الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فيلم «مانديلا: درب الحرية الطويل».. ملحمة بصرية توثق للحرية والنضال ضد الظلم والتمييز العنصري

فيلم «مانديلا: درب الحرية الطويل».. ملحمة بصرية توثق للحرية والنضال ضد الظلم والتمييز العنصري
12 ديسمبر 2013 01:27
إبراهيم الملا (دبي) - وقف جمهور صالة “أرينا” الكبرى بمهرجان دبي السينمائي مساء أمس الأول دقيقة صمت حداداً على روح المناضل الإنساني الكبير نيلسون مانديلا الذي فقده العالم، الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي صادف افتتاح فعاليات الدورة العاشرة من المهرجان. كما قررت إدارة المهرجان إلغاء الفقرات الاحتفالية ومراسيم السجادة الحمراء وتأجيل المؤتمر الصحفي للنجوم المشاركين في الفيلم، في لفتة تعبر عن احترام مشاعر الملايين الذين يمثل لهم الزعيم الراحل رمزا كبيرا ومثالا للقامات الكبيرة التي ضحت من أجل الحرية وعدم هدر كرامة الإنسان. وتفاعل الجمهور الحاشد الذي شهد العرض ووصل عدده إلى 1800 متفرج، مع مشاهد ومحطات الرحلة النضالية الطويلة التي قطعها مانديلا قبل أن يتحول إلى شخصية تاريخية ملهمة، تتقاطع مع أرواح كبيرة مثل غاندي ومارتن لوثر كينج وجواهر لال نهرو، وغيرهم من المناضلين الذين أججوا شعلة الحرية وللأبد. الفيلم من إخراج الإنجليزي جاستين شادويك وتم اختياره ضمن العروض الافتتاحية لسينما آسيا وأفريقيا بالمهرجان، وسبق لشادويك تقديم أفلام حصدت عدة جوائز مثل فيلم: “بولين الأخرى” 2008 و”المرتبة الأولى” 2010 الذي لاقى حفاوة نقدية كبيرة وهو من بطولة نعومي هاريس المشاركة أيضا بدور رئيسي في فيلم مانديلا، كما قدم المخرج مجموعة من الأعمال الدرامية التلفزيونية مثل سلسلة: “البيت الكئيب”، وترشح لجائزتي غولدن غلوب، قبل أن يفوز مؤخرا بجائزة أفضل مسلسل درامي في: “الأكاديمية البريطانية لجوائز التلفزيون”. هالة أسطورية وفي عمله الملحمي الجديد، يقدم شادويك صورة مانديلا الإنسان بكل زلاته البشرية وتحولاته العاطفية وتمرده وهو في أوج الانفتاح والتعرف على الحركة الشعبية المضادة، والتي تحولت إلى أنماط ثورية ملموسة شهدتها مقاطعات ومدن كثيرة في جنوب أفريقيا خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. ويعرج الفيلم على الفترات اللاحقة في حياة مانديلا والتي اتسمت بالهدوء وبمراجعته لتكنيك الثورة المضادة، ولكن الفيلم رغم هذا القرب والتواصل مع التفاصيل الشخصية في حياة مانديلا، إلى أنه لم ينزع عنه الهالة الأسطورية التي أضاءتها السنوات الطويلة والمنهكة التي قضاها في جزيرة معزولة مع أصدقائه في النضال، حيث لم تخبو المقاومة في أعماقه، يتوقف في أكثر الفترات تراجعا وخضوعا للأمر الواقع. ويعرض الفيلم أيضا التغيرات الجديدة التي طرأت على أساليب المقاومة التي أراد لها مانديلا أن تعود إلى سيرتها الأولى، المعتمدة الضغط الشعبي والإضرابات العامة ومن دون اللجوء إلى العنف والتطرف والمقاومة المسلحة. يبدأ الفيلم على مشاهد تأسيسية تصور طفولة مانديلا الذي حمل لقب (ماديبا) وترعرع في بيئة قبلية أصيلة وثرية بتقاليدها المميزة، وصاحب هذه المشاهد الصوت الخارجي للراوي، وهو مانديلا نفسه الذي يصف تلك الفترة المبكرة من حياته بالهبة الإلهية التي أوقدت فيه شرارة الرجولة والقوة الذاتية، المعززة بالحرية واكتشاف الحياة من جانبها المضيء والمفعم بالتحديات. وتقودنا المشاهد التالية من الفيلم إلى فورة شباب مانديلا ــ يقوم بدوره الممثل إدريس آلبا ــ عندما يمتهن المحاماة في مدينة جوهانسبيرغ، ويدافع في المحاكم التي يسيطر عليها البيض عن حقوق مواطنيه السود الذين عصفت بهم رياح العنصرية البغيضة، وباتوا يعاملون تدريجيا كعناصر غير مرغوب بها وسط مطالبات غير شرعية بالفصل العنصري بين البيض والسود في الخدمات الاجتماعية العامة، وهو الأمر الذي يقود لاحتجاجات عنيفة من السكان الأصليين ضد المستعمر الأبيض المنتشي بهوس السلطة والانفراد بثروات هذه البلاد الغنية بمواردها الطبيعية وبموقعها الجغرافي المهم في القارة السمراء. ووسط هذه التقلبات والانعطافات الخارجية، يسلط الفيلم الضوء على الانتكاسات العائلية التي يختبرها مانديلا مع زوجته الأولى (إيفيلين) التي تتهمه بالخيانة على إثر مغامراته العاطفية الطائشة، والانشغال بمتطلبات العائلة على حساب مهنته التي قادته مبكرا إلى أضواء الوسط الاجتماعي والإعلامي الفائر بالغضب والتمرد، حيث ينتهي هذا الصدام العائلي بالطلاق ورحيل زوجته وأولاده عنه في فترة حساسة وحرجة في مسيرة مانديلا النضالية. مع ويني ولكن هذا الفقد العائلي المؤلم تقوم بتعويضه زوجة مانديلا الثانية (ويني) ــ تقوم بدورها الممثلة نعومي هاريس ــ التي تتحول إلى رفيقة حياة ونضال أيضا وتتكيف مع غياباته الطويلة، خصوصا بعد انضمام مانديلا للمؤتمر الوطني الأفريقي الذي اختار أسلوب الانتقام والقصاص وتقنيات الكر والفر والمقاومة المسلحة مباشرة، بعد الأحداث الدامية للمذبحة الشهيرة التي أوغل خلالها الجنود البيض في التنكيل بالمعارضين، وإطلاقهم النار بشكل إجرامي ومقصود وسط جموع المحتجين من السود الذين تجمهروا وبشكل سلمي للتعبير عن استيائهم من قرارات الفصل العنصري الجديدة والتعسفية. ويصور لنا الفيلم وفي نسق يجمع الأسلوبين الدرامي والتسجيلي المطاردات التي يتعرض لها مانديلا ورفاقه وتنقلاتهم الخفية بين المدن المختلفة، وتوزيعهم لمنشورات وأساليب المقاومة بين أتباعهم قبل أن تلقي عليهم السلطات القبض في عام 1961 بعد انضمامهم لمنظمة أموكونتو وي سيزوي المتشددة، واتهامهم بالاعتداء على أهداف حكومية ، وفي عام 1962 أدين مانديلا بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم قبل أن يحكم عليه بالسجن مدى الحياة. أيام العزلة ويتتبع الفيلم السنوات المتعاقبة التي قضاها مانديلا مع أصدقائه في الجزيرة المعزولة مدة 27 عاما، والأخبار المؤلمة التي كانت ترده عن وفاة والدته ثم رحيل ابنه البكر( ثيمبي) من زوجته الأولى، وهو ما زال في فترة المراهقة، ويصور الفيلم العذابات النفسية التي عصفت بمانديلا إثر غيابه عن المشهد السياسي الضاج بالتقلبات، وكذلك عن الظروف الصعبة التي عانت منها عائلته خصوصا أن القوانين القاسية في السجن كانت تمنعه من رؤية طفلتيه الصغيرتين من زوجته الثانية (ويني مانديلا) قبل بلوغهما السادسة عشرة، وهي الفترة التي شهدت أيضا اعتقال زوجته وانفصالها لفترة طويلة عن ابنتيها، بالإضافة للعذابات الجسدية المهينة التي تعرض لها شخصيا في السجن والتي دعته للقيام بمطالبات احتجاجية لتغيير هذه الظروف اللاإنسانية المرهقة، وهو الأمر الذي تحقق تدريجيا، مع تزايد ضغوط الرأي العالمي والصدامات الدموية الداخلية والمطالبات الشعبية العارمة بالإفراج عن مانديلا. طريق التسامح ويقودنا الفيلم في نقلته الدرامية الثانية إلى التعرف على تفاصيل المفاوضات الطويلة والمعقدة بين مانديلا وخصومه، والتي انتهت باتفاق لإنهاء العنف وتنظيم انتخابات حرة قبل أن يتحول مانديلا نفسه إلى أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا في عام 1994 وحتى عام 1999، رغم الخلافات الحادة التي نشبت بينه وبين معارضي الاتفاق مع البيض والمحتجين على التغاضي عن الانتقام من مرارات العهد الدموي والمشين في تاريخ جنوب أفريقيا، وكان على رأس الجبهة الرافضة للمفاوضات والاتفاق التصالحي زوجة مانديلا (ويني) التي انتهت علاقتها به رسميا، بعد علاقة جامحة وفائضة بالتضحيات والتفسيرات المتضاربة حول طبيعة وأسلوب المقاومة ضد المستعمر الأبيض. نجح الفيلم في ساعتين ونصف الساعة في أن يقدم لجمهور مهرجان دبي شهادة إنسانية مؤثرة حول شخصية ملهمة واستثنائية في التاريخ المعاصر الذي شهد تغيرا جذريا بعد الحرب العالمية الأولى، واستطاع الفيلم تكثيف وتوثيق هذه المرحلة الشاسعة والمتشعبة في الدروب النضالية الطويلة التي سلكها مانديلا بعزيمة داخلية يصعب كسرها. وركز الفيلم على التحولات المفصلية في حياة مانديلا الذي وصفه شعبه بأبي الأمة، لمقاومته الروحية المخلصة، وإصراره الكبير على إلغاء التصنيف الإثنوغرافي المجحف الذي جعل من الأقلية المستعمرة القادمة بأسلحتها الفتاكة، هي الأقلية المسيطرة والمتحكمة في مصير أغلب الشعوب الأفريقية التي حكمتها بالنار والحديد والعنف المتواصل والممنهج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©