الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلما كثرت المعلومات قل الاهتمام

كلما كثرت المعلومات قل الاهتمام
11 ديسمبر 2013 19:40
كلما زاد كم المعلومات الذي توفره تكنولوجيا الشبكة المعلوماتية (الانترنت) زاد حجم المعرفة لدى الأفراد، وكلما محت تلك الشبكة الحدود الجغرافية ازداد عدد الأصدقاء وكسر مستخدمها عزلته، إنها مقولة خاطئة ومن يؤمن بها فهو يؤمن باعتقاد خاطئ، لأن العكس تماما هو ما يحدث، أو أن العكس تماما يكون النتيجة الحتمية، فزيادة حجم المعلومات وتوافرها يؤدي إلى مزيد من الجهل، ومحو الحدود الجغرافية يؤدي إلى مزيد من عزلة الكائن البشري المستخدم لتلك الشبكة المعلوماتية، بهذه الكلمات افتتح الفيلسوف الإسباني “دانييل انيرارتي” المؤتمر الخامس لثقافة أميركا اللاتينية الذي أقيم في مدينة ثاراغوثا (الإسبانية)، والذي خصص دورته لهذا العام لبحث “الثقافة الرقمية” وتأثير التكنولوجيا الحديثة على مكون هذه الثقافة من حيث المحتوى والشكل، وإشكاليات هذا التأثير، عبر عدد من الموائد المستديرة التي شارك فيها مجموعة كبيرة من خبراء التكنولوجيا الرقمية ودارسي تأثيراتها في مجتمعات الدول المشاركة الناطقة باللغة الإسبانية (إسبانيا وأمريكا اللاتينية) إضافة إلى البرازيل والبرتغال، وشاركت البعثات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة في إسبانيا، ومنها سفارة الإمارات العربية المتحدة في مدريد التي كانت لها مشاركة فعالة. حسب هذا الفيلسوف الحاصل على الجائزة الوطنية للفلسفة في إسبانيا عام 2003، إنه كلما ازداد حجم المعلومات ازداد الجهل بها، لأن العقل البشري المتلقي لا يمكن أن يفرق بين الصحيح من تلك المعلومات وبين المزيف منها، وعليه أن يبذل جهدا مضاعفا في هذه العملية، وبالتالي ما أن يتوصل إلى التفريق بين الصالح والمزيف منها يكون قد غرق في كم من المعلومات الجديدة تجعله يشعر بالجهل التام المتمثل في عدم الاهتمام أو اللامبالاة. الأمر نفسه يحدث في حال سقوط الحدود وزيادة عدد الأصدقاء على صفحات التواصل الاجتماعي تكون نتيجته زيادة العزلة لأن ذلك التواصل افتراضي، تسقط وتنمحي ملامحه فور اصطدامه بالواقع فيكتشف الجالس أمام جهاز الحاسب الشخصي أو اللوح الالكتروني أو حتى التليفونات الذكية أنه بمجرد إغلاق الأداة التي يستخدمها في التواصل يشعر بجدران الحجرة التي يجلس فيها تنطبق عليه ويجد نفسه يعيش في عزلة تامة. لم تكن تلك فقط رؤية لهذا الفيلسوف الذي افتتح هذا المؤتمر المهم بمحاضرات، بل أكد عدد من المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات الحديثة على المقولات التي تحدث عنها، وبرر أحدهم أو وضع تفسيرا بقوله: “إنه كلما زاد حجم المعلومات قل حجم الاهتمام بها”، وإن كان آخر قد أكد أن المشكلة الأكبر التي تواجه مجتمع المعلوماتية اليوم إننا دخلنا القرن الواحد والعشرين دون أن نتوصل لحل العديد من المشاكل القائمة منذ القرنين التاسع عشر والعشرين، كمحو الأمية الكتابية، ثم محو الأمية الثقافية التي تمثل عقبة رئيسية أمام تطور العديد من المجتمعات في أمريكا اللاتينية، التي تمثل حجما لا يستهان به في وسائل المعلوماتية وعدد المتصلين بالانترنت فيها يساوي 18% من عدد المتصلين عالميا، ويرى الباحث أن مشاكل محو الأمية تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات والمنظمات الرسمية. ثم قال الباحث الفرنسي فريدريك مارتيل إن “الرقمية” ليست تكنولوجيا جديدة بل هي مرحلة جديدة من مراحل تكنولوجيا المعلومات التي نعيشها، وإنه لا يزال أمامنا أشواط أخرى يجب أن نقطعها في مراحل جديدة حتى ينتقل العالم إلى تكنولوجيا جديدة تختلف مع ما نمارسه اليوم من تكنولوجيا، وأدوات استخدام تلك التكنولوجيا أصبحت اليوم تستخدم الهواتف الذكية أكثر من استخدامها الحواسب الشخصية أو الألواح كالآي باد وغيرها. ومن خلال بحثه في شكل المنتجات الجديدة المطروحة على وسائل الاتصال قال أحد الباحثين إن ممارسة تلك التكنولوجيا واستخداماتها الآن تتركز في أربعة مجالات: أولها التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وغيرها) وتأتي مطالعة الصفحات الاجتماعية في المرتبة الثانية، ثم في المرتبة الثالثة تصفح مواقع وسائل الإعلام، وأخيرا “الشات” أو التحاور عبر وسيط وسائط تكنولوجيا المعلومات المتاحة. قدم باحثون في المؤتمر الخامس لثقافة أمريكا اللاتينية معلومات مهمة عن تكنولوجيا المعلومات واستخداماتها في مجال الثقافة في أمريكا اللاتينية، منها أن اكبر مجتمع أو تجمع يتعامل مع تكنولوجيا المعلومات يوجد في الأرجنتين تليها التشيلي ثم المكسيك. وإن كانت استخدامات المتصلين تتركز في مجالات محددة كمعرفة حجم المرور في شوارع المدن ثم يأتي بعدها إجراء عمليات شراء الاحتياجات الأساسية، أو التعاقد على إنهاء إجراءات السفر من حجز تذاكر الطائرات والقطارات أو حجز غرف الفنادق. خلصت بعض الأبحاث المقدمة إلى المؤتمر إلى نتائج أخرى مهمة في مجال استخدامات التكنولوجيا الرقمية في الإنتاج الثقافي، وإن كانت بعض تلك الأبحاث والحوارات التي جرت حولها لم تطرح حلا للكثير من المشاكل المؤثرة بشكل كبير عليها مثل “الهكرز” أو القرصنة التي تحرم شركات منتجة للثقافة الرقمية من تحقيق عائد يضمن لها الاستمرار كقرصنة الأفلام والأغاني والموسيقى، بل وأيضا قرصنة الكتب بعد أن دخلت التكنولوجيا الرقمية عالم النشر، ورأى باحثون إن السبب في تلك القرصنة أنها مقبولة اجتماعيا بل ويشجعها البعض رغم آثارها السلبية على الشركات المنتجة للثقافة، لذلك يرون أنه لا بد من تثقيف المجتمع وتغيير بعض عاداته لأن القرصنة “فعل إجرامي”، وحتى يتحقق ذلك لا غنى عن الدعم الرسمي الحكومي لتلك الشركات المنتجة للثقافة. وأيضا من أهم ما أسفر عنه المؤتمر الخامس لثقافة أمريكا اللاتينية طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بمستقبل الأدوات التقليدية بعد انتشار الإنتاج الثقافي الرقمي، منها: مستقبل المكتبات التقليدية سواء العامة أو الخاصة بعد أن أصبح الكتاب الالكتروني يحتل حجما يوفر كثيرا من المساحات الفيزيقية، حيث يمكن الاحتفاظ بمكتبة رقمية في “ذاكرة صلبة” تحتل فراغا لا يتعدى سنتيمترات مربعة، فيما تحتل المكتبة التقليدية بذات حجم الكتب غرفا متعددة. أسئلة عديدة أخرى طرحها المشاركون في المؤتمر حول حقيقة الفترة التي نعيشها اليوم: هل نعيش ثقافة الانترنت، أم نعيش في مرحلة الثقافة في الانترنت، وإمكانية ترشيد هذه التكنولوجيا واستخدامها بما يؤدي إلى رفاهية المجتمع وكيفية تشجيع المنتج الثقافي الرقمي في ظل تحديات القرصنة، وكلها أسئلة مؤجلة لا تجد إجابات حاليا، وتم الاتفاق على أن يستمر البحث حولها والحوار خلال المؤتمر السادس لثقافة أمريكا اللاتينية الذي تقر أن ينعقد في كوستاريكا العام المقبل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©