الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

رئيس مركز الأهرام للدراسات :التمويل الخارجي لا يخلو من أهداف خبيثة

رئيس مركز الأهرام للدراسات :التمويل الخارجي لا يخلو من أهداف خبيثة
24 ديسمبر 2015 00:22
يقول ضياء رشوان رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ونقيب الصحفيين المصريين السابق: «إن أغلب منظمات المجتمع المدني تعمل بشكل غير رسمي، لذا لا تستطيع الوقوف على قدميها من دون الدعم المحلي الذي يغنيها عن البحث أو الركض خلف التمويل الخارجي، فهذه المنظمات من المفترض أن تعتمد على التبرعات والمعونات بشكل واضح في العلن من الداخل لكي تقوم بدورها المجتمعي الخدمي والتنموي». ويضيف رشوان أن منظمات المجتمع المدني تعتمد على التمويل المحلي في كثير من البلدان، فهناك على سبيل المثال، هذه المنظمات الضخمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تعتمد على تمويل داخلي وتعمل في العلن، لذا فهي تقوم بدورها في تقديم خدمات جليلة وملموسة للمجتمع بهدف تنموي، كما أنها لا تمارس أي أدوار سياسية، على العكس ما يحدث في مصر، حيث إن أغلب المنظمات المجتمعية والجمعيات الأهلية تقحم نفسها في السياسة، وتحاول أن تلعب دوراً يختلف عن دورها الحقيقي، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة التمويل الخارجي، والذي يكون له أهداف وأجندات يتم تنفيذها عن طريق هذه الجمعيات الأهلية، ولهذا السبب لا توجد حالياً منظمة سياسية في مصر تحصل على أموال من الداخل، وتعتبر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي أنشئت عام 1985، هي المنظمة الأم في قائمة منظمات المجتمع المدني باعتبارها أولى هذه المنظمات التي أقيمت في مصر، وأنا أعلم تماماً أنها لم تتلق أي تبرعات أو تمويل من داخل مصر منذ إنشائها، سواء من الدولة أو من رجال الأعمال الذين لا يقدمون شيئاً لهذه المنظمات، ونتيجة لهذا التقصير لجأت بعض هذه الجمعيات للخارج، ومن هنا بدأت الكارثة لأن هذا التمويل الخارجي لا يخلو من أهداف خبيثة قد لا تتفق مع مصالح الوطن، فالممول الخارجي يستهدف التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، ومع ذلك الدولة تترك هذه المنظمات أو الجمعيات من دون اهتمام، وهذا الإهمال هو الذي يؤدي إلى دخول هذه المنظمات في أنفاق مظلمة. ويشير رشوان إلى أن مصر بها ما لا يقل عن 42 ألف جمعية أهلية، وأغلبها يحصل على تمويل من الخارج، وكأن الأمر تحول إلى ثقافة تمويلية من الجهات الأجنبية، وهذا كما ذكرنا نتيجة تقصير داخلي يساهم في عدم قيام هذه الجمعيات بدورها تجاه المجتمع، موضحاً رشوان أن هذه الجمعيات كانت تخضع لرقابة صارمة أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بل كان يتم منعها من ممارسة دورها وتضييق الخناق عليها..! النشطاء والشهرة أما عن انتشار ظاهرة النشطاء السياسيين بعد ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي»، فيؤكد رشوان أن مسمى الناشط السياسي «تعبير دولي»، وانتشر نتيجة زيادة اهتمام الشباب بالعمل السياسي، خاصة في مصر بعد أحداث 25 يناير، ولم يكن لديهم أي خبرات سياسية، لكن مع الثورة تم استغلالهم من قبل شاشات الفضائيات، وتحولوا إلى قيادات سياسية بلا خبرة حقيقية، الأمر الذي جعل الظاهرة تنتشر بعد أن أصبح مسمى الناشط السياسي وسيلة للشهرة، لكن هذا لا يمنع أن بعض هؤلاء الناشطين شاركوا في التغيير من دون أن تكون لهم مصالح شخصية، بل من منطلق وطني ورغبة في رفع الواقع المظلم الذي كانت تعيشه مصر، وأنا أعرف بعض الشباب الذين عادوا إلى منازلهم بعد أن حققوا هدفهم واختفوا من المشهد السياسي، لذا لا يجب وضع النشطاء السياسيين في سلة واحدة أو في موضع اتهام بالخيانة أو العمالة لجهات أجنبية قد تكون قامت بتدريبهم في الخارج على تنظيم التظاهرات أو احتلال مناطق حيوية بالعواصم والمدن أو خلق الفوضى، وغير ذلك من المخططات التي تسعى لتحقيق درجة من التغيير السياسي والاجتماعي بالطرق السلمية..!! أما المستوى الثالث من هذه المنظمات - حسبما يرى الشوبكي - فيخص المنظمات التي تتلقى التمويل الخارجي بهدف اقتحام الساحة السياسية والحزبية.. هنا تبحث الدولة عن مصادر تمويلها للتأكد من حسن نواياها، حتى لا نجد أحزاباً أو حركات سياسية على أرض الوطن تنفذ أجندات خارجية على سبيل المثال، لذا لابد من وجود ضمانات لعدم استغلال هذه الأموال في غير موضعها بعيداً عن النشاط المدني. ويوضح الشوبكي، أن ظاهرة النشطاء السياسيين انتشرت بعد أحداث 25 يناير، واستفحل أمرها، لدرجة أن هؤلاء النشطاء تحولوا إلى نجوم على شاشات التلفاز وعلى صفحات الجرائد الكبرى وسط مجتمع مصاب بحالة من الركود السياسي والثقافي، إلا أنه مع مرور الوقت، ونتيجة الاتهامات التي طالت هذه الفئة، افتقد المجتمع الثقة بهم، ولم يعد يقبل فكرة «الناشط السياسي»، بعد أن اكتشف أن أغلبيتهم غير مؤهلين لممارسة العمل السياسي ذاته، من هنا أيقن هذا الناشط نفسه أو ذاك أنه لا بد وأن تكون له مهنة يعتاش منها، وبذلك تراجعت هذه المهنة الوهمية، ولم تعد موجودة على السطح إلى حد كبير. ويؤكد الشوبكي، أنه في وقت ما، تحول مصطلح الثوري إلى وظيفة أو مهنة، يستفيد منها هذا أو ذاك، كتعويض عن الفشل المهني والبطالة التي يعانيها بعض الشباب، وبذلك تحول الثوري إلى مهنة للارتزاق، إلا أن بعض الشباب فطن لهذا الأمر، وبدأ يبحث عن مهنة تمنحه مكانته المفقودة بالمجتمع، وبدأ يبني ذاته سياسياً بعيداً عن المتاجرة بأحلام واهية، تضر المجتمع أكثر مما تنفعه، كما أنها لا تساهم في تقدمه وحريته..! افتقاد الصدقية وترى د. منى ذو الفقار، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقاهرة، أن المجتمع المدني لا يعني المنظمات الحقوقية فقط، وإنما يشمل النقابات والأحزاب ووسائل الإعلام، والتي تُعتبر ترساً مكملاً في عمل منظومة الدولة، وليست تعمل بمفردها بمعزل عن المؤسسات، ومن ثم فهي تتأثّر بأي متغيّر يطرأ على نظام الدولة. وتشير ذو الفقار إلى أن هناك فوضى في المجتمع المدني وعمل المنظمات الحقوقية، حيث أصبحت توجد بأعداد كبيرة من دون أي دور حقيقي تقوم به لخدمة المجتمع وتنميته، لافتة إلى أن هناك بعض المنظمات المشهرة ليس لها مقرات، بل إنها تعتمد العمل الحقوقي شكلياً فقط، كذلك انتشار مصطلح ناشط حقوقي من دون أن يكون صاحبه على أدنى دراية ومعرفة بمتطلبات العمل المدني ومؤهلاته، ما أثّر سلباً على شكل منظمات المجتمع المدني، ووضعها في نفس البوتقة مع مؤسسات الدولة في نظر المواطن، وأفقدها الكثير من صدقيتها، مؤكدة أن المنظمات الحقوقية في العالم العربي فشلت في أن توجد في الشارع وتحمي المواطنين وتحفظ حقوقهم، واتجهت بشكل شبه كامل إلى العمل السياسي. وتابعت: إنجازات تلك المنظمات تكاد تكون معدومة سواء في مجال الحريات وحقوق الإنسان أو تنمية المجتمع، حيث كانت مخرجاتها عبارة عن تقارير وتنديدات ترفع وتنشر في وسائل الإعلام، من دون أن يكون لها أي مردود إيجابي على أرض الواقع. تراجع دور المنظمات وعن مستقبل منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، يقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: «إن مستقبل العمل الحقوقي والمجتمع المدني في الدول العربية، يتوقف على الظروف السياسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة، متوقّعاً أن يكون أقل تأثيراً، خاصة في مجال السياسة والحريات والدفاع عن حقوق المواطنين، كذلك تراجع دور المنظمات في ضوء القوانين التي سنّتها بعض الدول العربية، ومنها مصر، لتحجيم دور المجتمع المدني وتقييد حركته»، لافتاً إلى أن المجتمع المدني شريك أساسي لنظام الحكم، ويجب أن يتمتّع بصلاحيات حتى يستطيع القيام بدوره في التنمية وخدمة المجتمع، ومن دون ذلك سيظل المجتمع المدني معطلاً وغير فاعل في القيام بدوره، مؤكداً أن الأوضاع السياسية والاقتصادية تؤثّران بشكل مباشر على عمل المنظمات الحقوقية، وكلما كان هناك اضطرابات سياسية ونزاعات تقلّص دور المجتمع المدني وتراجع دوره، واستخدمه كمجرد شكل لتجميل الصورة العامة للدولة، من دون أن يكون له تأثير فاعل وحقيقي على أرض الواقع. ركوب الموجة ومن جانبه، يقول وائل الخالدي من «شباب الحراك الثوري السوري»: «لا يمكن لعاقل أن ينكر ارتباط هذه الجمعيات المدنية غالباً، بالدول الداعمة، ومن التجربة العملية، فإن تسريبات المعلومات الحساسة أو الإحصاءات المباشرة، تعود إلى رغبة وعاتق المؤسسين، من حيث تسليم اللازم لاستمرار المشاريع فقط!! أو تسليم كل ما لديهم من معلومات لهذه الدول المانحة، بينما في الواقع، فإن غالب هذه المنظمات المدنية، كان دورها تشويهياً واستغلالياً لم يخلُ من التكسب والانتفاع». ويضيف الخالدي، أن حجم التظاهر واتساع رقعته، وهو يتحدث هنا عن الحالة السورية، بين عامي «2011-2012»، دليل معاكس لهذه النظرية، فإنه لم يكن هناك فريقٌ أساساً يدير أعمال التظاهرات، إنما كانت غالباً ما تتم تنسيقها بشكل «شللي»، كل «شلَّة» بمفردها تقرر مكان وزمان التحرك، حتى تم إنشاء التنسيقيات، والتي كانت تطوراً طبيعياً، لحالة التظاهر الشبابية، من دون أي خبرة أو دراية أو تدريب خارجي، في شعب غالبه منعزل عن الخارج ولا يجيد سوى اللغة العربية، وحتى أن هذه الدول المذكورة هي أقرب لنظام بشار الأسد منها للشعب السوري، مما يضع النظرية كلها في مهب الريح، وأن ما حدث نتج عن رغبة حقيقية في التحرر، ولو كان هناك تدريب وتأطير لاستمر ولم يفشل، خاصة عندما حاول التيار السلفي والتيار الأخواني قيادة هذه الحالة وركوب الموجة، لإعادة إنتاج نفسيهما، ففشلت بعدها التظاهرات، تحت وطأة «الاستغلال» من جهة و«إرهاب الدولة» من جهةٍ أُخرى، ليحل محلها «العمل المسلح». ويؤكد الخالدي: لعبت بعض هذه المنظمات دوراً إيجابياً في دفع عجلة التقدم في مجتمعنا، لكن في المجمل العام كما في سوريا، فقد تم استخدام هذا النشاط المدني غالباً لترسيخ سياسات معينة أو دعم جهات معينة، فعلى سبيل المثال، استطاع الأخوان المسلمون السوريون، السيطرة على ظاهرة «المجالس المحلية»، التي أسسها النشطاء المدنيون في سوريا عبر دعم «بريطاني» بدايةً، إنما تحولت لاحقاً، لأداة ضغط إخوانية، تقدم المساعدات وتوزع الاحتياجات، بحسب ما يفيد ويخدم إعادة زرع هذا التنظيم في سوريا، وأيٌّ من المجالس المحلية رفضَ الانضواء، كانت تتم محاربته وخنقه، وتعطيله، أو تصنيع «مجلس محلي موازٍ» له، ليتم تفشيل المجالس المحلية الحقيقية، وخنق النشاط المدني الفعال. كما لعبت العديد من منظمات المجتمع المدني دور «الجاسوس» على الثورة والنظام معاً أو على إفشال الثورة وحرق النشطاء أو دفعهم للرحيل بشتى الطرق، لكن ما زال هناك أمل لتطوير منظمات عمل مدني مستقلة، منطلقة من قاعدة وطنية، ومن تجربة وخبرة مريرة، لتساهم فعلاً بالعمل الوطني الحقيقي، وبذل الجهد في حصر التعاون مع منظمات عربية، على الرغم من ضعفها أو التعاون مع المنظمات الأجنبية ذات الطابع الإغاثي، وضمن رقابة الإدارة المحلية، لنصل إلى مجتمع مدني قادر على بناء بلده، من دون الإضرار بمصالحه القومية، وأمن مواطنيه. تمويلات سياسية من جهته، يقول د. سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية: «إن وسائل الإعلام أحد الأسباب الرئيسية في تشويه دور منظمات المجتمع المدني المصري، ووضع الإعلام كل مسؤول عن هذه المنظمات في بؤرة الخيانة والعمالة وتلقي أموال من الخارج لإسقاط الدولة». وتابع: «على الرغم من هذا تمكّنت منظمات المجتمع المدني في دستور عام 2014، من إدراج المادة 75 والتي تنصّ على: (للمواطنين الحق في إنشاء الجمعيات والمؤسسات الوطنية على أساس ديمقراطي، وتكفل المادة حقهم في الحصول على وضع قانوني، وحظر السلطات الإدارية عن التدخّل في شؤونهم أو حل مجالس إدارتها أو مجالس الأمناء دون حكم قضائي)». ويؤكد أن هذا النص الدستوري يُعدّ انتصاراً لمنظمات المجتمع المدني، ومع ذلك فإن التحدي الأهم هو كيفية تحويل هذا النص إلى قوانين وإجراءات تنظيمية وفق الفلسفة التشريعية في مجلس النواب الحالي، التي ستحكم منظمات المجتمع المدني، والتي ستلزم الدولة في التكيّف مع تلك المنظمات وفقاً للدستور والقانون. وحول شبهة التمويل الأجنبي، يشير سعد الدين إلى أن جميع المنظمات المدنية في العالم تتلقى تمويلات خارجية من أجل تطوير المجتمع، بالإضافة إلى أن هذه الأموال تخضع لرقابة الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات، ويتم إنفاقها وفق شروط محدّدة على المجتمع المدني. ويؤكد أن بعض الجمعيات المدنية تستخدم التمويل الأجنبي لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة، كما أن القائمين على هذه الجمعيات يقومون بنشر تقارير بلغات أجنبية لتزييف الحقائق وترويج معلومات خاطئة تضر بسمعة البلاد في الخارج. صِدام غير معلن ويوضح حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن مصر بها نحو 40 ألف منظمة غير حكومية محلية على الرغم من وجود قوانين مقيّدة للغاية لإنشاء وطريقة عمل هذه المنظمات، ومع ذلك وصفت مصر بأنها واحدة من أكبر وأنشط قطاعات المجتمع المدني في العالم النامي. ويؤكد أنه خلال عهد المخلوع مرسي ساءت علاقة الحكومة مع المنظمات غير الحكومية، ويرجع ذلك إلى محاولات عدة لتمرير قوانين أكثر تقييداً، بالإضافة إلى مداهمة قوات الأمن مقرات بعض المنظمات، وتمت إدانة نحو 43 من العاملين في المجتمع المدني المحلي والدولي بعقوبات متفاوتة تتراوح بين سنة وسنتين وحتى خمس سنوات، بتهمة العمل من دون ترخيص، وتلقي أموال من الخارج. ويضيف: هناك صدام مكتوم أو غير معلن بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، لا سيما وأنه يوجد تحوّل شعبي واتهامات جماهيرية وإعلامية طالت جميع المنظمات المدنية المصرية، وأبرزها: تلقي أموال من الخارج لضرب استقرار الدولة، وتدريب نشطاء على التظاهر وقطع الطريق، بالإضافة إلى اتهامات تتعلّق بإصدار تقارير تُدين الدولة. وتابع: لا شك في أن مسمى الناشط السياسي أصبح مهنة مَنْ لا مهنة له، وهناك شخصيات وأفراد أساءوا كثيراً إلى سمعة المنظمات المدنية. ويشير إلى أن منظمات المجتمع المدني المصرية لعبت دوراً حاسماً في التحوّل إلى مجتمع ديمقراطي، ولكن حدث تضييق حول طبيعة عملها، وباتت الحكومات المتعاقبة تستخدم عبارات مطاطة، أثّرت بشدة على تمويل المنظمات غير الحكومية، وأهمها «اعتبارات الأمن القومي». إرساء معالم الديمقراطية ويوضح د. علاء شلبي، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن دول الربيع العربي شهدت انفتاحاً سياسياً بعد الثورات، ما ساعد على بروز حركات المجتمع المدني كفاعل أساسي في الحياة السياسية، حيث أصبح لها الدور الفاعل في تكريس التحوّل الديمقراطي وإرساء معالم الديمقراطية، وذلك من خلال نشر العمل المؤسسي، وإرساء قيم الممارسة الديمقراطية، والإدارة السلمية للخلاف، مما يساعد في خلق أجواء تعزّز مسارات الانتقال الديمقراطي في الدول حديثة العهد بالديمقراطية، لافتاً إلى أن وجود مجتمع مدني قوي وفعّال يقوم بدوره في تنمية وعي المواطن وتمكينه ينعكس على قدرة المجتمع في النمو والتطور، مؤكداً ضرورة تفعيل الدور المدني للمنظمات والجمعيات الأهلية، مع عدم تسييس دورها لما له من عواقب سلبية كثيرة على دورها الإنساني والمدني الذي تقدّمه. ويضيف: المجتمع المدني في الدول العربية يختلف عن نظيره الغربي، بسبب خصوصية المنظمات الأهلية العربية من حيث طبيعة المجتمع، ومدى استيعابه للعمل المدني وتوافر مقوماته، مشيراً إلى أن دور المجتمع المدني في بعض الدول العربية تمّ تقليصه لصالح الحركات الاحتجاجية التي تجذب المواطنين أكثر من منظمات المجتمع المدني، لافتاً إلى أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في العالم العربي شهدت تطوراً متلاحقاً من مرحلة التنظيم إلى مرحلة التوظيف، ثم مرحلة الرقابة والإشراف، وهذه العلاقة المتداخلة أدت إلى هشاشة المجتمع المدني وتراجع دوره، بسبب طبيعة العلاقة المتأزمة بين منظمات المجتمع المدني والحكومات. ويؤكد شلبي أن المنظمات المدنية تقوم بدور رئيس في تنمية المجتمع، سواء على الصعيد السياسي بنشر قيم الديمقراطية ودعم التغير السلمي وتداول السلطة، وإحداث حراك مستمر في العملية السياسية، وضبط إيقاعها أو على الصعيد الخدمي وتقديم المساعدات الإنسانية في مجالات التعليم والمعرفة والتثقيف، كذلك دورها في الرقابة على الحكومات وتجاوزات أجهزة الأمن، وهو ما يجعلها عاملاً رئيساً في العمل الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان. غرف مغلقة يقول المحلل السياسي باسل ترجمان «تونس»: التمويل الأجنبي للكثير من منظمات المجتمع المدني أمر معروف للجميع ولم يعد خافياً والمشكل الأساسي في هذا التمويل أولاً أنه غير مؤطر أو معروف الأسباب ولا يتم وضعه تحت إشراف الهياكل الحكومية المختصة التي تراقب صرف هذه المساعدات وآلياتها وهذه الجمعيات تقوم عبر تواصلها ومهامها «التنموية» بتقديم تقارير مفصلة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمناطق أو المواضيع التي تهتم بها مما يعطي الجهات المانحة معلومات ميدانية موثقة عن كل هذه الأوضاع على الأرض وهذا ما يصعب على أي جهة مهما كانت إمكانياتها وقدراتها الحصول على هذه المعلومات بالدقة والعمق المطلوبين. هذه الأموال التي تقدم عادة ما تصرف لتمويل أنشطة هذه الجمعيات وليس لتمويل مشاريع تنهض بواقع المناطق التي تعمل فيها، لذا نرى عمل هذه الجمعيات يتسم دائما بالغموض وبالغرف المغلقة بينما لا نرى إنجازات تذكر لها على الأرض. ويضيف ترجمان: عدد من الجمعيات كان لها دور في تصعيد الأزمات داخل المجتمعات التي اجتاحتها منظومة الخراب العربي وجماعات الفوضى الهدامة وقامت بأدوار لتأزيم الأوضاع وخاصة في المناطق التي كانت تنشط فيها من خلال سياسة التحريض على الأوضاع القائمة وتعميق الإحساس بالإحباط والفشل لدى الشباب وهذه الجمعيات سوقت نظريات الوهم، وأن الخروج من الأوضاع الصعبة اقتصاديا واجتماعيا وتكرار نموذج الديمقراطية الغربية يتم حصراً عبر التمرد وتحطيم النموذج السياسي الحالي. وقال: باعتراف الكثيرين فإن منظمة «فريدوم هاوس» دربت العشرات ممن يطلق عليهم نشطاء المجتمع المدني وكان دور هؤلاء المشاركة بفاعلية في زعزعة استقرار الكثير من الدول التي كان من المفترض أن تجتاحها رياح الخراب العربي، وهؤلاء الناشطون عملوا بفاعلية في فترة الفوضى التي شهدتها الكثير من الدول وحاولوا عبر تقنيات دربوا عليها استغلال شبكات التواصل الاجتماعي بتعميم نشر الفوضى والمبالغة بخلق الإشاعات وتحقيق أهداف محددة كان من المطلوب منهم تحقيقها وتجربة ما شهدته تونس ثم مصر وبعدها اليمن وفي فترة قياسية تظهر بوضوح كيف درب هؤلاء النشطاء والأدوار التي قاموا بها في تلك الظروف. أما استعمال صفة ناشط لوصف الكثير من أصحاب من ليس لهم صفات، حسبما يرى ترجمان، فهو أمر يستحق التوقف بدقة أمامه خاصة وأنه تعبير لا معايير علمية أو مهنية له بل صفة تطلق على عواهنها لتوصيف شخصيات هلامية وإعطائها صفة لتمريرها في المجتمعات، وبالتالي هذه الصفات لا تؤدي المعنى. حزمة إجراءات عربية لمواجهة أنشطة المنظمات غير المشروعة مع اتساع نطاق عدم الاستقرار السياسي داخل المنطقة العربية بعد ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وزيادة الاتهامات الموجهة لمنظمات المجتمع المدني بشأن دعم بعضها للعمليات الإرهابية، بدأت الحكومات في عدد من الدول العربية في اتخاذ حزمة من الإجراءات بهدف تحجيم النشاطات غير المشروعة لها، ومراقبة مصادر تمويلها.. ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي: * بدأت الحكومة التونسية بمباشرة تحقيقات موسعة بهدف مراجعة وحصر أموال منظمات المجتمع المدني في أبريل 2015، وذلك بالتعاون مع البنك المركزي التونسي الذي كلف لجنة بمتابعة الوضع المالي لعدد كبير من الجمعيات الخيرية الإسلامية لمعرفة مصادر الأموال التي تتلقاها من الخارج، وقد كشف التحقيق عن أن 20 جمعية فقط من إجمالي 17 ألف جمعية تحترم قانون الجمعيات. * تشديد العقوبات على عمليات التمويل، في مصر، حيث تم تعديل المادة (78) من قانون العقوبات في سبتمبر 2014، ونص التعديل على تجريم «كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أي جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالا سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو في حكمها أو أشياء أخرى أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©