحاب المذكرة التصحيحية مذكرتهم ووزعت بصورة واسعة واضطر البشير لمهاجمتهم من منبر التلفزيون، تأكد الناس أن الأمر جد وليس هزلاً وأن الحزب الذي لا تلين قناته قد أصابه المرض الذي يصيب معظم الأحزاب العقائدية التي تلبس ثياب الطهرانية قبل أن تصل إلى السلطة، حيث تتمكن منها أمراض الأحادية والفساد والرشوة والعنف. فالذين جلسوا على مقاعد السلطة وذاقوا حلاوتها لن يتخلوا عنها لزملائهم الآخرين. وفي بلد كالسودان، فمهما أغدقت السلطة على أفراد حزبها الذين يلتفون من حولها، فلن تستطيع إرضاء الجميع. وفي حالة «الإنقاذ» فإن القادة الذين دبروا مؤامرة يونيو ورفعوا شعار «المشروع الحضاري» ودفعوا بآلاف الشباب نحو حرب الجنوب، ظهروا الآن على حقيقتهم. وكما قال أصحاب المذكرة في مذكرتهم، فإن «بعض إخواننا قد غرّتهم الدنيا فاستسلموا لها»، وذلك في رأيي أحد أسباب الصراع الدائر داخل حزب السلطة. لقد أدرك شيخ «الإخوان» ومنظّر «المشروع الحضاري» في وقت مبكر أن السودان ليس مهيئاً لمشروعه، فحاول أن يجد منه مخرجاً بتقديم تنازلات شكلية للمعارضة التي يعلم أنها تمثل أغلبية السودانيين، لكن تلاميذه رأوا في ذلك خطراً على سلطانهم، فتآمروا عليه وأسقطوه من عرشه. وانفجرت دارفور وكان من قادة الانفجار الدارفوري بعض مؤسسي الجناح الدارفوري لـ«الإخوان»، وكان للأعضاء الدارفوريين دور مشهود في تأمين الانقلاب العسكري في أيامه الأولى. وفشلت كل محاولات العبور، رغم تسميتها بأسماء إسلامية، في كسر شوكة «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، واضطر النظام إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة للتوسط بينه وبين الحركة، فكانت نيفاشا المخرج الذي أوقف الحرب وأوجد الحكومة الائتلافية مع «الحركة الشعبية». ثم كانت قصة انفصال الجنوب وانقسام «الإخوان» حوله، لكن المجموعة القابضة على السلطة استطاعت إسكات الأصوات المعارضة والتوصل إلى هدنة مؤقتة مع المعارضة. وبينما كانت كل هذه التطورات تجري كان الفريق صلاح عبدالله يبني ويشيد مملكته الخاصة وقواته الضاربة من وراء الرئيس ومجموعته. وقد كان في موقع يمكنه من معرفة حقيقة أوضاع الحزب الحاكم وكان يرى بعيون رجل الأمن المدرب أن الحزب ينهار بنيانه. ومن الظلم الآن أن تقول مع من ولحساب من كان يعمل «قوش» ؟، فالحكومة التي اعتقلته وزملاءه تضاربت بياناتها، لكن وزير الإعلام أكد في بيان رسمي اعتقال رئيس جهاز الأمن وأحد عشر من زملائه في «محاولة تخريبية»، وهي تسمية جديدة للانقلاب. والمؤكد أن الصراع الداخلي في السلطة قد خرج إلى العلن منذ المؤتمر الأخير للحركة الإسلامية، حيث رشح مجلس شورى «الإخوان» الدكتور غازي العتباني لمنصب الأمين العام في مواجهة علي عثمان، لكن غازي اعتذر عن الترشيح بحجة أنه كرجل ديموقراطي يتأتى ترشيحه من القاعدة وليس من بعض القادة! التاريخ سوف يقول إن السودان لم يشهد عنفاً في معاملة الخصوم السياسيين كما شهد في مرحلة رئاسة الفريق صلاح عبدالله لجهاز أمن الدولة، حيث مارس ذلك الجهاز ألواناً وأشكالاً من التعذيب والقتل ضد الخصوم لامثيل لها في تاريخنا الحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©