الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله الجسمي: حداثتنا «عرجاء»

عبدالله الجسمي: حداثتنا «عرجاء»
11 ديسمبر 2013 19:31
الدكتور عبدالله محمد الجسمي، أستاذ مادة الفلسفة في جامعة الكويت، مشغول بمقاربة اسئلة الحداثة أو الإصلاح في مختلف بنى الدولة والمجتمع العربي. منطلقاً من جملة تساؤلات، مثل، ما هي طبيعة العلاقة بين الديمقراطية والأيديولوجية؟ وهل تستطيع الديمقراطية حل مشكلات الطائفية والقبلية في المجتمع العربي؟ وكيف تؤثر الديمقراطية في الوحدة الوطنية؟ وهل الديمقراطية في خدمة المواطن أم في خدمة النخب التقليدية النافذة؟ وهل يمكن قبول الديمقراطية بمعزل عن السياقات التي مرت بها، وعن نتائجها، وفي مقدمتها، توطد العقلانية في الحياة العامة، وسيادة الحرية في الحياة السياسية، وظهور النظام الرأسمالي، وتوسع دور العلم في الحياة الصناعية والتجارية وتحوله إلى مصدر للقيم الاجتماعية؟ "الاتحاد الثقافي" التقى الدكتور عبدالله الجسمي على هامش أربعينية عميد الأدب العربي طه حسين، التي أحيتها "مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية"، ودار الحوار التالي. لماذا العودة إلى فكر طه حسين في هذه المرحلة؟ ?? أهمية العودة لأفكار طه حسين التنويرية في المرحلة الراهنة، لم تأت من كون الأوضاع في العالم العربي لم تتغير منذ وفاته فقط، وإنما لأن الأوضاع في الواقع العربي الراهن، ازدادت سوءاً عما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي. ففي الفترة التي ظهر فيها طه حسين كانت الأوضاع في بعض البلدان العربية، أفضل بكثير مما هي عليه الآن. لقد كانت هناك ديمقراطية في كل من سوريا ومصر والعراق وتونس، ضمن معايير تقوم على بناء دولة حديثة، وكانت هناك حريات نسبية، كما كانت هناك فسحة لحركة الفكر، أفضل بكثير مما هي عليه الآن. فإذا نظرنا إلى المشكلات الفكرية والثقافية التي عالجها طه حسين، أو طرح آراء بشأنها، سنجدها لا تزال قائمة حتى الساعة من دون حلول تذكر. وذلك لعدم الالتفات لأفكاره وأفكار غيره من المستنيرين. لقد تم طمس هذه الأفكار من قبل المثقفين المؤدلجين، الذين أعطوا للأيديولوجيا الأولوية على حسب العقل. كما تم تسييس الثقافة وتوظيفها في خدمة السياسيين. علاوة على ذلك فإن ظهور الحركات الأصولية ساهم إلى حدٍ كبير في تقهقر عملية التحديث الفكري على كل المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية. بل يمكن القول إن الحركات الأصولية أجهضت المشروع التحديثي العربي تقريباً، طبعاً من دون تجاهل مسؤولية أطراف أخرى. مشروع الحداثة ? أتعني أن العالم العربي في الوقت الراهن من دون مشروع تنويري أو تحديثي؟ ?? بداية، يتعين علينا أن نميز بين مستويين لمفهوم مشروع الحداثة في الواقع العربي الراهن. فإذا كان المقصود بمشروع الحداثة، هو تحديث أو تطوير البنية التحتية، فإن العالم العربي قطع شوطاً لا بأس به على هذا الصعيد، وربما يرتقي في بعض الحالات إلى المستويات الغربية. ولكن على المستوى الثقافي بالمعنى الفكري البحت، فلم تكن هناك حداثة موازية لعملية تطوير البنية التحتية، بل لا توجد حداثة بالمعنى الثقافي الشامل، لأنه في الأساس لا توجد بيئة ثقافية واجتماعية حاضنة لعملية التحديث الثقافي، فتطوير البنية التحتية بمقابل تغييب العقل أنتج حداثة عرجاء ندفع أثمانها في الوقت الراهن. ? أين دور المثقف العربي؟ ?? إن المفكرين العرب لم ينجحوا في وضع أسس نظرية، يستند إليها مشروع التحديث الثقافي، بما يتلاءم مع الواقع العربي، فهناك تشخيص دقيق للمشكلات، من دون خلق رؤى فكرية لتجاوزها. في الماضي قدم نفر قليل، أمثال طه حسـين وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وزكريا إبراهيم وغـيرهم، أفكاراً باتجاه عملـية التحديث، لكنها لم تؤخذ على محمل الجد. مسؤولية الفشل ? من يتحمل مسؤولية فشل الإصلاح الثقافي؟ ?? ثمة ثلاثة أطراف مسؤولة عن فشل الإصلاح الثقافي. الطرف الأول هو الأنظمة. والثاني هو القوى السياسية. والثالث هم المبدعون والمثقفون. إن بعض الأنظمة لا تعي أهمية التغيير الثقافي، وتعتقد بأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الحقوقية تفي بذلك. وهناك من يرفض عن عمد أي إصلاحات ثقافية تؤدي إلى تحديث المجتمع ثقافياً وفكرياً، لأن ذلك سيؤدي إلى نشر الوعي بين الشعب. ما يزيد نسبة المطالبات بالحقوق والديمقراطية والحريات الأخرى كالتعبير والنشر والصحافة وغيرها. وهناك من يريد إبقاء الأوضاع الثقافية الدارجة على ما هي عليه للاستفادة من التناقضات الموجودة فيها لتثبيت دعائم سلطته. أما بالنسبة إلى القوى السياسية، فهي تنقسم بدورها إلى فريقين أساسيين: الأول يتضمن القوى الأصولية ومن دار في فلكها. والثاني القوى السياسية والأحزاب التي تصنف على أنها علمانية، أو تحمل أيديولوجيات متنوعة، وتطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني. بالنسبة للفريق الأصولي، فهو يرفض الثقافة المدنية المعاصرة وما نتج عنها من مدارس فكرية وآداب وفنون وتطورات حقوقية مختلفة، ويتبنى ثقافة انعزالية ولا يعترف بوجود الآخر، ويكاد يقطع صلته بالحاضر، ويحمل طرق تفكير تتعارض مع العلم وروح العصر وثقافته، ويسعى للعودة للماضي بكل ما فيه من مظاهر لا تعبر عن عالم اليوم. أما الفريق الثاني، فيمكن النظر إليه بشكل عام لوجود الكثير من الاختلافات بين فرقائه، رغم أن غالبية أطرافه تسعى إلى بناء المجتمع المدني وإحداث إصلاحات سياسية من أجل إحداث متغيرات نوعية في الواقع العربي. غير أن هذا الفريق يركز على الجانب السياسي ويهمل القضايا الثقافية أو الثقافة عموماً. فالمطالبات السياسية للتحديث تحتاج إلى أرضية ثقافية تدعمها وتستند إليها، فلا يعقل أن يحدث تغير فعلي في أي مجتمع، من دون أن يتزامن معه تغيير ثقافي يتضمن القيم والأفكار الجديدة. حداثة تغريبية كذلك لابد من ملاحظة أن الكثير من الأفكار التي تحملها القوى السياسية المدنية، ليست من نتاج الواقع أو الثقافة العربية، بمعنى أنها تأتي من الخارج، فمن الضروري إحداث تغيرات ثقافية تحتضن القيم والمفاهيم المدنية الحديثة لشكل الدولة والمجتمع المدني الجديد، ولكن بالتناغم مع واقع الثقافة العربية الراهنة. فالمجتمع الذي تسود فيه الثقافة القبلية أو العرقية أو الطائفية لا يمكن التعويل عليه لإحداث متغيرات جوهرية للسير في ركب التجديد والتطوير. أما بالنسبة إلى المثقفين، فقد لعب المثقفون العرب دوراً مهماً في النهوض الثقافي العربي الذي تم منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين بقليل، لكن خلال العقود الأربعة الأخيرة تقريباً أصبح المثقف، إما مهمشاً أو مقموعاً أو متزلفاً للسلطة أو يمارس حياته بطريقة لا تعكس طريقة تفكيره، أي يعيش ازدواجية ما بين الفكر والممارسة. لكن الأهم هنا وباختصار شديد أمران: الأول عزلة المثقف عن المجتمع وغياب دوره الثقافي المؤثر فيه. وثانياً غياب الرؤية الفكرية الواضحة للكيفية التي يتم من خلالها إحداث تغيرات ثقافية نوعية في المجتمع، وهو بهذا المعنى فشل بتقديم رؤية نظرية جديدة لمشروع التحديث، كما أشرت آنفاً. غياب العلم ? أنت تشخص المشاكل، ولكن كيف الخروج من النفق؟ أو أين تكمن معيقات مشروع الحداثة الثقافية في العالم العربي، حسب ما تسميها؟ ?? المشكلة الكبرى المعيقة لعملية التحديث، هي غياب الدور الذي يجب أن يلعبه العلم والتعليم في تغيير واقع وثقافة المجتمع العربي. فالعلم هو الركيزة الأساسية للحداثة، والعامل الجوهري في عملية التغيير، ودخول أوروبا في الحضارة الحديثة قام على العلم بالدرجة الأولى والأخيرة. لقد تم تشكيل الثقافة وطرق التفكير الحديثة على الأسس العلمية العقلانية. أما في العالم العربي، فلم ينجح العلم ولا التعليم في توجيه عملية التغيير، والسبب في ذلك، تسييس التعليم، أو أدلجته حزبياً ودينياً. ويحصل ذلك على مستويين: أولاً: إن الحكومات في العالم العربي تشرف مباشرة على المؤسسات التعليمية، وتتدخل بالقوة في تعيين هيئاتها الإدارية والتدريسية – إن صح هذا التعبير – بمعنى أنها تتدخل في تعيين عمادة الجامعات والكليات وحتى أساتذة الجامعات، ما يفتح الباب واسعاً على الفساد، لأن التعيينات بمجملها تقود على أساس الولاء السياسي والمحسوبيات، وليس على أساس الكفاءة والتميز العلمي. ثانياً: إن التيارات الأصولية تبسط سلطانها على معظم المؤسسات التعليمية في العالم العربي، إما بتأييد مباشر من الحكومات والمسؤولين السياسيين، أو من خلال التنظيمات الحزبية والأيديولوجية، كما هو ملاحظ في العديد من البلدان العربية. وعلى هذا النحو تمت مصادرة دور العلم أو التعليم في عملية التغيير، ما أصاب مشروع الحداثة العربية بالشلل الكامل. ?بهذا المعنى، ما هي مؤشرات فشل مشروع الحداثة الثقافية كما سميتها؟ ? لو وجه هذا السؤال قبل ثلاثة أعوام، لكانت الإجابة ببساطة، إننا مستمرون في عملية التراجع، وستزداد الهوة الحضارية بيننا وبين العالم. لكن الحراك العربي الذي جرى خلال السنوات الأخيرة، ربما يؤدي إلى تغيير فعلي في بنية الدولة العربية، سواء منها الدول التي شهدت الأحداث مباشرة، أو تلك التي مازالت تتفرج على الحراك من بعيد، في حال تحولت إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية، يجري فيها تداول السلطة بشكل سلمي. وكذلك ربما يؤثر الحراك العربي في تغيير الثقافة الدارجة، بحيث يساهم في إعداد الأرضية المناسبة لعملية التحديث الثقافية والفكرية الشاملة. فعملية التحديث التي جرت في أوروبا قامت على ركيزتي العلم والحرية. ? من موقعكم الأكاديمي، كأستاذ جامعي تعلم مادة الفلسفة، هل تعتقدون أن الشخصية العربية تعاني من عطب ما، يحول دون تفاعلها الإيجابي مع الحداثة بالمعنى الحضاري، أسوة بما حصل في البلدان الأقرب لنا ثقافياً مثل ماليزيا وأندونيسيا وتركيا وغيرها؟ ?? لقد عانت الشخصية العربية تاريخياً، من أشكال مختلفة من الاضطهاد، نتيجة لمظاهر التسلط الاجتماعي والسياسي والفكري، وقد ساهم ذلك في خلق نوع من الخلل، أدى إلى تشويش الشخصية العربية في المرحلة الراهنة. ولكن متى ما توفرت للإنسان العربي الإمكانيات، التي تؤهله للإبداع والتطوير وفق منظومة سياسية واجتماعية شاملة، يسود فيها مبدأ تكافؤ الفرص، سنرى إلى أي مدى يمكن أن يبدع هذا الإنسان ويعمل على تطوير واقعه ومجتمعه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©