الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل يصبح النموذج الأمثل للعلاقات الدولية؟

26 مايو 2007 01:57
أحمد عوض سعداوي: لا مفر من الإقرار، بأن هدف الصين الكبرى الذي وضعته بكين في نهاية فترة السبعينات من القرن الماضي، قد أصبح واقعاً ملموساً إلى حد كبير· ولعل نظرة شاملة إلى مدى إسهام الصين في حجم التجارة العالمي تؤكد لنا هذه الحقيقة، فهي تحتل المركز الثالث تجارياً على مستوى العالم، وأهم سوق وشريك تجاري لكل من آسيا والعالم، وبها 400 من شركات الأعمال الـ،500 الكبرى في العالم، وفي عام 2004 بلغ حجم التبادل التجاري الصيني مع العالم 1150 مليار دولار، وبلغت وارداتها من الخارج مئات المليارات من الدولارات مما أتاح لدول العالم سوقاً واسعة وفرص عمل كثيرة، فضلاً عن الغزو الاقتصادي الصيني لكثير من دول العالم، سيما الولايات المتحدة (في 2006 صدرت الصين ما قيمته 233 مليار دولار إلى الولايات المتحدة وهو أكبر من المبلغ التي صدرته أمريكا للصين)، كما أن الناتج المحلي الإجمالي للصين بلغ عام 2005 (8,158 تريليون دولار)· وهذه الأرقام لا نستطيع إغفال أهميتها ودلالتها بالنسبة للاقتصاد العالمي· استقرار داخلي بناء على هذا وغيره، لا يمكن الاختلاف حول القوة التي أصبحت تمثلها الصين في الشأن العالمي، هذه المكانة الدولية والتقدم الحادث لدى الصين لم يكن ليحدث إلا بوجود قدر مقبول من الاستقرار الداخلي، وكذلك وجود علاقات دولية قوية مع الأطراف الفاعلة على الساحة العالمية، مع الحرص على تنمية هذه العلاقات· وهنا يمكننا القول إن العلاقة بين الصين وروسيا واحدة من أهم العلاقات التي تشغل بال واضعي السياسة الخارجية لدى الصين نظراً لوجود كم كبير من التداخل والتشابك بين مصالح الدولتين العملاقتين، وبإمعان النظر إلى العلاقات الثنائية الصينية- الروسية، نجد أنها تستند إلى مبادئ التكافؤ والمنفعة المتبادلة، وفي الوقت ذاته البعد عن الحسابات الإيديولوجية بما يمنح هذه العلاقات قوة وديناميكية· لقد بات هذا التميز في العلاقات الصينية والروسية واضحاً وجلياً عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث لعب الرئيس الروسي ''بوريس يلتسين'' منذ عام 1992 دوراً قوياً في تقوية هذه العلاقات بحيث أصبح هناك توافق تام بين الموقف الصيني والروسي تجاه العديد من القضايا الدولية، مثل هيمنة القطب الواحد على النظام العالمي، معارضة مشروع الدرع المضاد للصواريخ، التعاون التقني العسكري، التنسيق الأمني بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى المليئة بالاضطرابات· معاهدة حسن الجوار في عهد فلاديمير بوتين في تموز2001 شهدت العلاقات الصينية الروسية طفرة جديدة تمثلت في توقيع معاهدة التعاون وحسن الجوار، وكانت بمثابة دعم للشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مواجهة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة·· ومن أهم ما ركزت عليه هذه الاتفاقية، معارضتهم المشتركة لبرنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي، ومعارضتهم للخطط الأمريكية بالتوسع العسكري كونها لا تؤدي إلا إلى الإضرار بالأمن العالمي، والدعم الروسي لمفهوم صين واحدة والاعتراف بحق الصين في تايوان كجزء منها، وتدعيم التعاون العسكري بين الطرفين· وإذا نظرنا إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين نجد أن روسيا تُعد شريكاً تجارياً قوياً للصين، ففي عام 2004 كانت 50 بالمائة من استثمارات الصين الخارجية في روسيا، كما أن الصين تعتبر ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وهي في حاجة متزايدة للنفط نتيجة للنمو المتسارع الحاصل لديها وهو ما يمثل أهمية بالغة للشريك الروسي الذي يمثل بدوره واحداً من أكبر منتجي النفط في العالم، حيث تنتج روسيا 7,5 مليون برميل يومياً (أكبر من نصف النفط المنتج خارج الأوبك) وروسيا تعتبر مصدر الخشب الأول إلى الصين، وهى تحتل دائماً موقعاً بين الشركاء التجاريين العشرة الأوائل للصين· الصين وصناعة السلاح الروسي عن العلاقات العسكرية الصينية - الروسية، نجد أن الصين تستأثر بـ45 بالمائة من صادرات السلاح الروسي للخارج، مما ساعد بشكل مباشر في انتشال صناعة السلاح الروسي من الانهيار بعد سقوط الاتحاد السوفييتي· لقد تكللت العلاقات العسكرية الصينية- الروسية بالمناورات العسكرية المشتركة بينهما تحت اسم (السلام 25) في الفترة ما بين (18-25 أغسطس 2005) مما أثار مخاوف العديد من القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية· لا يمكن هنا تجاهل تصريحات زعماء البلدين الذين ما انفكوا يتحدثون عن المستوى غير المسبوق الذي بلغته علاقات الدولتين في كافة المجالات، مما يوضح الرغبة المشتركة للبلدين في تنمية هذه العلاقات والتي يستفيد كل منهما بالقدر الذي يستفيده الآخر· وفي النهاية وعند محاولة تفسير أسباب تطور العلاقة الصينية الروسية، بحيث أصبحت على ما هي عليه الآن، فإننا نجد وجهتي نظر تتناولان هذا الأمر: الأولى أن العلاقة الصينية الروسية تشكل الخطوة الأولى على طريق عالم متعدد الأقطاب وإحياء كتلة دولية جديدة، فروسيا عاجزة عن مواجهة الغرب منفردة، ذلك أن الغرب يرفض تضمينها منظومته التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية، وعاجزة في الوقت ذاته عن مقاومة توسع حلف الأطلسي على حدودها الجنوبية، في المقابل تخضع الصين لضغوط شديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول فرض شروطها على بكين في مجالات التعامل بينهما مثل المجالات العسكرية والاقتصادية وغيرها من المجالات الحيوية· توازنات وضغوط أما وجهة النظر الأخرى فترى أن تقارب هاتين الدولتين هو محاولة لممارسة نوع من التوازن في مواجهة الضغوط الأمريكية على كلتا الدولتين في محاولة للحد من هذه الضغوط، والتي تزامنت مع النمو الواضح للعلاقات بينهما في المجالات كافة، ولذلك جاءت المصلحة المشتركة لكل منهما في تطوير آفاق التعاون لمواجهة الضغوط الأمريكية· على أي حال، سواء كانت وجهة النظر هذه صحيحة أم تلك، فإن العلاقة بين الصين وروسيا هي أنموذج مثالي لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدول وبعضها البعض ،بما ينعكس إيجابياً على مصالح ومطامح الشعوب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©