الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«صوت السهارى» حكاية شعبية حول الفراغ العاطفي والتفاصيل المنسية

«صوت السهارى» حكاية شعبية حول الفراغ العاطفي والتفاصيل المنسية
22 مارس 2016 23:39
إبراهيم الملا (الشارقة) عرضت فرقة مسرح دبي الشعبي مساء أمس الأول بقصر الثقافة بالشارقة عملها المسرحي بعنوان «صوت السهارى» ضمن العروض المقامة على هامش الدورة الـ26 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية. العرض من تأليف عبدالله صالح، وإخراج حسن يوسف، وأداء كل من الفنان عبدالله صالح في دور (عيد)، والفنانة والإعلامية فيّ الشرقاوي في دور (خديجة) والفنان عادل خميس في دور (إسحاق)، وبمشاركة مجموعة من الممثلين الشباب كمجاميع مساندة، نذكر منهم : عبدالعزيز الخميس، ومحمد عبدالله صالح، وهاني القطان. تبدأ المشاهد الاستهلالية للعرض بخلفية معتمة يتخللها عزف هادئ على العود، يستحضر فيه المشاهد ألحان وكلمات الأغنية الأثيرة (صوت السهارى) للفنان الكويتي الراحل عوض الدوخي، ما يؤشر ومنذ البداية بوجود ملمح لحكاية شعبية ستكون هي عصب ومناخ ومسعى العرض بتفاصيله المشهدية وحواراته ومقاصده السردية. بعد أن تنجلي عتمة الخشبة ويختفي صوت العزف، يكشف لنا الديكور العام عن باحة ترابية لمنزل متواضع ــ على يمين الخشبة ــ وشجرة يابسة وجرداء على يسار الخشبة، بينما تحيلنا مكونات الديكور الأخرى إلى صورة المزارع القديمة والنائية. أما دخول الممثلين فسيكون مباغتاً ومدوياً من خلال خديجة ــ صاحبة المزرعة ــ وهي تلاحق ببندقيتها ــ إسحاق ــ اليتيم الذي اعتنت به خديجة منذ صغره، أما سبب تعنيفها لإسحاق فيعود إلى إهماله في الحراسة وقلة اهتمامه بمواشي المزرعة، تبدو على خديجة مظاهر الخشونة والصرامة وتكون ترجمتها واضحة في صوتها الأجش، واختيارها لملابس رجالية، وقيامها بمهام شاقة وصعبة، ما يخلق حولها هالة من التفسيرات المغلوطة، وصلت لحد اتهامها بالجنون، بجانب التحرش والإيذاء المتواصل الذي تتعرض له من قبل المتطفلين والعابرين قرب مزرعتها. في النقلة السردية الثانية للعرض نرى «عيد» ــ الفنان عبدالله صالح ــ بهندامه الغربي وكأنه عائد للتو من السفر، يدخل عيد إلى المزرعة ويتأمل ملامح عالم افتقده منذ زمن طويل، ويهيم في تفاصيل شعرية تذكره بجماليات المكان عندما كان طفلا صغيراً يلهو مع خديجة في حوض الماء والأفلاج ويقطفان ثمار المزرعة الطازجة، ما كان يعرضه للتعنيف والضرب من قبل جده ووالده ووالد خديجة، الذين رحلوا الآن ولم تتبق سوى آثارهم الضبابية وسط شواهد عتيقة، وأزمنة ملوّنة تلاشى طعمها الحلو. من جانبها تستغرب خديجة حضور ابن عمها «عيد» في هذا التوقيت الغريب، وبعد أن نسيها الجميع ونسيت هي الأخرى كل التفاصيل التي تربطها بأقاربها، خصوصاً بعد موت والدها في ظل شائعات متضاربة تتهم عمها ــ والد عيد ــ بقتله، بعد أن تنافسا على محصول العسل في الجبال القريبة من المزرعة، وهي التهمة التي يفندها عيد ويدافع بها عن والده الراحل، مشيراً إلى أن والدها زلت قدمه وسقط من أعالي الجبل، وأن والده بريء ولم توجه له أية تهمة من قبل الشرطة أو القضاء في تلك الحادثة، وفي فواصل حوارية تناوبت بين الشد والجذب، ووسط شكوك عارمة لدى خديجة في طبيعة النوايا التي يختزنها ابن عمها، ومسببات حضوره إلى المزرعة التي يطمع الجميع في الاستحواذ عليها. تأخذنا مسارات العرض وسط نقلات فكاهية وأخرى ميلودرامية، إلى حقيقة الفراغ العاطفي الذي يعيشه الاثنان، وإلى تراكم الصعوبات والندامات في حياتهما، والتي جعلتهما في النهاية يستعيدان الطفولة المنسية والبراءة المفتقدة التي جمعتهما في زمن أشبه بالحلم، حيث ما زال في العمر بقية لاستعادة هذا الحلم من كل براثن الغربة والوحشة وسوء الفهم، فجاءت هذه الزيارة المتأخرة لتشفي كل الجروح السابقة، وتزيل كل الأحقاد والمفاهيم الداكنة، وكي تبعث (خديجة) أنوثتها المدفونة، ويسترجع (عيد) هويته التي افتقدها في بلاد بعيدة بحثاً عن ملذات متبخرة وأوهام كاذبة. جاء عرض (صوت السهارى) بسيطاً في تكوينه العام، وخالياً من التنويعات الإخراجية ومن المؤثرات السمعية والبصرية المبالغ بها، ولكن الخط الأدائي في العرض ظل حائراً بين الكوميديا والتراجيديا، رغم أن الحكاية تتوافر على بناء روائي خصب، كان يمكن استثماره بشكل أكثر دقة وإيغالا في التفاصيل الشعرية التي تخاطب الطبيعة والبيئة المحتضنة للحدث، ولعبت الإضاءة دوراً ملحوظاً في التواصل مع أزمنة الحكاية المتناوبة بين الماضي والراهن، والتقاط لحظات العزلة والحوار الداخلي، في مقابل صخب المجاميع والتي اختار المخرج تنحيتها ووضعها على حواف المشهد العام، من أجل التركيز على بؤرة الحكاية والمتمثلة في العلاقة الشائكة والمعقدة بين عيد وخديجة، وما تتضمنه هذه العلاقة من أبعاد مسكونة بالقسوة والوجع، ومهيأة في ذات الوقت لنقلة جديدة ومبهجة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©